في أحد امتحانات المذيعين والمذيعات الراغبين في الالتحاق بالعمل في محطات التلفزيون المصري سئلت مذيعة:"من هو طه حسين؟"فردت:"انه اسم شارع في الزمالك". وسئل زميلها:"متى انتهت الملكية في مصر؟"قال:"يعني تقريباً في السبعينات". وفي مسابقة اخرى, لكنها كانت على الهواء في تقليد جديد اتبعته اذاعة"نجوم إف ام"الخاصة لاختيار مذيعين ومذيعات جدد, وردت الاسئلة الآتية وكانت هذه إجاباتها: س. متى كانت ثورة تموز يوليو؟ ج. عام 1919؟ س. لا, هذه ثورة 1919, سؤالي عن ثورة يوليو؟ ج. الحقيقة مش فاكرة قوي, يمكن عام 1936؟ س. فكري شوية كمان. وبعد الكثير من الشد والجذب. -. كانت عام 1952 يا هانم. -. ياه, دي من زمان جداً, أنا هافتكر ايه ولا ايه؟ وفي اختبار لمتسابق آخر: س. ماذا تعرف عن صلاح سالم؟ ج. صلاح سالم, صلاح سالم. هذا اسم طريق سير أساسي في القاهرة. وأمام إحدى"كليات القمة"في جامعة القاهرة, دار حوار بين خمس طالبات ظهرت على وجوههن علامات الانزعاج الشديدة, اذ طلب منهن استاذهن أن تجهز كل منهن لائحة بأبرز عشر صحف عربية أو اسماء رؤساء تحريرها, وأبرز كتاب الاعمدة فيها, وهنا بدأت كل منهن بالتفوه بأسماء صحف ونسبن لها اسماء رؤساء تحرير وكُتاب لا علاقة بهم بالصحيفة, ومنهم من توقف عن العمل الصحافي بحكم السن, ومنهم من غاب عن دنيانا. أزمة ثقافة عامة حقيقية تعيشها النسبة الغالبة من الشباب المصري, عقول اعتادت الحشو السنوي لكم هائل من المعلومات ثم إعادة تفريغها على أوراق امتحانات نهاية العام الدراسي, وذلك على مدى نحو 16 عاماً هي مجموع سنوات الدراسة المدرسية والجامعية, والنتجية تكون ضخ عقول اعتادت الحفظ من دون الفهم, والبصم من دون الاستيعاب. أما المصادر البديلة للمعلومات والثقافة العامة فقد اندثرت وتقلصت, على رغم الجهود الرسمية المبذولة لنشر المكتبات وتنمية القراءة واعادة بعثها من جديد بعدما كادت تتبخر تماماً. صحيح أن التطور التكنولوجي طاول هذه المصادر في شكل لافت, الا انه تطور منقوص. فالفضائيات ذات نسبة المشاهدة الاعلى بين الشباب لا تبث سوى الاغاني والافلام, أما قنوات التلفزيون الارضي فالنسبة من فحواها الغالبة قوة طاردة للعقول والقلوب الشابة نظراً لاعتناقها في العمل مبدأ العمل الحكومي الغارق في البيروقراطية. أما الشبكة العنكبوتية الانترنت فعلى رغم ميزاتها, الا ان هناك عقبة رئيسة تواجه المستخدمين من الشباب المصري, ألا وهي اللغة. فغالبية المواقع ذات المحتوى القيم باللغة الانكليزية والتي لا تتقنها الغالبية. وباستثناء الثقافة الدينية التي يبذل كثر من الشبان والشابات مجهوداً كبيراً لتثقيف انفسهم في مجالها, فيكون اعتمادهم فيها على"المشايخ المستقلين"أي غير المنتمين الى مؤسسات الدولة. يذكر ان الاتجاهات العامة لمثل هؤلاء المشايخ, الذين يطلق عليهم البعض"مشايخ الارصفة"تميل الى تحريم القراءة في كتب الفلسفة, والروايات المترجمة وغير المترجمة, والشعر وغيرها من مناحي المعرفة غير الدينية. والغريب أن مصر تحفل بكم هائل من الوزارات والهيئات والمؤسسات الاختصاصية في المعلومات والثقافة, فهناك على سبيل المثال لا الحصر وزارة لكل من الشباب, والثقافة, والاعلام, والاتصالات, إضافة الى هيئات مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة, والهيئة العامة للكتاب وغيرها من الجهات بعضها غارق في تلميع قيم ومنظومات واشخاص لأسباب لا علاقة لها بالغاية الاصلية منها. وبالطبع, تبدو مشكلة مثل تدني مستوى الثقافة والمعلومات العامة لدى الشبان والشابات مجالاً مثالياً لتطبيق نظرية المؤامرة, فبين الحين والآخر, ترتفع اصوات تردد المقولة الكلاسيكية:"إنها مؤامرة غربية صهيونية امبريالية لتهميش أو تسطيح ثقافة شبابنا". فالفيديو كليب مؤامرة غربية لإفساد اخلاق الشباب, والانترنت مؤامرة لتمرير مبادئ الانحلال, وكتب الفلسفة والتاريخ واحياناً الجغرافيا محاولة امبريالية لافقاد الشباب هويته وانتماءاته العربية الاسلامية. أما ماذا فعلنا نحن لمواجهة هذه المؤامرات التي نستقبلها بلا ارادة؟ فسؤال غير مطروح, وان طرح, فإن الغرض منه يفسر غالباً في ضوء نظرية المؤامرة ذاتها. أما المناهج المدرسية والجامعية, فقد بُحّت الاصوات المطالبة بإنعاشها وإخراجها من اطار"تسويق السياسات المحلية"و"تذويق الاخفاقات التاريخية", و"تنمية العقليات العتيقة", الا ان محاولات التطوير المستمرة ما زالت في مجملها تدور في اطار واحد وهو تغيير الفحوى وليس الاطار العام, أي أن كل جهود التحديث والإصلاح أشبه بمن يغير صوغ كلمات موضوع صحافي من دون تغيير الموضوع نفسه. اما اسلوب التدريس في الفصول وقاعات المحاضرات, او العلاقة بين الطالب والمعلم فهي في امس الحاجة الى اعادة تقويم, وحبذا لو أعيد تشكيلها من الاساس. فبدلاً من أن يكون المعلم أو أستاذ الجامعة عاملاً مشجعاً لطلابه على مزيد من القراءة والبحث والاطلاع لتوسيع المدارك وتطوير الافق, تحول المعلم الى ترسيخ للكتاب في المحور نفسه, بل ان اية محاولات من جانب الطالب للخروج من دائرة التلقين تقابل عادة بالشجب والتنديد, فوقت المعلم لا يتسع لاضافات تخرج عن اطار منهج الحكومة, بل ان عقله بات محصوراً فيها ومقيداً بها. وتكون الحلول الوحيدة المطروحة لأجيال المستقبل هي مشاهدة قنوات الاغاني, او تصفح مواقع الفنانين والفنانات على الانترنت, او تحميل احدث رنات المحمول, او زيادة الجرعة الدينية المحرمة لكل ذلك, والنتيجة اضمحلال مستمر في الثقافة وهبوط لا يتوقف في المعلومات العامة, فيبقى صلاح سالم طريقاً يربط المعادي بمصر الجديدة, وطه حسين شارعاً في الزمالك, وتظل ثورة يوليو حدثاً قديماً يصعب على الشباب تذكره.