تكشف حال البنك الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية في مصر عن اختبار دقيق وحاسم ل"صدقية" نشاط الصيرفة الإسلامية، عندما تتعرض لأوضاع سوق مصرفية هي بالإجمال سوق صيرفة غير إسلامية، وتظهر عناصر مقاومة متزايدة، داخل هذه السوق لبعض اوجه النشاط التي تتبناها هذه النوعية المفارقة للطابع الغالب على نشاط السوق. غير أن حال المصرف نفسه تكشف كذلك عن واحدة من المشكلات الهيكلية ذات الصلة بالصعوبات التي يواجهها حالياً في مصر, وتفرض عليه بموجب نصوص المادة 76 من قانون المصارف المعدل في عام 2003 أحد خيارين اما الدمج القسري او التصفية. أما المشكلة فهي دور الحجم والملاءة المالية في نجاح نشاط الصيرفة الإسلامية الى جانب الادارة الجيدة بطبيعة الحال. من هنا قد يظهر من مواجهة المصرف للخيارين السابقين في السوق المصرفية في مصر, أنه يعكس في هذه الحال تراجعاً لنشاط الصيرفة الإسلامية في هذه السوق, وهو ما يستحق المراجعة بعد قرابة ثلاثة عقود قضاها المصرف منذ مطلع الثمانينات في تطبيق نظم الصيرفة الإسلامية. وفقاً لمصدر اللجنة التي تبحث مصير اربعة مصارف اخرى الى جانب "الإسلامي الدولي" في البنك المركزي المصري تحت اشراف نائب المحافظ طارق عامر, هي "المهندس" و"التجاريون" و"المصري المتحد" و"النيل" وجميعها مصارف تجارية تقليدية, يواجه البنك الإسلامي الدولي - بعد عجزه على مدار ما يقرب من 6 أشهر تقديم خطة لزيادة رأسماله المصدر والمدفوع الى الحد الادنى الذي نص عليه القانون لكل مصرف وهو 500 مليون جنيه -, صعوبات بالغة, منها رفض غالبية المساهمين الذين يستحوذون على اكثر من 80 في المئة من رأسماله وهي مصارف القطاع العام التجارية الاربعة: الاهلي ومصر والقاهرة والاسكندرية, زيادة رأس مال البنك البالغ 60 مليون دولار مقومة وفقاً للقيمة الدفترية في سنة التأسيس. ما يعني أن البنك يحتاج الى ما يقرب من 450 مليون جنيه لاستكمال الزيادة, تتوزع بحسب هيكل المساهمات وهو ما تم رفضه طوال هذه الفترة, من دون مقترحات بديلة من جانب ادارة المصرف. ولفت المصدر الى أن المركزي يستعد حالياً لإصدار قرار بدمج المصرف قسرياً في بنك فيصل الإسلامي, بعد العرض الذي تقدم به الاخير والذي قطع شوطاً مهماً بعد لقاء رئيس مجلس إدارته الأمير محمد الفيصل, رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف اخيراً. الا ان تقويم أصول المصرف وقيمة الصفة ما زالا محل مشاورات بين المساهمين ومجلس إدارة فيصل الإسلامي. ويزيد من صعوبات اتمام عملية الدمج في هذه الظروف التي ربما تقدم مخرجاً لمأزق نشاط الصيرفة الإسلامية, تحمل المصرف الكثير من الاصول الخطرة التي قد تؤثر بصورة ملحوظة في جودة اصول فيصل، ما يتطلب اجراءات احتياطية كبيرة. وخلاف هذه العراقيل الهيكلية التي لا تعفي المصرف الإسلامي من المسؤولية عن الوضع الذي آل إليه بعد ما يقرب من ربع قرن على عمله في السوق المصرية, يتحمل المصرف بحسب ما يرى الخبير المصرفي والمدير العام السابق في البنك العربي في مصر الدكتور خليل أبو راس مسؤولية الخسائر التي مني بها. ويميز هذا المبدأ ما بين نشاط البنوك الإسلامية والمصارف