استشهاد أربعة فلسطينيين في غارة إسرائيلية على منزل وسط قطاع غزة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    ثمار الاستدامة المالية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    سفارة السعودية بواشنطن تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    النصر يُعلن عن تفاصيل إصابة عبدالله الخيبري    موعد مباراة السعودية والبحرين.. والقنوات الناقلة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    ضبط (20159) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    لمحات من حروب الإسلام    الإستثمار في الفرد والمجتمع والوطن    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    طريقة عمل شوربة البصل الفرنسية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يجري عملية متقدمة بالروبوت الجراحي وينقذ عشرينية من استئصال الرحم    حرس الحدود بعسير ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهم البحرية في في عرض البحر    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    القبض على شخص في الرياض لترويجه المخدرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    تأجيل اختبارات منتصف الفصل الثاني للأسبوع القادم    محمد آل فلان في ذمة الله    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    أمطار خفيفة على جازان وعسير والباحة    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



15 أيار 2005 ذكرى النكبة ... مفهوم الحقوق الفلسطينية ونطاقها أرضاً وإنساناً
نشر في الحياة يوم 15 - 05 - 2005

من الأمور الباعثة على أشد الألم في ذكرى النكبة إهمال المتابعة التنفيذية، على خلفية من التجاهل والتعتيم، لما هو في رأينا أخطر قرار صدر عن المجتمع الدولي بخصوص العدوان الإسرائيلي على الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وهو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتبني فتوى محكمة العدل الدولية في مسألة "الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار الذي تقوم إسرائيل بإنشائه في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وحولها،" وذلك ختاما للدورة الطارئة العاشرة، المنعقدة عملاً بالقرار رقم 377 ألف د-5 المعروف بقرار "الاتحاد من أجل السلام"، والمخصصة للنظر في "الأفعال الاسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة".
إن لهذا القرار، في اجتهادنا، من المزايا ما ينبغي معه اعتباره منذ صدوره المرجعية الأم للحقوق الفلسطينية ولشروط السلام العادل والشامل بدلاً من المرجعيات الفاشلة التي اتخذتها القيادات الفلسطينية والعربية ابتداءً ب 242 وعبر أوسلو وانتهاء بخريطة الطريق تحت شعار "الأرض مقابل السلام"، والتي انطوى مسارها على تآكل واستنزاف مستمر لنطاق الحقوق الفلسطينية بتأثير استمرار إسرائيل في استعمار الأرض ورفضها النظري والعملي، بمساندة من الولايات المتحدة، مبدأ الإنسحاب من كامل الأراضي التي احتلت عام 1967، واعتبارها أراضي متنازعاً عليها. في المقابل، فإن ميزة "فتوى" محكمة العدل الدولية وقرار الجمعية العامة المتبني لها أنهما قاطعان بأن جميع الأرض الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية التي احتلت عام 1967 هي أراض محتلة. والميزة الأخرى والتي لا تقل خطورة، أن هذه "الفتوى"، وهي العبارة العربية التي تصف بها المحكمة مشورتها، ليست مجرد "رأي استشاري" غير ملزم كما تبخسها الدعاية الصهيونية، بل هي جواب على سؤال الجمعية العامة عن أحكام القانون الدولي في المسألة المطروحة. فإذا صح أن المشورة القانونية للمحكمة غير ملزمة في حد ذاتها، فإن عناصر هذه المشورة هي بيان من أعلى مرجع قانوني في العالم بمقتضيات القانون الدولي الملزم لإسرائيل كما لجميع الدول، خصوصاً بعد قرار الجمعية العامة بتبنيها بأغلبية ساحقة من خلال آلية "فلنتحد من أجل السلام" التي تعطي لهذا القرار كامل القوة الشرعية الدولية التي تتمتع بها قرارات مجلس الأمن.
