واجهت سورية ولا تزال ضغوطاً دولية كبيرة، تجلت في المواقف الانتقادية الشديدة من قبل كبار المسؤولين الأميركيين، وفي القانون الذي أقره الكونغرس الأميركي الذي سمح بإنزال عقوبات اقتصادية على سورية، وفي القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن والذي حث دمشق على سحب قواتها العسكرية بسرعة من لبنان. لقد ظهرت سورية لفترة وكأنها تعيش خارج العصر. فنظامها السياسي حزبي مركزي، يعتمد على اجراءات نظام أمني متعدد الجوانب والاختصاصات، الا انه فقد مبرراته منذ تفجر النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينات. لقد بدأت مسيرة تحرير الاقتصاد والمجتمع الروسي مع غورباتشوف. وخلال الفترة الممتدة حتى أواخر التسعينات برزت أخطاء تسريع عمليات التخصيص وفتح الأسواق للمنافسة من دون تنظيم. فشهدنا ممارسات تنافي جميع قواعد العمل والتصرف من رجلي أعمال يهوديين يمولهما صندوق اميركي يسيطران ببضع عشرات ملايين الدولارات على شركتي نفط تعتبران بين الأكبر في العالم، الى جنرال روسي يسوق ثلاث طائرات متقدمة في مقابل 27 مليون دولار يودعها في بنك الماني. كانت سورية حتى نهاية الثمانينات تعتمد على دعم روسيا لها في مختلف المجالات. وبعد تحول النظام في روسيا نحو تبني قواعد الاقتصاد الحر والتخلي عن ممارسة حكم الحزب الواحد، ارتأى الرئيس الراحل حافظ الأسد مد الجسور مع الغرب، فساند قرارات تحرير الكويت من الاحتلال العراقي وأرسل جنوده الى السعودية لمساندة عمليات تحرير الكويت من الجيش العراقي، صيف 1990، واستمر الوجود العسكري السوري في شرق السعودية حتى مشارف صيف 1991 بعد انقضاء ثلاثة أشهر على الانسحاب العراقي من الكويت في شباط فبراير 1991. واجتمع الرئيس حافظ الأسد مع الرئيس بيل كلينتون وترك في نفسه أثراً ايجابياً. وهذا أمر ندركه من قراءة مذكرات كلينتون التي توضح أمراً بالغ الأهمية، وهو ان السلام بين سورية واسرائيل كان ممكناً وان أسس الاتفاق وضعت، ولكن في اللحظة الاخيرة تراجع رئيس الحكومة الاسرائيلي ايهود باراك، وليس الرئيس حافظ الأسد الذي التزم الروية بعد تراجع باراك عن التزاماته. وقد اعتبر كلينتون ان الرئيس الأسد تصرف بذكاء وان باراك تخوف من انعكاس موقفه على الانتخابات، فخسر المبادرة الحاسمة. الأمر المهم قوله ان سورية بدأت تنفتح على الغرب منذ أواخر الثمانينات وتوجهت نحو تخفيف القوانين الاشتراكية، فأصدرت قانوناً لتشجيع الاستثمارات حقق بعض النجاح من دون أن يؤتي المنافع المتوخاة. أما التحرير الاقتصادي فكان بطيئاً بسبب المساوئ التي برزت في روسيا. ان سورية التي تخوفت من خبرة روسيا في الانفتاح والتي لم تتوصل الى تأسيس روابط قوية مع الغرب على رغم مساهمتها مع قوات التحالف في ردع العراق، استظلت سياسة الجمود فلم تحقق تطورات سريعة على الصعيد الاقتصادي وبقي النظام السياسي مكبلاً بشروط وأثقال الحزب الواحد. اليوم تحتاج سورية بشدة الى تسريع نموها وتوطيد علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع الدول الأوروبية، المستورد الأول للصادرات السورية. والمصدر الأهم للمعونات الاقتصادية، كما على سورية تحقيق اقامة علاقات وثيقة مع الدول العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية والكويت والامارات ومصر، وكذلك مع مؤسسات الانماء والاقراض الدولية والاقليمية. ان سورية تبدو اليوم وكأنها المتفرج الأوحد على فريق مهاجمتها المكون من الغرب الولاياتالمتحدة والسوق الأوروبية والى حد ما من دول عربية. وكان اغتيال الرئيس الحريري تاريخاً مفصلياً في النظرة الى سورية، فقد تكونت لدى المجتمع الدولي قناعة بأن الاستخبارات السورية المسيطرة على الاستخبارات اللبنانية عجزت عن توقع المحاولة والحيلولة دون حدوثها، وهذا الاتهام بالتقصير على الأقل أفسح مجال الانتقاد واسعاً لسورية فأصبحت شبه معزولة دولياً، وعليها ان تفكر بإمعان في سبل تخطي أزمة اللاثقة تجاهها. ومطلوب من سورية التي تتمتع بمعطيات طبيعية وتاريخية مميزة، وبجيل شاب يضم نسبة مقبولة حققت اختصاصات متقدمة، ان تتخلى عن نظام الحزب الواحد وان تفسح مجال التنافس بين أصحاب الكفايات على الوظائف في القطاع العام، كما على المبادرات في القطاع الخاص. ومعلوم ان الادارة في سورية والقوانين التي تقولب النشاطات الاقتصادية ما زالت بعيدة عن التجاوب مع المستوجبات الحديثة لممارسة الأعمال. ان على مؤتمر حزب البعث ان يدرك ان النظام الذي اعتمده منذ أوائل الستينات لم يعد متجاوباً مع متطلبات العصر والمعاصرة. فالقدرات اليوم تنبع من التحكم بتقنيات المعلومات والتحليل واللغات ووسائل التنظيم الاداري الحديثة التي تحفز الفرد في ان يحتل أي موقع من سلم العمل. وهذه المعطيات ضرورية، فعسى يدرك قادة الحزب ضرورة التغيير وسرعته قبل أن يفوت الأوان. مستشار اقتصادي.