التقليدية، على أساس ان الاولى تمارس دورها كشريك في الاستثمار الذي تقدم اليه الائتمان او التمويل. اما المصارف التقليدية فهي تجارية تعتمد على الربح من العائد المباشر على عملية الاقراض من دون المشاركة في مخاطر الاستثمار. وقد عانى الجهاز المصرفي المصري من مثل هذه الظروف خلال التسعينات، عندما نما الائتمان المصرفي بصورة غير محسوبة نتج منها الكثير من حالات التعثر التي ادت الى ارتفاع معدلات الاصول الخطرة داخل المصارف المصرية. في هذا الوقت وفيما كان يتعين على المصارف الإسلامية ان تكون الاكثر حذراً كمصارف تشارك في تحمل مخاطر الائتمان الذي قامت بمنحه، افرط البنك الاسلامي للتنمية في منح الائتمان، ملتزماً قواعد الصيرفة الاسلامية العامة من دون توخي الحذر المطلوب، المدعوم بدراسات وبحوث السوق الدقيقة، على رغم ان المصرف كان يملك مركزاً لبحوث الاقتصاد الاسلامي. ويشير ابو راس الى ان المصرف لم يقتصر على مشاركة وحدات السوق التوسع الائتماني غير المحسوب فقط، وانما قام بمعالجة اخطاء بأخرى حيث لجأ الى تعويض بعض حالات التعثر في الائتمان، بمنح المزيد من القروض في عمليات البيع التي شملت الاراضي، خصوصاً التي يصعب تسييلها، ولكنها تؤول الى المصرف وفقاً لقواعد المشاركة. وحتى يستطيع المصرف تسييل قيمتها لتدخل ضمن بند القروض التي تمت تسويتها، يقوم ببيعها الى عملاء آخرين بسعر أغلى بكثير في مقابل عرض لإقراض العميل ما يزيد على قيمة مستحقات المصرف في الارض، فيقوم بتسوية المديونية الاولى ويتشارك والعميل في القيمة الجديدة للارض التي لم تحل مشكلتها. فأدى ذلك الى تأزم الاوضاع داخل المصرف، اذ بات في حوزته الكثير من الاصول الاراضي بصفة خاصة قيمتها الدفترية تزيد كثيراً عن قيمتها السوقية. وهو وضع سلبي لا يمكن أن يكون نظام الصيرفة الإسلامي مسؤولاً عنه بصورة مباشرة، لكن الادارة البشرية وفرت له فرص الاسراف في المخاطرة لتكون النهاية فرض البنك المركزي في البلاد قرار الدمج الإجباري عليه. يدافع الباحث في المصرف الاسلامي للتنمية شريف حسني عن نشاط المصرف قائلاً إن المصرف في ظل نظام الصيرفة الإسلامية لا يكون غانماً الا اذا كان غارماً، لذلك كان المصرف مسؤولاً في ما يتعلق بعمليات المفاوضات المالية التي تشمل البيع والاجارة والاستصناع او المشاركات. وتشمل اشكال المضاربة والمزارعة والمساقاة، حرصاً على مراعاة قواعد هذا النظام وما تعرض له. ولا يمكن اخراجه من نطاق ما واجهه السوق. وبطبيعة مبدأ المشاركة، وفي ظل محدودية رأس المال وإصرار المركزي على زيادة رؤوس أموال المصارف لمواجهة تلك الاوضاع اضطر المصرف الى مواجهة خيار الانسحاب من السوق وهو مصير ما يقرب من 24 وحدة مصرفية سيكون عليها ان تواجه الخيار نفسه عاجلاً أم آجلاً وفقاً لتوجهات الحكومة الراغبة في ضغط عدد الوحدات المصرفية من 54 حالياً الى 30 وحدة. يبقى ان رغبة بنك فيصل الإسلامي في الاستحواذ على هذا المصرف تبقي نسبياً على زخم هذا النشاط واستمرارية النموذج من خلال كيان متكامل متخصص في هذه النوعية من الصيرفة، من دون الاقتصار على عدد من فروع المعاملات الاسلامية بالمصارف التجارية التقليدية في السوق.