سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إخراج المجتمع من السلطة والسلطة من المجتمع ... يحيل تقرير "التنمية العربية" في الحرية فسيفساء مقالات لا ضابط لها . التحليل المعتمد يعفي المجتمعات العربية من التبعة عن صور مباشرة السلطة قوتها وثقلها
يتطرق تقرير"التنمية الإنسانية العربية 2004 - نحو الحرية في الوطن العربي"الصادر في نيسان/ ابريل الجاري الى الموضوعات التي يتناولها على نحو يكاد يكون واحداً لا يتغير. فهو إذا تناول البناء التشريعي العربي أو النظم القانونية في الدساتير أو الحق في التقاضي أو القيود التشريعية على حق الاجتماع السلمي، أو موضوعات أخرى كثيرة مثلها، بادر الى قياس انحراف النصوص التشريعية أو القانونية، أو الاجراءات العملية السائرة، عن مثال حقوقي أو دستوري أو قانوني أو إجرائي غالب، ويفترض أنموذجياً. وقد يستعير التقرير مقياس الانحراف عن المثال من النصوص نفسها. فينبه الى جوار مفهومين عن العمل الحزبي في الدستور الواحد، ينفي واحدهما الآخر ويدفعه، أو ينكر إحالة أصل من أصول التشريع الى قانون تنظيمي لاحق ولا قيد عليه من قيود الأصول الأولى أو الأساس. ويقيم التقرير تقابلاً دؤوباً و"منهجياً"بين ما تأخذ به النصوص وتقر، وبين ما تنتهكه الاجراءات"التنفيذية". وينتهي الى رفع التقابل هذا ركناً أو أسّاً يتوِّجه"تغوّل"السلطة التنفيذية"على كل من السلطتين التشريعية والقضائية"ص . والحق أن تسمية"السلطات"تدعو الى التحفظ: هل كان صدام حسين"سلطة تنفيذية"؟ قياساً على أي تشريع أو قضاء؟. ويحصي التقرير أحوال الانتهاك، انتهاك المثال، في المسائل المتفرقة التي يعرض لها مثل الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وإجراء حقوق الانسان والمواطن... وتثبت كلها، على قدر أو آخر، صور الانتهاك والعدوان ومقاديرهما. فيخال القارئ وهو يتعقب فصول الاستعراض المحكم والدقيق هذا أن الأمر، حال الحرية في"الوطن العربي"، إ نما يستوفي وصفه"تناقضٌ داخلي". فيشق التناقض هذا النصوص التشريعية والتنظيمية بعضها على بعضها الآخر. ويصرف"تناقض خارجي"الاجراءات الفعلية والأعمال على خلاف الوجه الذي تقصده النصوص أو بعضها. وهذا التخييل، أو التخايل، مريح للفهم، ويتمتع بقوة البديهة والحجة. فهو يقول ما هو قائم من وجه، وما يخالف"الأركان التي يجب أن يستند إليها الحكم الصالح"من وجه آخر، على قول مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة مديرة المكتب الإقليمي للبلدان العربية في البرنامج، ريما خلف الهنيدي، الى"الحياة"في 19 نيسان. ويقوّي البديهة والحجة إفضاء المعالجة الى إثبات"أهلية العربي للحريات"شأن سائر البشر،"لأننا لسنا قصراً ولسنا أقل ذكاءً ولا أقل أهلية من غيرنا"، على قول مديرة المكتب الاقليمي نفسها. ولكن ارتياباً لا يلبث أن يتسلل الى ذهن القارئ. فهو قد لا يفهم كيف انتهى، هو القارئ، على خطى التقرير وكتابه ومعدّيه الى إثبات"التناقضين". فيتراءى له أنهما لا يثبتان على هذه الصفة أو الحال، صفة التناقض أو المناقضة، إلا من جهة نظر منطقية أو عقلية خالصة، ولا تعلق لها بأحوال أهل المجتمعات"العربية"، على ما توصف في التقرير. فمن جهة النظر هذه تعج الدساتير والأنظمة القانونية العربية بالمخالفات