"ذاهبون لحضور حفلة لبريتني سبيرز" . "سبيرز في دبي؟" ."نعم، لقد جاءت لإطلاق عطر يحمل اسمها"."أوكيه، نراكم هناك". لكنّ بريتني سبيرز لم تأت في تلك الأمسية. نصبت الشاشات وعرضت الأغاني وبخّ رذاذ العطر في كل مكان، من دون أن تأتي"معبودة المراهقين". "هل تأثرتم كثيراً؟"،"مطلقاً، لماذا نكترث، الأهم أننا تسليّنا!". لا نجومية في دبي، فدبي هي النجم الأكبر الذي يتحرّك في مداره النجوم ليضيفوا بريقهم أحياناً، ويستمدوا بريقاً أحياناً أخرى. لكنّ الأمور تجيّر دوما لمصلحة رصيد الإمارة الآخذة في تشكيل"كاريزما"خاصة بها يتردد صداها في كل مكان. هكذا، يأتي نجوم الفن والسياسة والاقتصاد إلى دبي على مدار الساعة. تراهم في مركز التسوّق يتمشّون من دون أن يضطروا للاصطدام ب"هجوم الجماهير". لا رغبة لدى الناس هنا في جمع تواقيع المشاهير، لن يهتموا كثيراً بالتوقّف لالتقاط الصور. إنهم يريدون التسلية لكنّهم غير مكترثين بمصدر إلهام هذه التسلية. كل شيء عابر في هذه المدينة، والنجومية، التي يحتاج تكريسها في الدرجة الأولى إلى ولاء للذاكرة والتاريخ، مفقود أثرها بمعناه التقليدي في مكان لا ضرورة فيه لوجود ذاكرة. النجومية في دبي للترفيه حكراً. تلك القيمة الآخذة في التمدد في المجتمع، كرد فعل أو"تنفيس"طبيعي لاحتقان يصاحب وتيرة العمل الضاغطة. وليس هناك متسع من الوقت لصرفه في عملية تنصيب النجوم والتماهي مع نمط حياتها. نمط حياة المقيمين في دبي يتيح لهم تعويضاً نفسياً قد يردم، بنسب متفاوتة، الفجوة التي تفصل عادة بين الفرد والمشهور"الأسطورة"."أعتقد بأنني، بوجودي في دبي، أعيش نمطاً معيّناً لا تعيشه أخريات في بلد آخر"، تقول رانيا التي تمتلك محلاً لبيع قبعات"غريبة الشكل"، بعضها زرع فيه ريش الطاووس. وتضيف:" في الإجازات، حين أعود إلى بلدي، تتصرّف معي الصديقات بصفتي نجمة"! هكذا، ستضع ليلى علوي نظارتها السوداء وتمشي بصحبة حسين فهمي في مركز"ميركاتو"للتسوّق، القريب من شاطئ البحر، من دون أن تعترض الجموع طريقهما. كانا خارجين للتوّ من القاعة التي عرضت فيلم علوي"بحب السيما"، ضمن فاعليات مهرجان دبي السينمائي الأوّل. هل كانت هناك ضرورة فعلية لنظارة الشمس؟ سيمرّ النجمان في المكان العام بسلاسة لم يعهداها، ربّما من قبل، في شوارع القاهرة أو حتى بيروت."التنوّع العرقي الذي تحتويه الإمارة، الذي يولّد بالنتيجة تنوّعاً واسعاً في الاهتمامات، يجعل من الصعب، بل المستحيل، تكريس نموذج قيادي واحد لعاطفة الجمهور. من الصعب أصلاً الحديث عن"جمهور"متوحّد الملامح. فالمشهور بالنسبة إلى العربي المقيم في الإمارة لن يكون كذلك بالنسبة إلى البريطاني، ومشهور الفيليبين غير مشهور الهند"، تقول سناء المهيري، المتخصصة في شؤون علم النفس الاجتماعي. يتلوّن المشهد إذاً على هذا النحو: مهرجان لسينما"بوليوود"تهزّ أصداؤه المدينة، بما أنّ الهنود هم الفئة الغالبة ديموغرافياً، وقد يعطّل مرور الممثلة الهندية ماهيما شودهاري حركة المرور في الشارع أكثر مما يفعله مرور بافاروتي قرب مدينة الجميرا."شهد حفل بافاروتي زحاماً كبيراً، لكنه أتى وذهب. انتهى الأمر عند هذا الحد، ودبي ليست المدينة التي تصنع جاذبيتها من مرور المشاهير فيها"، تضيف المهيري. حين استضيف بيل كلينتون قبل ثلاث سنوات في دبي، لحضور حفل تخرّج طلاب الجامعة الأميركية، كان في وسع هذا الحضور أن يشكّل مادة"لاحتفاء"شعبي وإعلامي. بعد ذلك التاريخ، تكرر حضور كلينتون في مؤتمرات ومحاضرات وانضمّت مادلين أولبرايت إلى قائمة المحاضرين المعتادين في صالات دبي."على المستوى الشعبي، لم يترك وجود هذه الشخصيات في مكان واحد مع الناس ضجيجاً يذكر. هم يعون أنهم في مدينة معولمة، يأتيها الناس من كل حدب وصوب"، يقول جبران الذي يعمل في إحدى القنصليات العربية. ويضيف:" لن أستغرب إذا سمعت أن كلينتون لديه شقّة في إحدى الجزر التي شيّدتها دبي في الماء". في متجر"كارفور"الضخم في مركز"سيتي سنتر"للتسوّق، تكاد الرفوف المخصصة لعرض المجلات أن تهتزّ تحت وطأة وثقل مئات الصفحات التي تتبدّل أسبوعياً. الكثير من هذه المجلاّت يحمل عناوين"اللايف ستايل". صفحات ملوّنة تكرر النصائح حول: الأسلوب الأمثل للتعاطي مع بشرة دهنية واسعة المسام، الطريقة الذكيّة لتفريق العلامة التجارية المقلّدة عن الأصلية، فستان نيكول كيدمان وبقعة العرق الشهيرة التي تظهر في الصورة تحت الإبط، وصفات الطبخ الملهمة. وهناك صور ثابتة لمشاهير المجتمع. في النهاية، تستقطب دبي مشاهير كرة القدم والفن والادارة والتسويق والموسيقى في العالم، بعضهم يأتي ويذهب والبعض الآخر قد تملّك بالفعل منزلاً فيها. لكنهم، في عبورهم الموقت أو الطويل، يعكسون أشعّة من النجومية تنعكس عبر مرآة دبي ذاتها:"تماماً كالعلاقة بين الشمس والأقمار المنيرة" !