تشتد أزمة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا يوماً بعد يوم، على رغم حاجة القارة القديمة إلى عشرين مليون عامل، خلال السنوات ال 25المقبلة. وتعود أسباب هذه الأزمة إلى غياب التخطيط الاوروبي المشترك، ما حوّل إسبانيا"باباً"للهجرة غير الشرعية وأجبرها منذ شهرين لدى تفاقم هذه المعضلة، على اتخاذ قرارات، بتشريع وضع عدد كبير من المهاجرين. الأمر الذي دفع الاتحاد الاوروبي تأنيب مدريد، مطالباً"بتنفيذ قوانينه، وإشعاره بالخطوات التي تتخذها، وبسياسة الهجرة التي تتبعها". فإسبانيا تعتبر نفسها في مواجهة اكثر من غيرها لهذه الظاهرة، وتحث بقية الدول على مساعدتها لحل مشكلة اليد العاملة التي يحتاجها الجميع، والتي تعني بقية الدول كما تعنيها. تسوية وضع المهاجرين وأصدرت إسبانيا تعديلات مختلفة على قراراتها بشأن تسوية وضع المهاجرين الذين يثبتون وجودهم على أراضيها قبل شهر آب أغسطس الماضي، وقامت في اوائل هذا الشهر بتسهيل شروط العمل والإقامة مرة أخرى. وبلغ عدد المتقدمين بطلبات لتسوية أوضاعهم حتى الآن نحو 350 ألف شخص. لماذا تعتبر إسبانيا نفسها دولة مواجهة؟ ان أكثرية المهاجرين الذين يصلون في شكل غير شرعي إلى إسبانيا من طريق ألمانيا وهولندا وفرنسا وغيرها، ينتمون إلى جنسيات دول أميركية لاتينية، ويجمعهم عامل اللغة مع الإسبان. وعدد هؤلاء يزيد على ال 600 ألف، في الوقت الذي لا يتعدى عدد مهاجري إفريقيا أو دول الاتحاد الاوروبي، خصوصاً بريطانياوألمانيا وإيطاليا، نصف مليون لكل منهما. ومهاجرو بقية الدول الأوروبية مثل رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا، بلغ نحو 150 ألفاً، وهو عدد يتساوى تقريباً مع المواطنين الآسيويين خصوصاً من الصين والفيليبين. ويتوقع ان تنتهي عملية التسوية بتشريع أوضاع نحو 800 ألف مهاجر، من اصل 1.8 مليون شخص. أي ان نسبة المهاجرين بلغت نحو 10 في المئة من السكان الأصليين، في الوقت الذي لم تكن تتعدى فيه نسبة خمسة في المئة منذ ثلاث سنوات. فيما بلغت نسبة الذين حصلوا على عقود عمل دائمة منهم 8.4 فقط، و46 في المئة عقودهم موقتة، و 40 في المئة موسمية. ويقوم هؤلاء بإرسال 3436 مليون يورو إلى بلدانهم الأصلية، في الوقت الذي يصل إلى إسبانيا 4172 مليون يورو من مهاجريها في أميركا وأوروبا وبعض الدول العربية. وتربط إسبانيا بالمغرب حدود تصعب السيطرة عليها أمام الهجرة غير الشرعية. وعلى رغم الاتفاقات الإسبانية - المغربية والدوريات المشتركة المخصصة لمكافحة مافيات تهريب المهاجرين، إذ لا يمر أسبوع دون اعتقال عشرات القادمين بزوارق أطلق عليها تسمية"زوارق الموت"نظراً لكثرة الذين يموتون قبل بلوغهم"الجنة الأوروبية"، أحياناً بسبب الجوع والعطش أو بحوادث طبيعية عارضة، وأحياناً أخرى بسبب إغراق الزوارق بمن فيها لطمس الأدلة ضد أصحابها. إلا ان مكاسب أوروبا من المهاجرين كبيرة ومهمة، عبر مساهمتهم في تعمير المدن وجني المزروعات والعناية بالمسنين والأطفال وملء الشركات والمؤسسات بمهنيين وتقنيين مؤهلين بأسعار رخيصة، كما انهم يساهمون أيضاً في رفع نسبة النمو السكاني المنخفضة أساساً، بسبب انخفاض نسبة الولادات، ما يجنبها التحول إلى مجتمعات هرمة، إضافة إلى محافظتهم على نظام الضمان الاجتماعي، ومعاش التقاعد الاوروبي الذي أوشك على الانهيار لولا مساهمة هؤلاء العمال الشهرية في صندوقه. هذا مع العلم ان ارتفاع عدد سكان إسبانيا يجعلها أقوى خلال مفاوضاتها داخل الاتحاد الاوروبي. وتشير الإحصاءات إلى ان 40،4 في المئة من المهاجرين في إسبانيا تتراوح أعمارهم بين 10 و 29 سنة في مقابل 27 في المئة من الاسبان. وعقدت الحكومة المركزية اجتماعاً مع ممثلي الحكومات الإقليمية الاثنين الماضي لتشرح لهم كيفية توزيع 120 مليون يورو عليها، مساهمة منها في تمويل عمليات دمج المهاجرين في مجتمعاتها. وتراهن إسبانيا على وصول عدد سكانها إلى 46 مليون نسمة قبل عام 2009، موعد بدء العمل بالنظام الدستوري الجديد لتصبح بين الدول الأربع الكبرى، بعد بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وتتمكن بالتالي، من تشكيل تحالفاتها على هذا الأساس. ماذا يحصل إذا استفاقت إسبانيا يوماً من دون مهاجرين؟ عند الثالثة تتوقف أسواق التغذية التي تصل إليها الخضار والفواكه واللحوم والأسماك من جميع المناطق والبلدان لتحميلها وتوزيعها. ويمثل العمال المهاجرون نسبة 60 في المئة من العاملين فيها، كما ان آلاف أطنان المزروعات تبقى عند السادسة في الحقول من دون عناية أو قطاف. عند السابعة لن يتمكن سكان المدن من تحمل رائحة النفايات المتراكمة. وفي الثامنة تتوقف عمليات البناء والترميم وشق الطرقات. وعند العاشرة يشكو الموظفون من توقف الخدمات في مكاتبهم وشركاتهم. أما من لن يداوم منهم فبسبب عدم وجود من يهتم بأولاده ويرافقهم إلى المدرسة أو إلى الباص المدرسي أو من يرافق شيوخه داخل المنزل أو إلى عيادة الطبيب. وعند الظهر تفتقر المكاتب إلى المراسلات التي ينقلها سعاة أجانب. وعند الرابعة عشرة لن يتمكن السكان من تناول الطعام. ففي البيت تحضّره أجنبية وفي المطعم يقدمه نادل مهاجر والى المكتب ينقله عامل غير إسباني. وبعد الظهر يتشاور الزوجان بعصبية لحل مشكلة الأولاد الذين يخرجون من المدرسة عند الخامسة ويحتاجون إلى من يرافقهم إلى المنزل ومساعدتهم في الاستحمام والعشاء وما يرافق ذلك من أعمال تقوم بها المربية المغربية مثلاً. وليلاً تتساءل العائلات عن الشخص الذي سينام مع المسنين والمرضى وتتمنى منه ان تُحفظ صحة المهاجرين الذين أتوا من العالم الثالث، ليساهموا بإدارة عجلة اقتصاد العالم الاول. انهم يقومون بعملهم، في مختلف المجالات ومعظم الحالات على اكمل وجه، ليبرهنوا ان الطرفين بحاجة الى بعضهما بعضاً.