والنقائض والمسكوت عنه والغامض والمتعسف والمرسل غير المقيد. ويَرد أقرب التأريخ هذه العيوب والعورات الفاضحة، الى نصف قرن. ولكن نظير نصف القرن من المخالفات والنقائض هذه، وغيرها مثلها، يقتصر تاريخ"مبادرات الإصلاح"، على ما يسميها الموجز ص 5، على"بيان مسيرة التطوير والتحديث"عن قمة أيار مايو 2004، و"إعلان صنعاء"في كانون الثاني يناير من العام نفسه، و"وثيقة الاسكندرية"آذار/ مارس. والبيانات والوثائق، من رسمية أو غير رسمية أو شبه رسمية، لا تحيد عن تناول المسائل التي يتناولها تقرير التنمية الانسانية العربية على الوجه الذي مر وصفه، أي وجه"التناقضين"الخالصين. وما لا يتناوله الوصف في الاحوال هذه كلها، أو لا يتناوله إلا لماماً ومرَّ الكرام، هو الضد الفعلي والحقيقي الذي تقوى أعراض"التناقضين"عليه، ويشكو هذه الأعراض وألمها، ويرد الجواب عليها. ففي هذا الباب يحصي التقرير"اختراقات هامة": اعتراف الحكومة المغربية الشريفية أي الملك محمد السادس بانتهاكات أدت الى"اختفاء"معارضين سياسيين وسجنهم وقتل بعضهم، وإنشاء اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب في البحرين، وطلب جمعيات ومنظمات سورية إلغاء الطوارئ، ومقترحات سعودية بعضها أهلي وبعضها رسمي، ونشاط منظمات فلسطينية في مقاومة الاحتلال والإغاثة والاصلاح... الى مبادرة الحكومة الأميركية الى صوغ مشروعين شرق أوسطيين ورد أوروبي و"توليف"من الثلاثة. والأحصاء السريع هذا قرينة على تواضع الضد الفعلي والحقيقي، وعلى خفوت رده على"التناقضين"الصارخين. فمن غير حركات سياسية واجتماعية تقوم قضايا الحريات، وأبنيتها وهيئاتها وأفعالها، منها من الحركات مقام القلب والركن، يخشى أن يقتصر تناول القضايا هذه على وصف التناقضات: بين النص والنص، بين التشريع وبين التنفيذ. فلا يسع التقرير، والحال هذه، إلا الاسترسال في المطاعن، والنيابة عن طاعنين مفترضين ولكنهم عاجزون عن"تكوين جسم الطعن"على مثال"جسم الجرم" والقرائن المادية عليه. والتقرير عاجز معهم عن اقتفاء أثر التكوين، وتعقبه والخبر عنه. ولا يخلص من هذا الى بطلان التقرير، وبطلان الوجه الذي يتناول عليه ومنه"الوقائع"النصية والحوادث التي يتناولها. ولكنه، جراء ذلك، ينكص عن الاضطلاع بدور المواكبة والبلورة الفكريتين والثقافيتين لتيارات احتجاج عميقة أو سطحية تؤذن بدينامية تلقائية ومتعاظمة. والحق ان التقرير شأنه شأن من يسمون"المثقفين العرب"، يردد ترديداً مدرسياً ومتأخراً أصداء أفكار ماضية كبيرة. فلا مصدق لدعوى التقرير ? في الحريات والحقوق ومنازع الفعل والتجديد "المبدعين"و"الخلاقين"، على ما يُستسهل القول"العربية"? من حركات اجتماعية عربية قائمة تتولى نقد أنظمة الكبت نقداً عملياً. ف"العالم"السياسي والاجتماعي لا ينزع الى"الفلسفة"وتحقيقها، ولا يحدوه شوق قوي أو هوى تاريخي إليها. وعلى هذا، فلا ريب في أن نقد التلقين التعليمي صائب. وليس نقد التربية الأسرية المحافظة أقل صواباً، شأن الملاحظة على الإعلام و"ابتذاله"، والتنديد بترهيب النظام الأمني وترغيبه وأثره في المقاضاة و"المساءلة". ولكن وقع هذا النقد ودلالته من غير جلبة حركات معلمين ومعلمات وتلامذة وطلاب وطالبات وشبان وشابات ومراهقين ومراهقات وأهل ومساكنين