في عام 1950، حين منع الفيتو السوفياتي مجلس الأمن من قرار يمكّن المجتمع الدولي من مساعدة كوريا الجنوبية لمقاومة الغزو الشمالي، ابتدعت الولايات المتحدة الفتوى بأنه "حين تواجه الأمم المتحدة حالة تهديد للسلام، أو خرق للسلام، أو فعل اعتداء، وحين لا يستطيع الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الاتفاق على إجراء ضد ذلك الخرق أو الاعتداء، فإن بإمكان الجمعية العمومية للأمم المتحدة أن تجتمع "في الحال" وأن تقرر الاجراءات الجماعية التي يجب أن تتخذها الدول الأعضاء من أجل صيانة أو استعادة السلام والأمن الدوليين". واستناداً الى هذه الفتوى حاربت الولايات المتحدة في كوريا تحت علم الأمم المتحدة، واستناداً الى الآلية ذاتها، تمكن المجتمع الدولي من دحر العدوان الثلاثي على مصر في أزمة السويس عام 1956. وثمة ثماني حالات أخرى التأمت فيها الأمم المتحدة في دورات طارئة بموجب "الاتحاد من أجل السلام"، آخرها الدورة الطارئة العاشرة حيث قررت الجمعية العامة أن تطلب إلى محكمة العدل الدولية أن تصدر على وجه السرعة "فتواها" بشأن "الآثار القانونية الناشئة عن تشيد الجدار الذي تقيمه إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وحولها".
في 9 / 7/ 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية فتواها بشأن تلك المسألة مؤيدة من جميع أعضائها من القضاة العالميين المختارين من مختلف أقطار العالم باستثناء القاضي الأميركي برغنتال Buergenthal الذي، مع ذلك، لم يعارض جوهر الفتوى بل اجتهد بأن المحكمة كان ينبغي أن تمارس صلاحيتها الاختيارية في الامتناع عن الإفتاء في المسألة المعروضة لأنها في رأيه لم يكن لديها الحقائق الكافية عن هموم إسرائيل الأمنية. إلا أنه مع ذلك يقول:" إن تصويتي السلبي. لا يعكس رأيي في أن إنشاء إسرائيل جدار يثير مسائل جدية كمادة للقانون الدولي، وإنني أشاطر المحكمة في استنتاجها أن القانون الإنساني الدولي، بما فيه اتفاقية جنيف الرابعة، وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، جميعها تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة وينبغي لذلك أن تكون موضع الالتزام الأمين من قبل إسرائيل. وإنني أقر بأن الوسائل التي تستعمل للدفاع ضد الإرهاب ينبغي أن تلتزم جميع قواعد القانون الدولي المنطبقة وأن الدولة التي هي ضحية الإرهاب لايجوز لها أن تدافع عن نفسها ضد هذه الآفة باللجوء إلى إجراءات يحرمها القانون الدولي." [بيان القاضي برغنتال www.icj.org.
وفي 19/7/2004 تبنت الجمعية العمومية فتوى المحكمة وتوصياتها بأغلبية 165 صوتاً ضد 6 وامتناع 15، فتحولت فتوى محكمة العدل الدولية بذلك إلى شرعية دولية ملزمة كما لو كانت قرارا من مجلس الأمن.
ثبتت المحكمة في فتواها بداية "صلاحية الجمعية العامة وصحة إجرائها المتخذ "بعقد دورتها الطارئة العاشرة بموجب الاتحاد من أجل السلام، لاسيما أن قرار مجلس الأمن 1515 للعام 2003 الخاص بموضوع خريطة الطريق لم يعالج موضوع الجدار، كما أن فشل مجلس الأمن في اتخاذ أي قرار في شأن مسودات قرارات تعالج موضوع الجدار ينفي أن موضوع الجدار هو موضع نظر مجلس الأمن، وبذلك يطلق المجال للجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ الإجراء الذي اتخذته والمنسجم تماما مع مقتضيات "الاتحاد من أجل السلام". وسجلت المحكمة ملاحظتها أن الدورة الطارئة العاشرة للجمعية العامة التأمت بسبب التصويت السلبي في مجلس الأمن من قبل عضو دائم بعينه من أعضاء المجلس الأمر الذي عطل فعالية مجلس الأمن في أحوال تجلى فيها بوضوح التهديد للسلم والأمن الدوليين. الفقرات 29-31.
