في المشهد الأخير لفيلم المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي"خارج الحياة"الذي عرض في مهرجان"كان"السينمائي عام 1991 وفاز مشاركة بجائزة لجنة التحكيم، ثمة صحافي فرنسي كان مخطوفاً في الحرب اللبنانية وأطلق سراحه وعاد الى باريس، لكنه لا يبدو سعيداً في المقهى بين رفاقه... وهذا ما يفسر حركته الاخيرة: يقوم من مكانه الى غرفة الهاتف ويطلب رقماً، لنكتشف انه رقم هاتف في بيروت. ينتقل المشهد الى شقة الخاطفين ولا من يجيب... والفيلم ينتهي من دون ان نعرف ماذا كان سيقول الفرنسي المخطوف لخاطفيه. فيلم"الرهينة"ولنطلق عليه هذا الاسم طالما ان عنوانه الياباني لا يعني اكثر من التعامل الشيء للناس مع رهينة اخرى... هي يابانية هذه المرة يتناول حرباً اخرى، هي حرب العراق. ولعله اول فيلم عالمي كبير عن هذه الحرب، مع انه بالكاد يذكرها او يذكر اسم العراق، ولكن كل شيء واضح، فنحن هنا في اليابان والفتاة"يوكو"التي تعمل خادمة في فندق، كانت، كما سنعرف بسرعة، مخطوفة في العراق، لكنها اطلقت، وسط ظروف لا يوضحها الفيلم، كما انه لا يوضح لماذا اختطفت، وهي العاملة في منظمة انسانية تطوعية. المهم انها عادت الى بلدها، وكان يمكن لعودتها ان تكون مجيدة كعودة صحافي"خارج الحياة". لكن الامور في اليابان تبدو مختلفة: ففي البداية يستعدي مدير الفندق يوكو ويطردها من عملها، لأن لا احد يرغب في التعامل مع مخطوفة سابقة، لماذا؟ ما من جواب، فكل ما نشاهده في الفيلم بعد ذلك سلسلة من المضايقات والتهديدات تتعرض لها يوكو، يصورها مخرج الفيلم الياباني كوباياشي، سبق ان شارك في"كان"مرات عدة، ويبدو في هذا الفيلم الجديد، في احسن حالاته، بأسلوب واقعي يخلو من أي تأثير درامي. بنى كوباياشي فيلمه انطلاقاً من حادث حقيقي. وكذلك انطلاقاً من مجابهة المجتمع الياباني المغلق بحسب فيلمه لثلاثة يابانيين كانوا خطفوا في العراق وأطلقوا، مسببين في اثناء ذلك ذلاً كبيراً لوطنهم ذي القيم الغامضة. وليوكو المصير نفسه: الناس في الطريق يمطرونها بالشتائم، خطيبها يتخلى عنها، مدير مصنع والدها يشكو من انفضاض الزبائن عن منتوجات المصنع بسببها... وكل هذا من دون ان نعرف السبب. فقط نتذكر ان الثلاثة الذين خطفوا، في الواقع اضطروا بعد عودتهم الى التعبير عن عميق اعتذارهم لحكومة بلادهم الحليفة في حرب العراق، بسبب ما سببوا لها من اذلال على الصعيد العالمي. هل حال يوكو مماثلة؟ لا ندري. كل ما في الامر ان كوباياشي في هذا الفيلم يقارب حرب العراق على طريقته الخاصة، لكنه يقدم مرافعة حادة ضد مجتمع بلاده وردود افعاله غير المنطقية. غير انه في هذا الفيلم الذي وضع حرب العراق على خريطة مهرجان"كان"بأفضل مما فعل فيلم"كيلومتر زيرو"لهاينر سليم الذي يعرض باسم العراق ولا يحظى بتعاطف يطرح السؤال الذي لم يتوقف طرحه منذ بدايات الخطف في حروبنا الشرق اوسطية"اللذيذة": هل هناك حياة حقيقية بعد الخطف؟ في فيلم مارون بغدادي جاء الجواب مبهماً، اما في فيلم كوباياشي فجاء اكثر قسوة: تقرر يوكو، بعد كل ما حدث لها، ان تعود الى الشرق الاوسط.