ومساكنات وصحافيين وصحافيات وقضاة وقاضيات وشرطة وشرطيات ونقابيين ونقابيات وناخبين وناخبات وشعراء وشاعرات وموسيقيين وموسيقيات ومحامين ومحاميات وسينمائيين وسينمائيات ومسجونين ومجندين - على إحصاء غير حصري - وقعُ النقد ودلالتُه من غير أصوات"من خارج الشريط والتسجيل"ضعيفان وخافتان. فهما أشبه بصدى صوت جهوري صادر عن حنجرة بموضع آخر، ربما خلف الحجب والسحاب. ولا يعزز احتجاب مصدر الصوت العقلانيةَ والقيام بالنفس والنظر المستقل، ولا يسهم في إنشاء دائرة علانية عامة ومشتركة، ولا يبعث على الشجاعة والجرأة. فينتهي التقرير الى التسليم بأن"الدولة العربية المعاصرة... لا تترك مجالاً خارج إطار تدخلها. فهي تصر على أن تهيمن على كل شيء، من المعتقد الديني الشخصي الى العلاقات الدولية، ولا تترك حيزاً كافياً لمبادرات تأتي من خارجها أو من دون مباركتها"ص 119. ويبدو هذا القول دائرياً: فهو يسوغ، من حيث يريد أو لا يريد، انتفاء حركات"خروج"على"الدولة"أي أجهزة التسلط من غير سلطة، من وجه، ويرد سيطرة"الدولة"هذه الى تربعها في سدة أبنية اجتماعية تشبه قيمُها العصبية والإجماعية والتقليدية قيم"الدولة"من غير فرق، من وجه آخر. ودائرية القول تجنبه الامتحان والاختبار الفعليين. فإذا سأل الواحد عن"المبادرات الآتية من خارج"الدولة المزعومة، أجيب باستحالة مثل هذه المبادرات وحال الدولة هي هذه. والحق أن التقرير إنما يسعى في هذه الدائرية بظلفه وإرادته وجماع"علمه"وفهمه ومنهجه. فهو يجعل السلطة - أي"أهل القوة"، على تسمية عربية قديمة لم تخدعها الأصنام السياسية الطاغية يومذاك على خلاف فعل أسماء"السلطات"و"الدولة"في كتّاب التقرير القصيري الذاكرة - خارج المباني الاجتماعية والسياسية الأهلية. فلا ينتسب"أهل القوة"، ونظيرهم، ولكن من غير انفصال عنهم"أهل الضعف"، الى مجتمع مشترك، وإن على قدر من الاشتراك ينبغي قياسه وسبره. ولا تعقل وحدة المجتمعات هذه الا من طريق هوية طيفية، أو من طريق قوة قسرية وآلية. فإذا قامت السلطة خارج"المجتمع"وهو جماعات متحاجزة ومتشابهة أعفى التحليل المجتمع، وجماعاته وكتله وهيئاته وأحلافه ومنازعاته، من التبعة عن السلطة وصور مباشرتها قوتها وثقلها وآلاتها. وصوّر السلطة خارجاً وقهراً كلها، والمجتمع داخلاً ورغبة في الحرية كله. فتُجمع العصبية كلها والسلطة العائدة اليها في جهة أو ناحية، وتجمع الحرية والعدالة وطلبهما، في ناحية أخرى مقابلة. ويُنسى أن المجتمع كله، من أدناه الى أقصاه، إنما هو في صورته العربية الغالبة، هرم عصبيات. وفي رأس الهرم حلف العصبية الأقوى و"الشوكة"القاطعة، موقتاً وظرفياً. وهو حلف عصبيات كثيرة أو قليلة، لا تنسى واحدتها، على رغم الحلف، انفصالها عن العصبية الغالبة، و"عداءها"لها. والحلف هذا هو الأقدر على تثمير عوامل السلطة السانحة والمستجدة من مِلكية وتقنيات وموارد وتجهيز مادي وإداري و"أفكار"أو أهواء. وفي مقابلة حلف العصبية الأقوى ينهض حلف عصبيات أضعف من الحلف المستولي، أو تنهض أحلاف"معارضة". وهذه قد تتفكك تحت وطأة غلبة العصبية الأقوى أو جراء استمالة العصبية الأقوى بعض عناصرها وأجزائها. ولكنها، في أحوالها كلها، لا ينفك سائقها عصبياً. وترتب على هذه الحال، ورغم ضعف الناظم العصبي المشهود في