تحت شعار "فرص عمل للجميع" أقيم في دمشق وعلى ارض مدينة المعارض الجديدة معرض التوظيف والتأهيل الأول في سورية، حيث التقت مجموعة من شركات ومؤسسات ومكاتب القطاع الخاص، مع "جميع" العاطلين من العمل أو الباحثين عن وظيفة. والمقصود بالجميع هنا، ليس الإشارة إلى العدد الكبير من زوار المعرض، وإنما إلى تنوع زواره، اذ التقى في المعرض الطبيب وموظف الحكومة والعامل العائد من لبنان وشباب ما زالوا يبحثون عن وظيفة بعد 15 عاماً من تخرجهم! وهذا عائد إلى الحاجة الكبيرة الى العمل ونسب البطالة المرتفعة في سورية التي غالباً ما يُشكك في نسبها المعلنة ليقال أنها تفوق النسبة المتداولة بكثير، والتي تجتمع لزيادتها المطردة مجموعة عوامل منها، ارتفاع نسبة التزايد السكاني في مقابل عدد محدود نسبياً من الوظائف في القطاعين الخاص والعام، وعجز الجامعة عن التواصل مع سوق العمل وعجز مناهجها عن دعم ثقافتي العمل والتوظيف. عزلة الجامعة ومشاكل التوظيف تستقبل الجامعة السورية سنوياً ما يزيد على 97 ألف طالب وطالبة، ممن يتم قبولهم وفقاً للدرجات في الشهادة الثانوية وليس بناء على الرغبات الشخصية، ليدرسوا تخصصات تعاني مناهجها العلمية قصوراً واضحاً في مواكبة البحث العلمي والتدريب العملي، وخللاً في التواصل مع سوق العمل، ليدرك الطلاب متأخرين وجود فجوات كبيرة بين تعليمهم الجامعي وبين ما يوفره سوق العمل من وظائف. الوظيفة في القطاع الخاص أصبحت هدفاً أساسياً يسعى إليه خريجو الجامعات، في الوقت الذي صارت فيه الوظيفة الحكومية عاجزة تماماً عن استقبال العدد المتزايد من الخريجين سنوياً، حيث يبلغ عدد المسجلين في مكاتب التشغيل في دمشق منذ آذار مارس 2001 وحتى تاريخ اليوم من حملة الشهادات الجامعية 10885 ولم يتم تشغيل سوى 1469 منهم أي ما نسبته 13.4 في المئة! وعلى أبواب أجنحة الجهات المشاركة، كان طالبو الوظائف ومعظمهم من الطلاب الجامعيين يتقدمون بسيرهم الذاتية، ويرمونها يمنة ويسرة علّ الحظ يسعفهم في الحصول على وظيفة ما، فالعشوائية في البحث عن وظيفة كانت أمراًَ ملاحظاً من قبل المشاركين، والسبب في ذلك ربما الحاجة الشديدة الى العمل لدى البعض، وجهل طالب العمل في ماهية فرص العمل المتوافرة وفي إمكاناته الشخصية والتعليمية. عمر عبد الكريم 22 سنة طالب في كلية الاقتصاد، زار المعرض في يومه الثاني مع مجموعة من أصدقائه بعدما رأى ِإِعلاناته في الطرقات، أما الشركات التي تقدم بوظيفة إليها فقد كانت واحدة من شركات الاتصالات في سورية، ولدى سؤاله عن الوظيفة التي تقدم لها، أجاب عمر بأنه لا يعرف، لأن الشركة ستقوم بتوظيفه وفقاً للوظائف المتوافرة لديها، وإذا ما كان لديه أمل في الحصول عليها قال عمر:" الأمل ضعيف جداً، فقد أخبروني أنهم يفضلون الشباب الذين أنهوا خدمتهم العسكرية، وأنهوا دراستهم الجامعية!". عبدالله حسين طالب حقوق - سنة أولى تقدم للشركة ذاتها، وتعلم في إحدى المعلومات كيفية كتابة سيرته الذاتية، ولكنه تساءل لماذا لم