وأهم ما يلفت النظر في فتوى المحكمة استنادها إلى أساسيات الحقوق الفلسطينية في أصولها التاريخية منذ عهد الامبراطورية العثمانية، على النحو التالي:
أ عهد الانتداب
تبين الفتوى في الفقرة 70 أن فلسطين كانت جزءاً من الامبراطورية العثمانية، وأنه في نهاية الحرب العالمية الأولى، عهدت عصبة الأمم إلى بريطانيا العظمى بانتداب على فلسطين التي يعتبر شعبها وفقا لعهد الانتداب "من الأقوام التي وصلت درجة من التقدم يمكن معها الإعتراف موقتاً بوجودها كأمم مستقلة رهناً بالمساعدة من قبل الدولة المنتدبة، حتى يحين الوقت الذي تصبح فيه قادرة على النهوض وحدها". وتذكّر المحكمة بأنها في فتوى سابقة عندما تحدثت عن الانتداب عموماً، لاحظت أن "الانتداب أقيم لمصلحة سكان الأقاليم ولمصلحة البشرية عموماً، بوصفه نظاماً دولياً ذا هدف دولي يتضمن مبدأين أساسيين: مبدأ عدم الضم والمبدأ القائل إن رفاهية وتقدم الشعوب غير القادرة بعد على النهوض بأمورها يعتبر ان "أمانة مقدسة في عنق المدنية".
ب قرار التقسيم
في عام 1947 أعلنت المملكة المتحدة اعتزامها إنجاز الجلاء عن الإقليم الموضوع تحت الانتداب بحلول 15 أيار مايو 1948. وفي الوقت نفسه، اتخذت الجمعية العامة في 29/11/ 1947 القرار 181 موصية باعتماد مشروع التقسيم وتنفيذه بإقامة دولتين مستقلتين إحداهما عربية والأخرى يهودية، وكذلك إنشاء نظام دولي خاص لمدينة القدس. ورفض السكان العرب في فلسطين وكذلك الدول العربية هذا المشروع محتجين بأنه غير متوازن. وفي 14 أيار1948 ، أعلنت اسرائيل استقلالها مستندة الى قرار الجمعية العامة، وعندئذ بدأ صراع مسلح بين اسرائيل وعدد من الدول العربية ولم ينفذ مشروع التقسيم.
ج اتفاقات الهدنة
في تشرين الثاني نوفمبر 1948 قرر مجلس الأمن" أن تنفذ هدنة في جميع قطاعات فلسطين"، فتم إبرام اتفاقات هدنة في عام 1949 بين إسرائيل والدول المجاورة، أحدها اتفاق الهدنة مع الأردن حيث عين الاتفاق خط حدود الهدنة الخط الأخضر. ونصت اتفاقات الهدنة على أنه "لا يجوز أن يتقدم أي عنصر من القوات العسكرية أو شبه العسكرية لأي من الطرفين إلى ما وراء خطوط حدود الهدنة أو يعبرها لأي غرض كان...".
وفي الصراع المسلح الذي نشب في عام 1967، احتلت القوات الاسرائيلية جميع الأراضي التي كانت تشكل فلسطين الموضوعة تحت الانتداب البريطاني بما في ذلك الأراضي المعروفة بالضفة الغربية، والتي تقع الى الشرق من الخط الأخضر.
