بعدما أنهى ترتيب الأوضاع في افغانستان، ينتقل السفير زلماي خليل زاد، مهندس خطة الهيمنة الأميركية على العالم، الى العراق، ليصبح ثالث سفير أميركي في بغداد منذ انهيار نظام الرئيس صدام حسين بعد جون نيغروبونتي الذي عين مديراً عاماً للاستخبارات الوطنية الأميركية، وبول بريمر الذي غاب عن الانظار، منذ سحبه من بغداد على خلفية ارتكابه أخطاء متكررة. وكان خليل زاد، المولود في أفغانستان والذي يتقن لغتي الداري والباشتو الأفغانيتين، لعب دوراً مهماً في تحقيق اجماع بين القيادات السياسية والقبلية الافغانية على دستور البلاد أوائل عام 2004، كما اقنع المرشحين الرئاسيين المعارضين لحميد كارزاي بالتخلي عن مقاطعتهم الانتخابات العام الماضي، ليكرس كارزاي أول رئيس منتخب لأفغانستان بعد اطاحة نظام"طالبان". تعرض خليل زاد، الذي كان الرئيس جورج بوش عينه سفيراً لدى افغانستان في تشرين الثاني نوفمبر 2003، لانتقادات في واشنطن، بسبب تركه انطباعاً في كابول بأنه هو وليس كارزاي الحاكم الفعلي للبلاد، نظراً الى تحكمه بمئات الملايين من أموال المساعدات الاميركية. ويقول مسؤولون اميركيون إن زلماي خليل زاد، المستشار السابق لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، كان صاحب نفوذ واسع لدى صقور الادارة، ما سهّل مهمته في افغانستان، وساعده على ابقائها ضمن اهتمامات الرئيس. وبعث وزير العدل الافغاني فاضل هادي شينواري أخيراً برسالة الى الرئيس الاميركي يدعوه فيها الى عدم نقل خليل زاد الى العراق، الى ما بعد اجراء الانتخابات البرلمانية الافغانية في ايلول سبتمبر المقبل، في مؤشر الى مدى نفوذ الأخير في ضبط الاوضاع في افغانستان. مَن هو السفير الاميركي الجديد لدى العراق، وما خلفيته السياسية؟ انتقل زلماي خليل زاد في الثمانينات من وظيفته كمساعد لبول وولفوفيتز، النائب السابق لوزير الدفاع عين أخيراً رئيساً للبنك الدولي، ليصبح أحد أبرز منظري المحافظين الجدد في التسعينات. وساهم في شكل مباشر في التخطيط لإطاحة النظام العراقي عام 2003، باعتبارها خطوة ضرورية على طريق تحقيق هيمنة اميركية على العالم، من خلال السيطرة على مصادر الطاقة. وكان خليل زاد درس في جامعة شيكاغو وانتقل عام 1984 ليعمل تحت اشراف وولفوفيتز في وزارة الخارجية في عهد الرئيس رونالد ريغان. وساعد خلال تلك الفترة في تنظيم قوات المجاهدين الافغان وتسليحها، بمن فيهم أسامة بن لادن، الذين كانوا يشنون حرباً على الاتحاد السوفياتي الذي اجتاح افغانستان في 1979. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، بدأت ادارة الرئيس بوش الأب صوغ استراتيجية عالمية للحفاظ على موقع الولاياتالمتحدة كدولة عظمى وحيدة. وتجسدت رغبة الادارة في تقرير كتبه خليل زاد بإشراف وولفوفيتز ووزير الدفاع آنذاك ريتشارد تشيني في 1992 بعنوان"توجيه التخطيط الدفاعي". ونشرت صحيفة"نيويورك تايمز"آنذاك أن التقرير تضمن تشديداً على ضرورة"عدم السماح لأي قوة عظمى بأن تبرز في أوروبا الغربية أو آسيا أو أراضي الاتحاد السوفياتي السابق". وأورد تقرير التخطيط الدفاعي ان"الاعتبار الأبرز في استراتيجية الدفاع الاقليمية، ان نعمل لمنع أي قوة معادية من السيطرة على المنطقة التي قد تستخدم امكاناتها النفط لبناء قوة عظمى". وشملت منطقة النفوذ المعنية في