تقم الشركات بالتفريق بين الوظائف المخصصة للطلاب الجامعيين أو للمتخرجين، فمعظم الشركات تطلب خريجين وأصحاب خبرة، وهو لو علم بذلك لما تحمل عناء المجيء. سالم. ن سوري 26 عاماً مهندس وموظف حكومي، تقدم لدى إحدى الشركات للحصول على وظيفة "مهندس مبيعات" ولدى سؤاله عن ماهية هذا العمل أجاب أنه "يسمع عن هذه الوظيفة للمرة الأولى وهو لم يعمل في البيع أبداً، لكنه يريد الخلاص من الوظيفة الحكومية لذا لا بد من وضع سيرته الذاتية في كل مكان، فلا أحد يعرف متى يطرق الحظ بابه" ! حاجة سوق العمل الماسة إلى الكفاءات العلمية التي لا تتوافر غالباً في خريجي الجامعات السورية تحدثت عنها المسؤولة عن قسم الموارد البشرية في شركة ليد للتعهدات والتجارة ريما صراف:" نسبة قليلة من الكوادر الموجودة حالياً مؤهلة بالقدر الكافي. عائق اللغات الأجنبية يؤثر كثيراً في عملية التوظيف. إضافةً إلى أن جامعاتنا السورية تركز كثيراً على المعلومات النظرية أكثر من العملية وهذا يؤدي إلى تشكيل عقبة في وجه الخريجين الجدد. الكوادر الموجودة حالياً في حاجة إلى الكثير من التطوير والتدريب لتستطيع المؤسسات الانتقال بأعمالها إلى مستوى عالمي". وعن التطور الحاصل في مجال التوظيف في سورية تحدثت ريما:" أصبحت الشركات تولي موضوع التوظيف أهميةً أكبر مما مضى. أقسام الموارد البشرية والتوظيف باتت موجودة في معظم الشركات المتطورة. أصبح مسؤولو التوظيف حالياً أكثر إدراكاً لأهمية ربط الخبرة العملية بالشهادة العلمية، ولأهمية منح أي موظف جديد والشركة على حدٍّ سواء فترة تجريبية تعتبر مهمة جداً في عملية التوظيف. إضافةً إلى لجوء المؤسسات إلى وسائل الإعلام للإعلان عن الشواغر لديها. كما أن الكثير من الشركات طورت اختبارات قبول ومقابلات مدروسة قابلة للتقويم الموضوعي". أما عما تأمله الشركات المشاركة في المعرض فقالت: "على سبيل المثال تأمل شركة ليد LEAD الالتقاء بالموارد البشرية التي تعمل في مجالات البناء، الهندسة، الإدارة والمحاسبة إضافةً إلى تقنيين وفنيين ممن يبحثون عن فرص عمل على مستوى عالمي. من خلال هذا المعرض ستتمكن "ليد" من التعريف الى أعمالها والتعرف الى الباحثين عن فرص عمل في المجالات التي تختص بها، وبالتالي إغناء وتوسيع قاعدة بيانات السير الذاتية لديها بكوادر مؤهلة وذات خبرة". زين أتاسي مديرة قسم الزبائن في وكالة Drive الإعلانية ترى أن في سورية نقصاً في ثقافة التوظيف والعمل، يتجلى في نقص ولاء بعض الموظفين واحترامهم للشركات التي يعملون لمصلحتها، وعدم رغبتهم في التعلم ومعرفة المزيد حول عملهم، وأضافت: "كما لا يزال هناك ضعف في استيعاب مفهوم التراتبية الوظيفية، فبعض الأشخاص يعتقد دوماً بأهليته للحصول على وظائف أعلى. وتابعت "يضاف إلى هذا ندرة الأشخاص الذين يقومون بتعليم أنفسهم وصقل قدراتهم من دون أن يقوم بهذا الشخص المسؤول عنهم، فهم ينتظرون من الآخرين دوماً أن يقوموا بالإمساك بأيديهم"، أما عن الطرق التي تتبعها الشركات