بعد ذلك التأصيل التاريخي تنتقل المحكمة إلى استعراض أفعال إسرائيل في الأراضي المحتلة وموقف الشرعية الدولية ممثلة بقرارات مجلس الأمن في كل حالة:
مدينة القدس
"منذ عام 1967 حتى الآن، اتخذت اسرائيل عدداً من التدابير في هذه الأراضي تستهدف تغيير وضع مدينة القدس. وبعد أن أشار مجلس الأمن في عدد من المناسبات إلى "مبدأ عدم جواز اكتساب الأرض بالقوة العسكرية"، أدان تلك التدابير، وبموجب القرار 298 1971 أكد بأوضح عبارة ممكنة أن: "جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها اسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس، بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات ونقل السكان والتشريعات التي تستهدف ضم الجزء المحتل، هي غير صحيحة إجمالاً ولا يمكن أن تغير ذلك الوضع". وفي عام 1980 عندما اعتمدت إسرائيل القانون الأساسي الذي يجعل القدس عاصمتها "الكاملة والموحدة"، اتخذ مجلس الأمن القرار 478 1980 "بأن سن ذلك "القانون الأساسي" يشكل انتهاكا للقانون الدولي" وأن "جميع التدابير والإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها اسرائيل والتي غيرت أو تهدف الى تغيير طابع ووضع مدينة القدس المقدسة هي لاغية وباطلة". وقرر كذلك "عدم الاعتراف ب"القانون الأساسي"، وأي اجراءات أخرى من جانب اسرائيل تهدف، كنتيجة لهذا القانون، الى تغيير طابع ووضع مدينة القدس". [الفقرتان 75و76.
الأراضي الفلسطينية الأخرى المحتلة
في الفقرة 78 من فتواها، تصدر المحكمة حكمها القاطع المستند إلى القانون الدولي العرفي في ما يخص "قواعد احترام وأعراف الحروب البرية" والمرفق باتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907، أنه بموجب هذا القانون "تعتبر الأراضي محتلة عندما توضع بالفعل تحت سلطة الجيش المعادي ويشمل الاحتلال الأراضي التي بسطت فيها هذه السلطة وصار بالإمكان ممارستها. بناء عليه فإن الأراضي التي احتلتها اسرائيل في عام 1967 والواقعة بين الخط الأخضر والحدود الشرقية السابقة لفلسطين زمن الانتداب خلال الصراع المسلح بين اسرائيل والأردن هي أراض محتلة، ووضع إسرائيل فيها هو وضع السلطة القائمة بالاحتلال، وليس للأحداث التي حدثت بعد ذلك في هذه الأراضي، من مصادرة للأراضي والممتلكات، وبناء المستوطنات وضم للقدس أي أثر يؤدي إلى تغيير هذه الحالة. وجميع هذه الأراضي بما فيها القدس الشرقية مازالت أراضي محتلة ومازالت إسرائيل لها وضع السلطة القائمة بالاحتلال، وهذه بالضرورة هي الأراضي بعينها التي أنشأت فيها اسرائيل أو تعتزم انشاء الأشغال الخاصة بالجدار".
وفي تحديدها لقواعد ومبادئ القانون الدولي التي على أساسها يمكنها تقدير مدى قانونية التدابير التي اتخذتها وتتخذها إسرائيل في الأراضي المحتلة اعتمدت المحكمة مبدأين:
الأول: لا قانونية أي اكتساب للأراضي ناشئ من التهديد باستعمال القوة أو استعمالها،
الثاني: مبدأ تقرير المصير للشعوب الوارد في ميثاق الأمم المتحدة والقاضي بأن "كل دولة عليها واجب الامتناع عن أي إجراء قسري يحرم الشعوب من الحق في تقرير المصير"، [الفقرتان 87-88.