تاريخ المجتمعات العربية المعاصرة، رسو المنازعات السياسية والاجتماعية الجديدة على ميزان تضطلع العصبية في موازينه بدور راجح. فالعصبيات الضعيفة تناصب الحلف الغالب المعارضة، في لغة محدثة، من غير أن تتخلى عن نعرتها أو نعراتها وهويتها أو هوياتها العصبية وخواصها. وتبقى هذه، النعرات والهويات والخواص الأهلية، البؤرة المتماسكة والناظمة لل"التحام"الداخلي والحلفي. فلا ترفع المعارضة بوجه العصبية المستولية لواء"عمومية"جامعة ومشتركة، تتخطى حواجز التعصب الى أفق جامع وعام ولو على سبيل"الفكرة". و"العمومية"هذه هي ركن الديموقراطية، وركن مفهوم دولة الحق والقانون. فكانت الأحزاب الدينية والقومية و"الاجتماعية"الشيوعية أو الاشتراكية العربية والمشرقية اتحادات عصبيات ضعيفة، أو اتحادات سواقط العصبيات المنفية من حلف أهل القوة المستولية. ولعل عنف تنديدها بالانقسامات العصبية والاجتماعية والأهلية المذهبية أو المحلية أو العشائرية مرده الى قوة الحواجز هذه، من وجه، والى استحالة جمع العصبيات الجزئية في"أمة"واحدة ومتماسكة وهو حلم هذه الأحزاب، أو"روح"أمة، من طريق"السياسة"السائرة والجارية، من وجه آخر. فدعت هذه الحال الأحزاب القومية والاجتماعية، وهي"قومية - اجتماعية"و"دينية"في معظمها، الى نفي"الطبقات"المسيطرة من الأمة، وإخراجها منها، ووصمها بالعداوة وإدراجها في صف العدو، الاستعماري والامبريالي والمستكبر. و"العدو"نفسه، مستعمراً مستكبراً أو دولة قوية في عداد مجتمع الدول، يُحمل على عدو عصبي أهلي وعلى عصبية قوية مستولية. ويُنصَّب هرمَ العصبيات الأهلية الداخلية، ويُرأس عليها. فهو من صنفها وهي من صنفه. ويناصَب العداء على هذه الصفة. ويُسعى في"موته""وقتله"على شاكلة السعي في موت العصبيات المنافسة في"الدولة الوطنية"المشتركة، أو"كسر شوكتها". وعلى هذا فالحروب"الوطنية"هي، على الدوام، حروب أهلية أو"صراع طبقات"، على قول"ماركسي"حزبي. والاستيلاء على الحكم هو استيلاء أهلي، والمنازعات منازعات أهلية. ويحشد الاستنفارُ الى قتال العدو، الخارجي والداخلي من غير تمييز أو فرق، العصبيات الضعيفة، ويسعى في تذويبها أو لحمها في عصبية واحدة. وتستمد هذه قوتها من لحمتها وتسمّيها"وحدة"وطنية أو قومية أو دينية وقتالها عدواً واحداً، ويستنفد الاستعداء على العدو المعنى السياسي الجامع للحرب. وينسب الى العدو الواحد، على سوية متصلة، اغتصاب السلطة والموارد والأرض والتاريخ الذاكرة والمعتقد والثقافة والقانون و"وحدة" القوم أو الأمة أو الوطن. والسياسة، والحال هذه، هي والحرب والقتال والقتل واحد. وغايتها"الدفاع عن الوجود"نفسه. وإذا صدق أن حرب العدو على الأمة هي حرب إبادة واستئصال أو حرفٍ عن الخصوصية، على ما لا تشك الأفكار الجماهيرية العربية، وأن دفاع الأمة عن نفسها هو حرب"مقدسة"، أدت المسلمات العصبية هذه الى الاستخفاف بما يقيد هذه الحرب، ويضعف تقديسها، ويبث التفريق في صفوف الأمة. فالاعتدال في وصف العدو يقيد الحرب ويضعف"قدسها". والتنبيه الى انقسامات و"تناقضات"مشروعة وحقيقية في صفوف الشعب يلجم جماح التعبئة، ويسلط التردد على القرار الاستراتيجي، ويدخل العدو الى قلب الأمة والى"نفسها". وأدى هذا، في أحوال وحوادث كثيرة معاصرة - في