كيف تمكن قراءة النتائج الأخيرة لانتخابات التجديد النصفي التي جرت أخيراً في اتحاد كتاب مصر؟ هل يمكن القول ان الوجوه التي"قفزت"الى مواقع فاعلة في الاتحاد تعبر عن الثقافة المصرية تعبيراً حقيقياً، ما يسمح بالرهان على دور جديد يمكن الاتحاد ان يلعبه في الساحة المصرية الحافلة بتناقضات عدة يختلط فيها الثقافي والسياسي على نحو لافت ويزيد من حدتها ما يثار حول الاصلاح المنشود وان كان سيؤدي الى استعادة لدور المثقف الذي تم اقصاؤه تماماً في السنوات الأخيرة؟ مثل هذه الأسئلة وضعت اتحاد الكتاب من جديد تحت مجهر الفحص، خصوصاً ان النتائج أتت بوجوه جديدة يتقدمها في موقع الرئيس كاتب وصحافي بارز هو محمد سلماوي المحسوب بحكم المواقف والانتماءات الفكرية على كتّاب اليسار في فصيله القومي وهو يجيد لغات عدة اجادة تامة، وبدأ مسيرته كاتباً مسرحياً قدم أعمالاً ناجحة لمسرح الدولة مثل"اثنان تحت الأرض"و"الجنزير"اضافة الى أعمال قصصية وروائية أبرزها"الخرز الملون"وهي رواية وثائقية، عطفاً على موقعه كرئيس لتحرير جريدة"الأهرام أبدو"التي تصدر بالفرنسية أسبوعياً. يعد سلماوي أحد الكتاب الذين تحتفي بمقالاته صحف المعارضة المصرية بأطيافها المختلفة، وهو الكاتب المقرب كذلك من رمز مصر الثقافي نجيب محفوظ وقد اختاره لإلقاء كلمته في مناسبتين كبيرتين، الأولى في حفل تسليم جائزة نوبل العام 1988 والثانية في افتتاح المشاركة العربية في معرض فرانكفورت العام الفائت. على ان الرجل على رغم ذلك، لا يمكن القول انه بعيد تماماً عن مؤسسات الدولة، فهو تولى سابقاً مواقع بارزة في وزارة الثقافة، منها ادارة العلاقات الثقافية الخارجية، مع اختياره مستشاراً لوزير الإعلام المصري السابق ممدوح البلتاجي فضلاً عن عضويته في بعض اللجان الرسمية وعلاقاته الدولية المتميزة بالمؤسسات العاملة في مجالات الإعلام والثقافة. تكاد هذه المواصفات تجعل من سلماوي الأنموذج المطابق للكاتب الراحل سعد الدين وهبة الذي انتخب رئيساً لاتحاد الكتاب في العام 1997، لكن أنموذج سلماوي يأتي في صيغة أكثر حداثة جعلته يقفز الى المنصب برشاقة وسهولة وربما لأن الظروف التي خاض فيها الانتخابات جعلت من اختياره أبرز الخيارات للنهوض بالاتحاد من أحوال الشلل والجمود التي أصابته في السنوات الأخيرة، وبصورة تضمن التزام الكتّاب بالخط السياسي الذي بلوره الاتحاد منذ نشأته الى الآن، والقائم على رفض مطلق لفكرة التطبيع الثقافي مع اسرائيل. ويعزز فرصة سلماوي في إدارة الاتحاد بنجاح كونه وجهاً جديداً لا يملك أي"رصيد"من الخلافات مع أعضاء المجلس الذين فازوا معه، ومنهم وجوه تدخل المجلس للمرة الأولى مثل الناقد التشكيلي سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضاري في وزارة الثقافة، عبدالوهاب الأسواني، مصطفى القاضي، فتحية العسال، ميلاد حنا، فؤاد حجاج. لا شك في أن سلماوي يضع التجربة الجديدة نصب عينيه ومن ثم فهو يسعى عبر حواراته التي أعقبت فوزه الى الترويج لبرامج مختلفة تراهن على