ومن أهم ما تدحضه المحكمة في فتواها الدعوى الإسرائيلية بأن اتفاقية جنيف الخاصة بواجبات الدولة القائمة بالاحتلال تجاه الأراضي والشعب الخاضع للاحتلال لا تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة. و تكاد المحكمة تتهم إسرائيل بسوء النية في تفسيرها للاتفاقية. فالحجة الإسرائيلية هي أن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق إلا في حالة احتلال الأراضي الواقعة تحت سيادة طرف متعاقد مشترك في صراع مسلح، كالذي نشب بين الأردن وإسرائيل. لكن إسرائيل تدعي أن الأراضي المحتلة من جانبها في وقت لاحق لذلك الصراع لم تقع قبل ذلك تحت السيادة الأردنية، وتستنبط من ذلك أن الاتفاقية لا تسري بحكم القانون على تلك الأراضي. هنا تشير المحكمة إلى أنه وفقاً للقانون الدولي العرفي في شأن قانون المعاهدات "يجب أن تفسر المعاهدة أي معاهدة بنية حسنة وفقاً للمعاني العادية التي ينبغي إعطاؤها لتعابير المعاهدة حسب السياق الواردة فيه وفي ضوء موضوع المعاهدة وغرضها.[الفقرة 94.
وتلاحظ المحكمة أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق عند تحقق شرطين: أن يكون ثمة صراع مسلح، وأن يكون الصراع قد نشأ بين طرفين متعاقدين. وإذا تحقق هذان الشرطان، تنطبق الاتفاقية، على وجه الخصوص، على أي إقليم يجري احتلاله في أثناء الصراع من جانب أحد الطرفين المتعاقدين. وهذا التفسير تتجلى فيه نية واضعي اتفاقية جنيف الرابعة حماية المدنيين الذين يجدون أنفسهم، بأي شكل كان، في أيدي سلطة قائمة بالاحتلال. وعلاوة على ذلك تلاحظ المحكمة أن الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة أصدرت بياناً في 15/7/1999 قامت فيه "بتكرار تأكيد سريان اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية"، كما تبرز المحكمة أن مجلس الأمن في قراره 271 1969 دعا إسرائيل إلى التقيد بدقة بأحكام اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الذي يحكم الاحتلال العسكري. وعاد وكرر تأكيده ذلك في قراره 681 لعام 1990. فقرة 95.
المستوطنات
في خصوص المستوطنات في الأراضي المحتلة تؤكّد المحكمة "أن اتفاقية جنيف الرابعة لا تجيز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. ويحظر هذا الحكم أيضاً أية تدابير تتخذها القوة القائمة بالاحتلال في تنظيم وتشجيع نقل أجزاء من سكانها إلى الأراضي المحتلة. وقد تبنى مجلس الأمن الرأي بأن هذه السياسة والممارسات لا تستند إلى أي أساس قانوني، ودعا إسرائيل إلى إلغاء تدابيرها السابقة والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات تؤدي إلى تغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية وتؤثر بصورة مادية على التكوين الديموغرافي للأراضي المحتلة بما فيها القدس، وألا تقوم على وجه الخصوص بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي العربية المحتلة" [ قرار مجلس الأمن 446 للعام 1979 . وتخلص المحكمة إلى أن "إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية تمثل خرقاً للقانون الدولي." [الفقرة 120.
ومن أهم ما تعالجه فتوى المحكمة إنكار إسرائيل أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ينطبقان على الأراضي الفلسطينية المحتلة وزعمها "أن مقاصد معاهدات حقوق الإنسان هي حماية المواطنين من حكوماتهم ذاتها في أوقات السلم". وعلى ذلك الأساس ميزت إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين في مناطق الولاية ذاتها باستبعادهم من التمتع بالحقوق التي تكفلها تلك العهود وقصرت التمتع بها على المستوطنين الإسرائيليين. وقد حسمت المحكمة في فتواها هذا الأمر بإعلانها أنه لا يمكنها قبول وجهة نظر إسرائيل، إذ" أن الأراضي التي تحتلها إسرائيل ظلت على مدار اكثر من 27 سنة تخضع لولايتها الإقليمية باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال. وعند ممارسة إسرائيل صلاحيات المتاحة لها على هذا الأساس، فإنها تكون ملزمة بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وعلاوة على ذلك، فإنها ملزمة بعدم وضع أية عراقيل في وجه ممارسة هذه الحقوق في الميادين التي انتقل فيها الاختصاص إلى السلطات الفلسطينية.[الفقرات 102-114.
