دعا المشاركون في مؤتمر اتحاد الكتَّاب المصريين؛ الذي افتتح أخيراً في القاهرة تحت عنوان «الكاتب والمستقبل: اتحاد كتاب مصر في ثلاثين عاماً» بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيس الاتحاد؛ دعوا المثقفين والمبدعين والكتّاب وحملة الأقلام العرب إلى اقتحام العولمة الثقافية واغتنام الحرية واقتناصها؛ ليتمكن الكاتب العربي من القيام بدوره الحقيقي المنوط به. رئيس اتحاد كتاب مصر محمد سلماوي أكد أن الكتّاب العرب هم دوماً في طليعة الكتائب المدافعة عن الوطن العربي، وقال: يمر عالمنا العربي بمرحلة مفصلية ودقيقة بين تاريخ قديم تطالب الجماهير بطي صفحته، ومستقبل مرتقب تتطلع الجماهير فيه للمشاركة في الحياة العامة ونيل المزيد من الحريات. والكتّاب دوماً هم باعثو نهضة الأمم ومفجرو الحضارات، فهكذا عهدنا كتّاب الثورة الفرنسية أمثال فولتير ومونتسكيو، وهكذا عهدنا كتّاب النهضة العربية أمثال العقاد وطه حسين وسلامة موسه والمازني، وهنا نحن الآن ننتظر من الكتاب العرب مواصلة القيام بدورهم التنويري، من أجل مناهضة جرائم النشر وجميع القوانين السالبة للحريات في عالمنا العربي، وتفعيل الديموقراطية على كافة المستويات. ولا شك في أن الكتّاب العرب واتحاداتهم على صلة وثيقة دوماً بالأمة العربية وقضاياها المصيرية الكبرى، وللكتاب دوماً دور طليعي على طريق الإصلاح والتغيير الذي تطمح إليه شعوب الأمة العربية في سائر الأقطار. ومن هذا الأساس انطلق اتحاد كتاب مصر من ثلاثين عاماً، فمن أهدافه العمل على تمكين الكتّاب في مجالات الإنتاج الفكري في الآداب من أداء رسالتهم في بناء المجتمع الجديد؛ وفي تحقيق الوحدة العربية الشاملة؛ وفي الإسهام في إقرار السلام العالمي؛ وإثراء الحضارة الإسلامية، والحفاظ على اللغة العربية ورفع مستواها، والعمل على تحرير الوطن العربي بالكلمة وتحقيق أهدافه القومية. وسيظل الكتاب دوماً معنيين بقضايا أمتهم وأهدافها القومية، فالثقافة هي الأمل الذي تتمسك الجماهير به من أجل الالتفاف حول أحلامنا العربية؛ وعلى رأسها حلم الوحدة. وأشار أمين عام الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الدكتور علي عقلة عرسان إلى أن الاحتفاء بالكلمة وتقدير حضورها في الذاكرة هو فعل بناء في الدول التي تريد تحقيق نقلة نوعية في أدائها وتجاوز كل التحديات؛ لتسهم في إثراء مسيرة الحضارة الإنسانية. وقال د.عرسان: على الكتاب العرب الآن التطلع إلى مزيد من الحرية المسؤولة التي تحفز الإبداع، ومزيد من الانتماء إلى هذه الأمة العربية وفهم قضاياها وإدراك المخططات التي تستهدف الأمة العربية والإسلامية باستراتيجيات شريرة. وعلى الكتاب المناداة الدائمة بالإصلاح الجوهري في كافة الدول العربية، واحترام سائر الحريات وعلى رأسها حرية التعبير، وتفعيل مظاهر الديموقراطية، وتبني ثقافة التغيير. فنحن أمام عهد جديد يجب أن يتسلح فيه الكتاب العرب بالأمن من الجوع والخوف، وأن يكون لهم حضور حقيقي ملموس في ساحة القرار، ويزداد تواصلهم مع القراء، ويكون لهم دور أكبر في تضييق الفجوة بين أخلاقيات السوق وقيم الروح. أما الشاعر الفلسطيني سميح القاسم فقد أكد أن الأهم من الربط بين «الكاتب» و»المستقبل» في مؤتمر فكري هو التساؤل المشروع عن ماهية هذا المستقبل ذاته، بل عن ملامح الحاضر الذي نعيشه، فهي ملامح غير مستقرة تتسم بالضبابية. وقال سميح القاسم: إن الحاضر العربي متورط في أكداس من العراقيل والإشكالات الكارثية التي تشوه مسيرته، منها على سبيل المثال ارتفاع منسوب الأمية بشكل مفجع في سائر الأقطار العربية، وغياب حرية الفكر والإبداع لاتساع رقعة الجهل، وتفشي النزعات الغريزية والإرهابية. ويجب أن نغير من نظرتنا لأنفسنا أولاً لنستطيع تغيير