الجانب"الخدماتي"ولا تهدد باستبعاد أي من أعضاء الجمعية العمومية الذين اكتسبوا العضوية في ظروف مختلفة مع غض النظر عن حجم موهبتهم تحت شعار"ان العضوية مثل الجنسية لا يمكن اسقاطها". وجدد سلماوي كذلك الحديث عن أهمية تعديل قانون الاتحاد ليكتسب استقلالاً حقيقياً، فالقانون التأسيسي للاتحاد يجعل الاتحاد نقابة غير مستقلة، والسبب في ذلك أن مؤسس الاتحاد الكاتب الراحل يوسف السباعي، كان يشغل موقع وزير الثقافة آنذاك، أي عام 1975. ويراهن سلماوي من خلال علاقاته بالمؤسسات الرسمية على تكثيف الضغوط والسعي الى اقرار تعديلات تشريعية اضافة الى مساعٍ أخرى بغية الحصول على امتيازات جديدة للاتحاد الذي يعاني ضعفاً مالياً، ويفتقر الى مقر يليق به، فضلاً عن مقر يصلح لاستضافة الاتحاد العام للأدباء العرب إذا نجحت مصر في الفوز به العام المقبل، وهو أمر لا يعطيه سلماوي أهمية كبيرة لاعتبارات قومية. وفي انتظار سلماوي كذلك ملف موارد الاتحاد المعطلة، في اتحاد الناشرين واتحاد الاذاعة والتلفزيون. وفي حقيقة الأمر لا يمكن النظر الى اتحاد الكتّاب ومشكلاته المزمنة من دون قراءة الظروف التاريخية التي ولد الاتحاد في صميمها وهي ظروف كشفت عنها دراسة المستعرب الفرنسي ريشار جاكمون التي صدرت بالعربية، ترجمة بشير السباعي، نهاية العام الماضي تحت عنوان"الحقل الأدبي في مصر المعاصرة بين كتاب وكتبة"، وأكدت أن الاتحاد منذ أن أسس بموجب القانون الرقم 65 في العام 1975 خاضع لوصاية مشددة من وزارة الثقافة، وعلى خلاف هذه الوصاية خضع في تشكيلته للانقسام الموجود في الساحة الثقافية منذ السبعينات، بينما راهن رئيسه الأول يوسف السباعي على مهارات المنح والعطاء من خلال موقعه كوزير مسؤول. واستطاع خليفته ثروت أباظة أن يوصد الاتحاد في وجه الكتّاب الحقيقيين الذين ابتعدوا أصلاً وقصر العضوية على اتباع وكتاب من الدرجة الثانية والثالثة يعيدون انتخابه كل مرة في سياق موقف سياسي ميال الى اليمين. وظل الاتحاد في هذه الظروف ينحاز بصورة منتظمة الى صف الرقباء في القضايا التي تهدد حرية الكتاب في التعبير حتى اللحظة التي تم فيها الاعتداء على نجيب محفوظ، وحينذاك تبلورت دعوات انشاء روابط مستقلة للكتاب وهي دعوات طورها سعد الدين وهبة من أجل الاستيلاء على الاتحاد كمؤسسة قائمة فعلاً واقصاء أباظة من موقع الرئيس. لكن ظروف وهبة أو وفاته جعلت الكاتب الراحل فاروق خورشيد الأقرب الى موقع الرئيس، لكنه ظل يفتقر الى"كاريزما"الراعي المسيطر على الكتاب المشاهير الذين جاءت بهم حملة سعد الدين وهبة التطهيرية، وقد تم اقصاؤه في انتخابات تالية جاءت بفاروق شوشة. وفي قيادة شوشة عاد الاتحاد الى مسيرته الأولى مقرّباً من وزارة الثقافة وميالاً الى دعم الدولة على حساب حرية الكتّاب في التعبير. وبسبب هذا الأمر وجد شوشة نفسه في موقع الأقلية فقرر عدم خوض الانتخابات التي جاءت بخورشيد من جديد الى موقع الرئاسة وهو ظل يشغله حتى وفاته قبيل الانتخابات التي جرت أخيراً وجاءت بمحمد سلماوي.