أما في خصوص الجدار ذاته وبعد الاستفاضة في تفاصيل ما يلحقه بحقوق الفلسطينيين ومقومات حياتهم ترى المحكمة "أن إنشاء الجدار والأنظمة المتصلة به تعيق حرية الحركة لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة باستثناء المواطنين الإسرائيليين خلافاً للضمانات التي تقتضيها المادة 12، الفقرة 1، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وهي تعوق أيضاً ممارسة السكان المعنيين لحقوقهم في العمل، والصحة، والتعليم والمستوى اللائق من العيش كما يقتضي كل ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعهد الأمم المتحدة الخاص بحقوق الطفل. وأخيراً، فإن إنشاء الجدار وما يحدثه من التغييرات السكانية السابقة الذكر يشكل خرقاً للمادة 49 الفقرة 6 من اتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن السابقة الذكر". [الفقرة134.
المبررات الإسرائيلية لإقامة الجدار
من أهم ما تناقشه المحكمة في فتواها دفع إسرائيل بأنها مضطرة لإنشاء الجدار والأنظمة المتصلة به بداعي الدفاع عن النفس. هنا تبدي المحكمة بكل صراحة انها لم تقتنع بأن "عمليات التدمير الحاصلة جراء إنشاء الجدار بما يتناقض مع اتفاقية جنيف الرابعة هي أمر تقتضيه حتماً العمليات العسكرية". ومن ثم خلصت المحكمة إلى أن "تشييد الجدار يشكل عملاً لا يتفق مع مختلف الالتزامات القانونية المنوطة بإسرائيل". وتمضي المحكمة لتقول "إن اسرائيل تعتقد "أن تشييد الجدار يتماشى مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ومع حقها الأصيل في الدفاع عن النفس... صحيح أن المادة 51 من الميثاق تقر بوجود حق طبيعي في الدفاع عن النفس في حالة شن دولة اعتداء مسلحاً على دولة أخرى. بيد أن اسرائيل لا تدعي أن الاعتداءات عليها يمكن أن تنسب لدولة أجنبية...فالحالة هي "أن إسرائيل تمارس السيطرة في الأرض الفلسطينية المحتلة وأن التهديد الذي تعتبره، حسبما ذكرت إسرائيل نفسها، مبررا لتشييد الجدار ينبع من داخل تلك الأراضي وليس من خارجها. وبذلك نكون بصدد حالة مختلفة عن الحالة التي يتناولها قرارا مجلس الأمن 1368 2001 و1373 2001، ومن ثم "لا يمكن لإسرائيل في أي حال تأييد ادعاء بأنها تمارس الحق في الدفاع عن النفس". وبالتالي تخلص المحكمة إلى أن "المادة 51 من الميثاق لا علاقة لها بهذه الحالة. بناء على كل ذلك "ترى المحكمة أنه لا يجوز لإسرائيل الاستناد إلى حق الدفاع عن النفس أو حالة الضرورة لنفي صفة عدم المشروعية عن تشييد الجدار الناشئة عن الاعتبارات المذكورة في الفقرتين 122 و 137 من الفتوى. وتبعاً لذلك "فأن تشييد الجدار والنظام المرتبط به أمران يخالفان القانون الدولي."[الفقرتان 139-140.