التقرير، أوروبا الغربية وآسيا الشرقية ودول الاتحاد السوفياتي السابق وجنوب غربي آسيا. وركز التقرير على منطقة الخليج العربي والمناطق المحيطة:"في الشرق الأوسط وجنوب غربي آسيا، هدفنا العام هو الاستمرار في الاحتفاظ بدورنا كأكبر قوة خارجية في المنطقة، والحفاظ على استمرار تدفق النفط الينا والى الغرب". ورأى التقرير أن تحقيق هذه الأهداف يتجسد من خلال"استباق ومهاجمة الدول المنافسة التي تسعى الى الحصول على اسلحة الدمار الشامل، وتعزيز السيطرة الأميركية على نفط الخليج، ورفض السماح لأي تحالف دولي أو قانون قد يحد من حرية أميركا في الحركة". عندما انتخب بيل كلينتون رئيساً عام 1992، غادر خليل زاد ورفاقه مواقعهم في وزارتي الخارجية والدفاع، إلا أنهم لم يتوقفوا عن شن حملات لدفع الادارة الاميركية الى تبني موقف أكثر تشدداً تجاه العراق. وعمل المحافظون الجدد، من خلال مراكز البحوث المؤثرة ووسائل الاعلام البارزة، لمواصلة الضغط على كلينتون، من خلال تأليب الرأي العام لخدمة سياساتهم. وبدا لدى وولفوفيتز وتشيني وخليل زاد وغيرهم، أن الاوضاع تسير في الاتجاه المعاكس، وان كلينتون وفريقه مستعدان للتخلي عن موقع اميركا المتقدم في العالم. واعتبروا انه كان على اميركا ان تستغل انتصارها في الحرب الباردة لتعزيز هيمنتها في شكل اكبر. وفي 1995 نشر خليل زاد كتاباً بعنوان"من الاحتواء الى قيادة العالم"، ركز على ان اميركا، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تقف في مواجهة فرص متاحة، وأخطار ماثلة، وان عليها العمل في شكل حاسم لتعزيز موقعها القيادي في العالم. وتوقع خليل زاد ان تسعى الصين، بالتحالف مع روسيا ومجموعة دول آسيوية أخرى الى منافسة اميركا على موقعها. وأعرب في كتابه عن أسفه لأن ادارة بوش الأب وادارة كلينتون التي اعقبتها لم تملكا"استراتيجية ثابتة وأولويات واضحة لتحقيق أهداف الأمن القومي الاميركي". وخلص كتابه الى ان على اميركا منع الآخرين من"الهيمنة على مناطق حيوية، بما فيها منطقة الخليج". تبع ذلك في 1998 نشر رسالة مفتوحة الى كلينتون تبناها"مشروع القرن الأميركي الجديد"، تحذر من فشل سياسة احتواء صدام حسين، وتعتبر أنه"لم يعد بالإمكان الاعتماد على شركائنا في الخليج للاستمرار في تطبيق العقوبات"على العراق. يذكر ان خليل زاد عمل خلال التسعينات مستشاراً لدى شركة نفط"يونوكال"التي كانت تسعى الى التفاوض مع نظام"طالبان"للحصول على حق بناء أنبوب للنفط يعبر الأراضي الأفغانية، وهو المشروع الذي اقر بعد إطاحة ذلك النظام. وبمجرد انتخابه رئيساً عام 2000، عمل جورج بوش لتعيين مسؤولين يؤمنون باستراتيجية الهيمنة الاميركية على العالم. وعُيّن خليل زاد عضواً في مجلس الأمن القومي، مساعداً خاصاً للرئيس لشؤون الشرق الأدنى وجنوب غربي آسيا وشمال افريقيا. وقبل الاجتياح الأميركي للعراق في آذار مارس 2003، عيّن مبعوثاً خاصاً للرئيس لدى المعارضة العراقية التي كانت واشنطن تأمل بأن تحل محل نظام صدام. ويظهر ترشيح بوش لخليل زاد لمنصب سفير أميركا في بغداد، بعد تعيين رمزين من المحافظين الجدد، جون بولتون في الأممالمتحدة، وبول وولفوفيتز رئيساً للبنك الدولي، ان العراق، حيث ستقام أكبر سفارة أميركية في العالم، ما زال أساسياً في اطار خطط واشنطن للحفاظ على موقعها الأول في العالم.