نظرة العالم إلينا. ويجب التسلح بالتفاؤل، لأن في نهاية النفق المظلم شعاعاً من نور، فالتسلح بالحرية نابع من إيماننا بأن الله يحب الحرية، والفكر القومي لم ينحسر إلى الأبد، والنهضة العلمية لم تذهب إلى غير رجعة، والعدالة الاجتماعية ليست وهماً، والفن لم يتم تفريغه من قضايا الواقع، فالشعب سيظل دوماً قافية جميلة في أعمال المبدعين الحقيقيين. أما الأديب الفرنسي إيريك إيمانويل شميت صاحب الرواية الشهيرة «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» فقد أشار إلى أن صورة العرب والمسلمين في أوروبا والعالم الغربي تتعرض لقدر كبير من التشويش والتشويه، وقال: يجب أن يسهم الكتاب والمثقفون العرب في تغيير هذه الصورة السلبية. وقد تلقيتُ الكثير من النقد والاحتجاج عندما أصدرت روايتي «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» التي حاولت فيها إبراز روح التسامح في الدين الإسلامي، وأنه دين يدعو إلى العدالة والإخاء والمساواة وحسن التعامل مع الآخر. لكن هناك على النحو الآخر كتابات كثيرة مضادة للعرب وللمسلمين، ويجب أن تتكاتف الجهود من أجل توضيح الحقائق وكشف الأباطيل. وأكد أديب نوبل نجيب محفوظ في كلمته التي بعث بها إلى المؤتمر أن الواقع العربي يشهد تراجعاً لدور الكاتب ومكانته للأسف الشديد، وقال: الكاتب العربي يتراجع، والحريات العامة كلها في حالة تراجع، ويجب إعادة الاعتبار للكاتب لأنه ضمير أمته الحي، والتغيير دوماً يبدأ من العقل والفكر قبل الإجراءات والقوانين. وأضاف محفوظ أن حلم الوحدة العربية يمكن تحقيقه على المستوى الثقافي بسهولة دون تعقيدات؛ حتى إذا تعذر أو تأخر تحقيقه على المستويات الاقتصادية والسياسية وغيرها من المستويات. وفي حديثه، أشار راعي المؤتمر عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية إلى أن الأمة العربية مستهدفة حقاً، لكنها أيضاً مشاركة في مسؤولية تأخرها، وقال: إن تقرير الأممالمتحدة حول الثقافة في العالم العربي يشير إلى تراجع هائل للثقافة والترجمة والنشر في العالم العربي، وهذا يمثل فضيحة حقيقية بكل المقاييس. وعلى الكتاب العرب حسن استثمار التراث الثقافي الهائل للأمة، من أجل بلورة الحاضر وصياغة المستقبل. وأتصور أنه لا يوجد صراع بين الحضارات على مستوى المبدعين ولا على مستوى الشعوب والمجتمعات، فصراع الحضارات صراع سياسي في الأساس، والعناصر المتطرفة هي المسؤولة عن تفجيره من أجل خلق عدو وبلورة سياسات تباع للرأي العام. ولا أرى أن هناك غزواً ثقافياً يمكننا أن نخشاه، فنحن في عصر العولمة، ورصيدنا المعرفي والثقافي يجعلنا قادرين على اقتحام العولمة ثقافياً بكل قوة، وأن نكون مؤثرين فاعلين، وهذا دور المثقفين والكتّاب العرب، فهم سلاحنا في هذه المعركة. أما وزير الثقافة المصري فاروق حسني فقد ألقى بالإنابة كلمة الرئيس محمد حسني مبارك، وجاءت محتفية بالكتاب وباتحادهم في العيد الثلاثين لتأسيسه، ومما ورد فيها أن هناك تطورات إيجابية كثيرة أتيحت في السنوات الماضية وانعكست مكتسباتها على المثقفين، حيث ألغيت الرقابة، ولم يعد ممكناً ولا مقبولاً أن يجرم الفكر أو يحرم كاتب من حقه في التعبير الحر. ومع تأكيد هذه الحريات، تأتي مسؤولية الكتاب باعتبارهم ضمير الأمة الذي ترتقي به ثقافتها. ومن ثم فإن على الكتاب العمل على ترسيخ ثقافة الديموقراطية، وتبني الفكر المتطور الذي ينفذ إلى أبناء الوطن، وحمل شعلة الاستنارة، ونشر روح التسامح، ومحاصرة التطرف. ويشار إلى أن مؤتمر اتحاد الكتاب المصريين قد شهد تكريم أسماء رؤساء الاتحاد السابقين، وهم: توفيق الحكيم، ثروت أباظة، سعد الدين وهبة، فاروق خورشيد، فاروق شوشة، عبد العال الحمامصي، وكذلك تكريم اسم الأديب يوسف السباعي مؤسس الاتحاد.