الجزائر، وفلسطين، ولبنان، ومصر، والأردن، وسورية... - الى إضعاف الأجنحة"المعتدلةِ"العصبيةَ، وخلعها من قيادة الحركات الاستقلالية، ثم من الدولة وحكمها، من طريق الانقلاب العسكري على ما يفضل، أو من طريق تسعير الحرب بوسائل"انتحارية". وإرساء السياسة على الحرب العصبية، وتوسيعها الى"المستوى"الاقليمي والعالمي، يقوض الدولة والسياسة معاً، ويجعل السياسة حرباً على الدولة وهياكلها وإداراتها وحكامها، ومساواتها الحقوقية والقانونية المفترضة. وإذا لم يقع أصحاب التقرير على حركات اجتماعية وسياسية من طينة"حُرّية"، على قول مصري في مطلع القرن العشرين حزب"الحريين"، أي الليبراليين، عزوا الأمر الى"غياب أو تغييب"ص 122. وسهوا عن أن التعليل التاريخي والاجتماعي لما هو حاصل وقائم شأن عسير، فكيف بتعليل الغائب والجهيض والضعيف، على ما نبه مارك بلوك، أحد كبار مؤرخي القرن الماضي الفرنسيين. وكتاب التقرير يلغون الأمر العسير، بعد تركهم تعليل الحاصل والقائم بحاصل وقائم مثلهما على ما يصنع المثال التأريخي، اثباتهم"تضافر بنى اجتماعية وسياسية وثقافية عاملة"المصدر نفسه، فيتوسلون ب"الغياب"الى التعليل، وينزلونه منزلة مفتاح فهم الوقائع والحوادث الموصوفة. فيكتب أهل التقرير:"وتشتد العصبية ويقوى تأثيرها السلبي على خلاف التضامن القوي والمحمود، الايجابي على الحرية والمجتمع عند غياب أو ضعف البنى المؤسسية، المدنية والسياسية التي تحمي الحقوق والحريات وتساند كينونة الإنسان"ص 137 - 138. فيمثُل"الإنسان"مجرداً من المدنية والسياسة والحقوق بإزاء"عصبية"تعصب متعصبين خالصين من كل ما يعدو التعصب، أي من الإنسانية، على فهم التقرير وكتّابه ل"كينونة الإنسان". فلا يفهم كيف تنشئ العصبيات مجتمعات إنسانية، ولا كيف تقيد المجتمعات عصبياتها، وتستولدها"إنساً"يجمعون الإنسانية، على وجوه كثيرة ومشتركة، الى الهويات والتواريخ المخصوصة. ويحمل إخراج"الدولة"من"المجتمع"، والسلطة وأهلها من الجماعات ومن الأبنية الاجتماعية المشتركة، كتاب التقرير على تناول قطبي الحقوق والدولة تناولاً جوهرياً، والتحجير عليهما. فواحدهما هو غير الآخر، ويجافيه مجافاة تامة وينقضه ولا يضاده. وعلى هذا فلا أشكال َ وصوراً للحقوق في المجتمعات التي تغلب عليها العصبيات، أو الأصوليات، إلا على وجه التلصيق غير المفهوم. وفي مقابلة ذلك، تُمدح مقاومة الاحتلال"في نفسها"، ويغفل عن جواز تضمنها أقسى القيود العصبية على الحقوق والحريات والمنازع الفردية، وحملها أصحابها على كردسة الهويات، وتعظيم القيادات وطاعتهم، والطعن في القواسم المشتركة مع الأقوام والملل والمدنيات. وتُخرَج، في القصص الشعبي والبطولي ص 144 - 146، مثالات المبادرة والشجاعة والانعتاق من المحور العصبي والسلطاني الامبراطوري الفاتح والمتسلط. والتقرير كتب في أثناء العام المنصرم. ولا يُكلَّف واضعوه تالياً تبعة"توقع"حوادث حصلت بعد كتابته. ولكن صمتهم عن وقائع لبنانية ومصرية وسورية وأردنية تالية ولاحقة، كانت بعض بوادرها ارتسمت قبل أعوام، قد يكون مرده الى"اختلاط"هذه الوقائع، أو خلطها الحريات بالعصبيات على نحو يجافي"التناقضين"العتيدين. و"عمى الاختلاط"ليس مؤهِّلاً ينصح به أهل الاجتماعيات والتواريخ والنظر فيها نظراً"خبيراً". كاتب لبناني.