غصت ثريا وهي تسرد حالتها المزرية هي التي تعيش في حجرة في منزل متهالك داخل اسوار مدينة فاس المغربية القديمة ونظرت الى الارض لتخبئ دموعها. كانت ثريا تتكلم عن معاناتها هي وزوجها الاسكافي وابنيها التوأمين، فالتراب والحصى تتساقط عليهم من السقف ومن جدار قريب دعمته باكياس ثقيلة حتى تقلل من احتمال انهياره بسرعة. حال ثريا ليست استثنائية فاحياء فاس القديمة التي يعود بعضها لاكثر من 12 قرناً تعاني من انهيارات المباني، وقد سجل أخطرها في تشرين الثاني نوفمبر الماضي عندما انهار بيت قديم على مسجد ما ادى الى مقتل عشرة مصلين وجرح آخرين. وتسعى وكالة"الخفض من الكثافة وانقاذ مدينة فاس"الحكومية التي تأسست سنة 1989 الى انقاذ المدينة القديمة ومعالمها الحضارية المهددة بالانهيار من طريق اتفاقات تبرمها مع السلطات المغربية وجهات اجنبية تدعمها بالقروض كالبنك الدولي ومنظمة الاممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة يونيسكو للقيام بعملية الاصلاح. ووقع المغرب مع البنك الدولي اتفاقاً في تشرين الثاني نوفمبر 1998 بقيمة 15 مليون دولار"لرد الاعتبار الى التراث المبني وتقوية مؤسسة وكالة خفض الكثافة وانقاذ مدينة فاس بشراء آليات التجريب والتكوين"، هذه الجهود لا تبدو كافية فالصحافة المغربية تحدثت عن سوء تدبير وتبذير لهذا المال وامتناع البنك الدولي واليونيسكو عن تقديم مزيد من المساعدات، ورفض مسؤولون مغاربة التعليق على هذا الكلام، واكتفوا بالقول انها ادعاءات باطلة. وتختار الحكومة المغربية مدينة فاس غالباً لاستضافة المؤتمرات العربية والعالمية كما تختارها العائلة المالكة لإقامة الحفلات. وتكمن اهمية هذه المدينة بالنسبة إلى المغاربة في كونها العاصمة العلمية للمغرب باحتضانها جامع القرويين الاسلامي الذي يعد من اقدم الجامعات في العالم كما اعتبرت اول عاصمة سياسية للمغاربة ابان حكم الادارسة"نسبة الى إدريس الثاني مؤسس المدينة آ القرن التاسع الميلادي". ووجهت اليونيسكو سنة 1980 نداء لإنقاذ معالم مدينة فاس القديمة من الانهيار كما صنفتها بعد ذلك بسنة ضمن لائحة التراث العالمي. لكن المسؤولين المغاربة يقولون انهم يواجهون معضلة كبرى لترميم المدينة القديمة، خصوصاً ان المشكلة تكمن في كونها مدينة تراثية حية آهلة بالسكان. ويقول فؤاد السرغيني المدير العام لوكالة خفض الكثافة وانقاذ مدينة فاس:"المعادلة الصعبة التي نواجهها هي كيفية الحفاظ على التراث التاريخي المهم للمدينة وفي الوقت نفسه الحفاظ على العنصر البشري". ويبلغ عدد سكان فاس أكثر من 160 ألف نسمة بكثافة 1000 ساكن في الهكتار. ويقول المسؤولون ان هذه الكثافة المرتفعة سببها تدهور حالة المدينة القديمة وتكدس أسر عدة في منزل واحد يتقاسمونه ما يزيد من فرص الانهيار. وتعاني غالبية الاسر التي تسكن داخل المدينة القديمة من الفقر المدقع وهي في معظمها أسر قروية هاجرت الى المدينة. ويدق الخبراء المعماريون والاجتماعيون ناقوس الخطر من ان الانفجار السكاني سيكون اسوأ وقعاً على المدينة من انهيار اسوارها ومآثرها بفعل الزمن وعاشت فاس في الشهور الاخيرة حالاً من الانفلات الامني اضطر التجار في المدينة القديمة الى القيام بمسيرة احتجاجية طالبوا فيها السلطات بتوفير الامن والحماية لهم. ويقول السرغيني:"المدينة القديمة لفاس عبارة عن متحف حي لكننا نواجه معضلة الفقر المدقع في بعض جيوبها"، ويضيف:"على عكس بعض المدن التاريخية العالمية التي بقيت احياؤها معالم أثرية تضم بعض الدكاكين لبيع التحف ومنتجات الصناعة التقليدية... نجد فاس بحكم العوامل التاريخية تضم المحلات وورشات الصناعة التقليدية الى جانب الدور السكنية". ويواجه المسؤولون لإصلاح المنازل الآيلة الى السقوط مشكلة أخرى قانونية تتمثل في هجر هذه المنازل من جانب بعض السكان ومغادرتهم المدينة ما يصعب على السلطات التدخل للإصلاح أو الهدم.