يعاني المستثمرون في العديد من أسواق الأسهم الخليجية والعربية من غياب عدالة الحصول على المعلومات المهمة التي تؤثر على أسعار اسهم الشركات المدرجة في هذه الأسواق، الأمر الذي ينعكس على كفاية هذه الأسواق وصدقيتها. في الوقت نفسه، فإن المطلعين، سواء كانوا أعضاء مجالس إدارات الشركات أو المديرين التنفيذيين أو المقربين منهم، عادة ما يحققون مكاسب كبيرة أو يتجنبون خسائر جسيمة من خلال اطلاعهم على المعلومات الداخلية للشركات واتخاذ قرارات الاستثمار سواء بالبيع أو الشراء قبل نشر هذه المعلومات للجمهور. ان من السهولة بمكان ملاحظة هذه الظاهرة بصورة واضحة أثناء مواسم نشر البيانات المالية سواء البيانات الربعية كل ثلاثة شهور أو السنوية وحيث تفرض هيئات الأوراق المالية على الشركات المدرجة في الأسواق المالية الإفصاح عن بياناتها المالية كل ثلاثة شهور لمساعدة المستثمرين على تحديد السعر العادل لأسهمها، حيث نلاحظ وجود طلب مفاجئ على أسهم بعض الشركات المدرجة في الأسواق أو عروض بيع مفاجئة يتبعها بعد يوم أو يومين نشر بيانات مالية لهذه الشركات أو الإفصاح عن أخبار مهمة، بحيث تكون النتيجة تحقيق مكاسب رأسمالية لهؤلاء المطلعين على حساب بقية المستثمرين. وأكثر شرائح المستثمرين تضرراً من موضوع الاتجار الداخلي أو الإفادة من المعلومات الداخلية هم صغار المستثمرين لان قراراتهم بالشراء أو البيع عادة تكون بعد نشر المعلومات وليس قبلها، بينما تتوافر لدى بعض كبار المستثمرين وكبار المضاربين حصة الأسد من المعلومات الداخلية نتيجة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تربط بينهم وبين أعضاء مجالس إدارة الشركات. وعلى رغم القوانين والأنظمة واللوائح التي وضعتها هيئات الأوراق المالية في المنطقة للحد أو للقضاء على هذه الظاهرة السلبية، إلا أن تطبيق هذه الأنظمة عادة يواجه صعوبات مختلفة من كبار المتنفذين. وإذا كانت المعلومات هي روح الأسواق المالية والمصدر الرئيس لاتخاذ قرارات الاستثمار سواء بالبيع أو الشراء، فإن الاستمرارية في تدفقها وتوقيت نشرها وصحتها ودقتها وصدقيتها هي الأساس في كفاية الأسواق المالية باعتبار أن كفاية الأسواق تتطلب أن تكون الأسعار الحالية أو المتداولة لأسهم الشركات المدرجة تعبر بشكل دقيق عن واقع هذه الأسهم من حيث قوتها وضعفها في تحقيق العوائد المتوقعة، وبما يتناسب مع المدفوع فيها من قيم، وهذا بالطبع يؤدي إلى صعوبة وجود حالات تمكن بعض المستثمرين من جني أرباح غير عادية أو قيام المستثمرين باستثمار أموالهم في أوراق مالية مسعرة بأكثر من قيمتها العادلة، والمحافظ الاستثمارية العالمية لا تفضل الاستثمار في أسواق تعاني من خفض مستوى الإفصاح والشفافية. لقد أقرت المنظمة الدولية لهيئات أسواق المال عدداً من المبادئ بخصوص موضوع الإفصاح تنص على "الإفصاح الكامل والدقيق، وفي المواقيت المناسبة، عن المعلومات المالية ونتائج الأعمال والمعلومات الاخرى اللازمة للمستثمر لاتخاذ قراره الاستثماري، إضافة إلى حصول مالكي الأوراق المالية أو مساهمي الشركات على معاملة عادلة ومتساوية، خصوصاً في ما يتعلق بالحق في الحصول على البيانات والمعلومات وحتى لا تستغل المعلومات الداخلية لمصلحة فئة على حساب الاخرى، إضافة إلى إعداد البيانات المالية وتدقيقها طبقاً للمعايير المحاسبية والمراجعة المقبولة دولياً". لقد أسهم تدني مستوى الإفصاح والشفافية باعتماد العديد من المتعاملين في الأسواق العربية على الإشاعات التي يروجها المضاربون بهدف تعزيز حجم الطلب على أسهم بعض الشركات ورفع سعرها. وهذا بالطبع يسبب خسائر كبيرة لصغار المستثمرين. لقد اتخذت الأسواق المالية في دولة الإمارات العربية قرارات بإلغاء صفقات تمت على أسهم بعض الشركات بعد التأكد من أنها تمت بناء على معلومات داخلية وحقق المطلعون من خلالها أرباحاً استثنائية، إضافة إلى قرارات في حق شركات خالفت قوانين الإفصاح والشفافية. إلا أن مستوى الإفصاح والشفافية في دولة الإمارات لا يزال دون مستوى الطموح. مستشار بنك أبو ظبي الوطني للأوراق المالية.