التزامات الدول الأخرى
تجاه المخالفات الإسرائيلية
أخيراً، لا آخراً، تتعدى المحكمة في فتواها موضوع" الالتزامات التي أخلت بها إسرائيل"، لتتناول الالتزامات التي تهم جميع الدول، وأولها هو الجزم بأن "حق الشعوب في تقرير المصير بصيغته المنبثقة عن ميثاق الأمم المتحدة ومن ممارستها هو حق لجميع الناس"، وأن على كل دولة واجب العمل، مشتركة مع غيرها أو منفردة، على تحقيق مبدأ تساوي الشعوب في حقوقها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، وفقاً لأحكام الميثاق، وتقديم المساعدة إلى الأمم المتحدة في الإضطلاع بالمسؤوليات التي ألقاها الميثاق على عاتقها في ما يتعلق بتطبيق هذا المبدأ.."الفقرة159. وترى المحكمة "أن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناتج عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وما حولها. وجميعها ملزمة أيضاً بعدم تقديم العون أو المساعدة في الإبقاء على الوضع الناتج عن هذا. ويتعين أيضاً على جميع الدول، مع احترامها لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، أن تعمل على إزالة أي عائق، ناتج عن إنشاء الجدار، يحول دون ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير". [فقرة159. وترى المحكمة أنه "ينبغي على الأمم المتحدة، ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن، النظر في اتخاذ أي إجراء آخر مطلوب لإنهاء الوضع غير القانوني الناتج عن إنشاء الجدار والنظام المرتبط به، مع وضع هذه الفتوى في الاعتبار على النحو الواجب." [ فقرة 160.
وعند الفقرات النهائية من الفتوى "رأت المحكمة نفسها ملزمة بأن تضيف أنه يتعين توضع المسألة كلها في سياق أكثر عمومية. "فمنذ 1947، وهي السنة التي اتخذت فيها الجمعية العامة القرار 181 التقسيم وانتهى فيها الانتداب على فلسطين، وقعت في هذا البلد سلسلة متوالية من الصراعات المسلحة وأعمال العنف العشوائي والتدابير القمعية. وقد اتخذت إجراءات غير مشروعة وقرارات انفرادية على كلا الجانبين، لذلك ترى المحكمة أنه لا يمكن وضع نهاية لهذا الوضع المأسوي إلا بتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بنية صادقة، لا سيما قراريه 242 1967 و 338 1973، وتمثل "خريطة الطريق" أحدث الجهود التي بذلت لبدء مفاوضات تحقيقاً لهذه الغاية. وترى المحكمة أن من واجبها توجيه انتباه الجمعية العامة إلى ضرورة تشجيع هذه الجهود بغية التوصل في اقرب وقت ممكن، واستنادا إلى القانون الدولي، إلى حل عن طريق التفاوض للمشاكل المعلقة، وإقامة دولة فلسطينية، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل وجيرانها الآخرين، في سلام وأمن من أجل الجميع في المنطقة.
خلاصة القول، إن التمسك بفتوى المحكمة الدولية المتبناة من قبل الجمعية العامة بقرار صادر بآلية الاتحاد من أجل السلام واعتبارها "المرجعية الأم" للشرعية الدولية فيما يخص مستقبل مفاوضات التسوية السلمية، والمتابعة الحثيثة لتنفيذها، هو في رأينا أمر بالغ الأهمية. إن الإصرار على هذه المرجعية الشاملة واستعمالها بكامل عناصرها لتطوير استراتيجية النضال من أجل الحقوق الفلسطينية يؤدي بالتدريج إلى ترسيخ عزلة اسرائيل والولايات المتحدة كدولتين معرقلتين للقانون الدولي، ويصل بنا إلى وضع يجعل وضع هاتين الدولتين مشابهاً لوضع حكومة جنوب افريقيا إبان حقبة التمييز العنصري الأبارثايد ورفض تلك الحكومة آنذاك الامتثال للقانون الدولي الذي يحرم ذلك التمييز. ونتفق في ذلك مع رأي حقوقيين دوليين في أن قرار محكمة العدل الدولية الخاص بالجدار يشبه في أهميته قرار تلك المحكمة في ما يخص مسألة ناميبيا/ جنوب غرب افريقيا، من حيث تقوية يد المجتمع الدولي في سعيه لتطبيق الشرعية الدولية وتكثيف عوامل العزلة الأخلاقية والسياسية للدولتين اللتين تعوقان تطبيق تلك الشرعية.
الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه، والدكتور طاهر كنعان وزير سابق في الأردن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.