على رغم مضي ما يقرب من سبعة شهور على انتخاب الكاتب محمد سلماوي رئيساً لاتحاد كتاب مصر، وهي مدة يصعب فيها اطلاق احكام نهائية على طبيعة اداء الاتحاد، الا ان ما جرى خلالها من امور قد تصلح معياراً لقياس توجهات الاتحاد ومصيره في المستقبل القريب. فالمجتمع المصري شهد مجموعة من المتغيرات كأن نشطت مجموعة من حركات الاحتجاج عملت على مواجهة السياسات الرسمية في مصر وفي القلب منها السياسات الثقافية. وفي هذه الحركات التي تناسلت من الحركة/ الأم"كفاية"كان للكتاب المصريين نصيب وافر تمثل في"حركة ادباء وفنانين من اجل التغيير"التي ضمت في عضويتها كتاباً لم ينخرطوا اصلاً في عضوية الاتحاد طوال تاريخه ومنهم من كان عضواً ثم فقد حماسته تدريجاً. والمؤكد ان تشكّل هذه الحركات واجتماع اعضائها خارج الاتحاد أمر له دلالته، وهي تشير الى ان المثقفين ما زالوا يعتبرون الاتحاد من الكيانات القريبة من السلطة الرسمية والتابعة لها، ومن ثم فهي لا تعبر عنهم تماماً. وفي هذا الصدد تمكن الاشارة الى الخلاف الذي نشب قبل فترة بين ممثلي هذه الحركة ورئيس اتحاد الكتاب محمد سلماوي في مكتب النائب العام المصري لحظة تقدم هؤلاء الكتاب ببلاغ للتحقيق في كارثة حريق قصر ثقافة بني سويف التي راح ضحيتها عدد من النقاد والكتاب. وبينما ركز سلماوي الذي تقدم ببلاغ منفصل باسم اتحاد الكتاب في حديث عن ضرورة التحقيق من دون اتهام احد بعينه، طلب منه صنع الله ابراهيم الحديث عن نفسه فقط وعن الاتحاد وليس عن الادباء والفنانين المستقلين الذين جاؤوا بوجهة نظر اخرى ترى ضرورة محاسبة المسؤولين ومن بينهم وزراء الثقافة والصحة والداخلية. هذه واقعة واحدة من وقائع عدة تشير الى استمرار الفجوة بين عدد من الكتّاب واتحادهم في ظروف انفراج سياسي نسبي لم يسع الاتحاد للتفاعل معه مع انه اقرب الى تشكيل نقابات الرأي ? ليتحرر من"عقد الماضي ومن ميراث سنوات التأسيس، وهو ميراث قائم على الثقة المفقودة بين الاتحاد والكتاب المصريين، وفي ظله بقي الاتحاد مكبلاً وعاجزاً عن انجاز خطوات حقيقية تتمكن من استقطاب من هم خارجه. وبدأت مشكلات الاتحاد منذ ان اسس بموجب القانون الرقم 65 العام 1975 حيث ولد"مشوهاً"خاضعاً لوصاية مشددة من وزارة الثقافة ولم يحظ بمساحة الحرية التي يمنحها قانون النقابات. والى الآن لا يعرف المنتمي اليه هل هو عضو في نقابة ام في جمعية اهلية من جمعيات النفع العام. وعلى خلاف هذه الوصاية خضع الاتحاد في تشكيلاته المتعاقبة للانقسامات الموجودة في الساحة الثقافية منذ السبعينات، فبينما راهن رئيسه الاول يوسف السباعي على مهارات المنح والعطاء من خلال موقعه كوزير مسؤول استطاع خليفته ثروت اباظة ان يوصد الاتحاد في وجه الكتاب الحقيقيين الذين ابتعدوا اصلاً، وقصر العضوية على اتباع وكتاب من الدرجة الثانية والثالثة يعيدون انتخابه كل مرة في سياق موقف سياسي ميال الى اليمين. وظل الاتحاد في هذه الظروف ينحاز بصورة منتظمة الى صف الرقباء في القضايا التي تهدد حرية الكتاب في التعبير، حتى اللحظة التي تم فيها الاعتداء على نجيب محفوظ. وقتذاك توالت دعوات الى انشاء روابط مستقلة للكتاب وهي دعوات طورها سعد الدين وهبة باتجاه الاستيلاء على الاتحاد كمؤسسة قائمة فعلاً، واقصاء اباظة من موقع الرئيس. لكن وفاة وهبة جعلت الكاتب الراحل فاروق خورشيد الاقرب الى موقع الرئيس، لكن وفاة وهبة جعلت الكاتب الراحل فاروق خورشيد الاقرب الى موقع الرئيس، لكنه ظل يفتقد"كاريزما"الراعي المسيطر على الكتاب المشاهير الذين جاءت بهم حملة سعد الدين وهبة. ومن ثم تم اقصاؤه في انتخابات تالية جاءت بفاروق شوشة، وتحت قيادته عاد الاتحاد الى سيرته الاولى وبدأ يميل الى وزارة الثقافة في مواقفه. ثم جاءت الانتخابات بخورشيد من جديد الى موقع الرئيس الذي ظل يشغله حتى وفاته قبيل الانتخابات التي أجريت اخيراً وفاز فيها محمد سلماوي الذي اهتم بتفعيل الاداء خلال مدة رئاسته. ولكنه الاداء"الاعلامي"المقتصر على التصريحات التي لم تفلح الى الآن في جذب من قاطعوا الاتحاد منذ تأسيسه او في استعادة من نشطوا فترة"الربيع القصير"التي جاءت بسعد الدين وهبة رئيساً. وعلى رغم ان سلماوي راهن في برنامجه الانتخابي على تعديل قانون الاتحاد ليكتسب استقلالاً حقيقياً الا انه لم ينجز أي خطوات عملية في هذا الصدد واقتصرت جهوده في حصوله على امتيازات خدمية جديدة للاتحاد الذي يعاني ضعفاً مالياً ويعمل على تنمية موارد الاتحاد المعطلة في اتحاد الناشرين واتحاد الاذاعة والتلفزيون، مع اختيار نجيب محفوظ رئيساً فخرياً للاتحاد. وأعلن عن مسابقة ادبية كبرى لأعضائه بجوائز تبلغ قيمتها عشرة آلاف دولار يمولها صندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة. ونجح كذلك في الحصول من وزارة الثقافة على مقر اضافي للاتحاد في قلعة"صلاح الدين"اضافة الى مقره غير اللائق في حي الزمالك. وفي الوقت نفسه استطاع أي يسلط الضوء على الاتحاد بعدما استضاف الاديب البرازيلي باولو كويهيلو ليلقى محاضرة في مقر الاتحاد. ولعل هذه المحاضرة هي النشاط الابرز للاتحاد الذي يحقق رئيسه هذه الايام خطوتين، الاولى اصدار مطبوعة دورية تعنى بالشأن الثقافي، والثانية مؤتمر عربي بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيس الاتحاد.