للتوظيف قالت: "على رغم أن شركات كثيرة استحدثت لديها قسماً خاصاً بالتوظيف والموارد البشرية، ما زالت هناك شركات كثيرة أخرى تعتمد الطرق التقليدية في مجال استقطاب الموظفين"، وعن ملاحظاتها حول معرض التوظيف والتأهيل الأول قالت: "معظم المتقدمين للعمل لا يلبسون بصورة لائقة ولا يحسنون تقديم أنفسهم، كما أن لدى معظمهم ثقة عالية بالنفس تدفعه لعدم القبول بالوظائف البسيطة وللتطلع إلى المراكز العالية مباشرة، أما بالنسبة الى الذكور فقد لاحظت أن معظمهم يسأل إذا ما كان للشركة التي يتقدم إليها فروع خارج سورية، حيث يستطيع السفر لاحقاً للعمل فيها، وكم من الوقت سيستغرق هذا". الجمعيات الأهلية وحاجة السوق المعرض الذي رعته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كان من تنظيم الجمعية السورية لرواد الأعمال وجريدة الوسيلة. ففي وقت تقوم جريدة الوسيلة الإعلانية بدور فعال في الإعلان عن الوظائف وتستقبل أسبوعياً حوالى 400 طلب توظيف، تسعى الجمعية السورية لرواد الأعمال الشباب وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية لتحفيز الفكر الريادي وصقل مهارات الشباب السوري. عضو مجلس إدارة الجمعية كريم طباع تحدث عن فكرة المعرض" أردنا القيام بدور الوسيط بين الوظائف المتوافرة وطالبيها، ولا بد لنجاح مثل هذه المبادرات من توافر دعم الجهات الحكومية والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية" وعما يمكن أن توفره الجمعيات الأهلية للشباب في هذا المجال أجاب السيد كريم "لا بد أن تبدأ الجمعيات الأهلية بأخذ دورها في مساعدة الشباب على تطوير كفاءاتهم، ففي جمعية رواد الأعمال الشباب لدينا برنامج تدريب مجاني للشباب لمساعدتهم على تقديم أنفسهم للقطاع الخاص، وتعريفهم بالوظائف المتوافرة، إضافة لتقديم محاضرات للطلاب ما قبل الجامعة لإعطائهم فكرة أوسع عن مجالات العمل الجديدة، فربما يساعدهم هذا في اختيار دراستهم الجامعية في شكل أفضل". معرض التوظيف والتأهيل الذي أقيم في سورية للمرة الأولى، كان فرصة للكشف عن مجموعة من الثغرات فمحدودية الكفاءات في مجالات كثيرة وعدم قيام التعليم الجامعي في سورية بتغطية اختصاصات عدة جعل الكثير من الشركات المشاركة في المعرض تعود من دون التمكن من ملئ الشواغر الموجودة لديها بالكفاءات العالية، لا سيما منها وظائف مجالات الإعلان والإعلام والتكنولوجيا والإدارة وغيرها، فالسيرة الذاتية التي تقدم بها الزوار كانت من رتب متساوية تقريباً، إلا في ما ندر، وبذلك فإن الوظائف الشاغرة التي تتطلب كفاءات عالية بقيت شاغرة. أما رسوم المشاركة في المعرض فكانت عالية بالنسبة الى بعض المكاتب والشركات الخاصة التي تشغل عدداً كبيراً من الشبان بصفة عمل يومي أو موقت، لذا لم تتمكن من المشاركة في معرض أجمع كثر على أهميته كبادرة لا بد من تطويرها وتعميق تواصلها مع الجهات الحكومية والخاصة، لتحقيق الهدف الذي وجد المعرض لأجله وهو خلق فرص عمل للراغبين فيها، إن لم يكن للجميع.