بناء على التجربة الطويلة والمرة، يؤمن الفلسطينيون بأن غريزة نهب الأرض واستيطانها قوية عند رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون، ودوماً أقوى من حب العيش بأمان وسلام مع العرب. ووقائع العلاقة في عهده تؤكد أنه يستمتع في قهر الفلسطينيين شعباً وقيادة وقوى حزبية. وبغض النظر عن رأي الرئيس الأميركي، فصديقه شارون عمل كل ما يمكن من أجل تعطيل تنفيذ"رؤية بوش"لتسوية النزاع ونسف مقومات قيام دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل. وذبح في السنوات الأربع الماضية عملية السلام من الوريد الى الوريد، على مرآى الجميع، ونسف انجازاتها ودفن الاتفاقات التي انبثقت عنها في عهد من سبقوه وحقن الشعبين بالحقد، ويعمل بكل ما أوتي من قوة على اقامة جدران وأسوار الكراهية والعداء بينهما. وبصرف النظر عن نيات شارون واصراره على تنفيذ خطته من جانب واحد، ومباركة الرئيس جورج بوش الضمنية لهذا التصرف، فخطة شارون لها مضاعفات سلبية كثيرة على مستقبل عملية السلام المؤكد منها: تحويل الانسحاب واخلاء مستوطنات غزة من خطوة على طريق السلام الى عبء اضافي على قوى السلام، خصوصاً في الجانب الفلسطيني. وهذه الخطوة تعزز مواقف وتوجهات أنصار العمل العسكري ودعاة اعتماده سبيلاً وحيداً للتحرير وتضعف مكانة أنصار تسوية النزاع بالطرق السلمية عبر المفاوضات السياسية، وتظهر على أنها انتصار للتيار الأول ونتيجة جهدهم وتضحياتهم لا علاقة للتيار الثاني به. وتضع السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس أمام امتحان أمني سياسي صعب، للفشل فيه مضاعفات خطيرة على الوضع الفلسطيني، اخطرها فشل الرهان على دور"أبو مازن"الانقاذي وفقدان الثقة ببرنامجه وتوجهاته واضعاف سلطته، وتعميق أزمة حزبه السياسي"فتح"المتفاقمة في فترة حرجة وعلى أبواب الانتخابات البلدية والتشريعية، وتسريع صعود التطرف وانتشار الفوضى وانعدام النظام، وظهور عجز منظمة التحرير والسلطة والحكومة وأجهزتها الأمنية في تحمل مهمة وطنية لا مفر منها. الى ذلك، يرجح أن يلتزم شارون بتنفيذ"الخطة"بدءاً من تموز يوليو المقبل، ودعم الرئيس بوش المادي والسياسي لها يشجعه على المضي قدماً. وبديهي القول إن فشل السلطة في السيطرة على الوضع قبل وخلال وبعد التنفيذ يكرس نوعاً من ازدواجية السلطة ويفتح الباب أما بروز سلطات محلية وحزبية تتحالف بعض الأحيان وتتصارع في معظمها. وفي العادة يرافق هذه الحالة تراجع في دور السلطة المركزية لحساب المعارضة والمتضررين من تطبيق القانون وفرض النظام. واعتقد أن نجاح القيادة الفلسطينية في امتحان بسط السيطرة في المناطق التي سيخليها الاحتلال يتطلب الشروع فوراً في: 1- تحضير الوضع الحكومي والشعبي للنهوض بالمهمات الناشئة عن الخطوة الإسرائيلية وصوغ توجهات تحشد الجهود لمصلحة متطلبات الاحتمال الأكثر ترجيحاً، والمباشرة في التحرك في كل الميادين وعدم الانتظار ريثما يبدأ الانسحاب، واعتبار الانسحاب يسهل حياة الناس ويريحهم من كابوس الاحتلال، واخلاء شارون أية مستوطنة في الضفة أو القطاع وسحب الجيش الاسرائيلي من أي جزء من الأرض مكسباً وطنياً مهماً، سواء تم بشكل أحادي الجانب أو بالتنسيق مع السلطة أو بترتيبات مع طرف ثالث، شريطة أن لا يتم على حساب الحقوق الثابتة، وتحضير القوى والوسائط اللازمة لملء الفراغ وحصر الممتلكات والأراضي، وعمل دراسات تحدد الممتلكات الخاصة وتميزها عن العامة. 2 العمل على حشد التأييد الاقليمي والدولي لاعتبار خطة الانسحاب والاخلاء الاسرائيلية ليس اكبر من اعادة انتشار للقوات الاسرائيلية، وانهاء استغلال المستوطنين اراضي فلسطينية بصورة غير قانونية دام اكثر من ثلاثين عام. وان بقاء المعابر البرية والحدود مع مصر والمياه الاقليمية واجواء قطاع غزة والضفة تحت السيطرة الاسرائيلية يعني بقاء الاحتلال بكل ما يترتب على وجوده من مسؤوليات. وتنفيذ خطة الفصل لا يعفي اسرائيل من مسؤوليتها المادية والمعنوية كقوة احتلال ألحقت اضراراً فادحة بالفلسطينيين وممتلكاتهم واقتصادهم وملزمة قانونياً بتعويضهم وتوفير فرص عمل للعمال. وبما ان الاتفاقات الاساسية بين السلطة وحكومة اسرائيل تقر بوحدة الضفة والقطاع كمنطقة سيادية واحدة، فصفة الاحتلال تبقى تلازم اسرائيل طالما أن الجيش والمستوطنين يحتلون اجزاء من الضفة. 3 تهدئة الجبهة الداخلية وترتيب البيت الوطني والعمل على تحقيق اجماع يرفض أي تصرفات ميدانية تضر بالمصالح العليا، والتفاهم مع"القوى الوطنية والاسلامية"على وحدانية السلطة في تنفيذ خطة الفصل في حال التوصل الى اتفاق مع الجانب الاسرائيلي. واعتبار كل شيء يتركه او يخليه الاحتلال ممتلكات وطنية، والسلطة الرسمية وأجهزتها المدنية والامنية مسؤولة عن استلام الارض وما عليها من منشآت مع حفظ حقوق الملاكين الاصليين كاملة وفي حال تعذر التفاهم مع المعارضة لا يجب التساهل مع من يخرق النظام ويتطاول على الممتلكات ويعمل على عزله شعبياً. وتتخذ الاجراءات الضرورية لتنفيذ قرارات القيادة المنتخبة والمحافظة على الممتلكات العامة وفرض القانون في المناطق التي يخليها الاحتلال. 4 وضع خطة سياسية أمنية لمواجهة جميع الاحتمالات، والعمل على توفير أوسع دعم حزبي وشعبي لتوجهات السلطة واسناد اجهزة الامن في تنفيذ مهماتها. والشروع في عمل الحوارات والدعاية والاعلام والتعبئة اللازمة لتسهيل عملية بسط السيطرة، وتعريف الناس بأهداف الخطة وفوائدها. وابلاغ الجميع ان السلطة تعتبر كل تعطيل لقيامها بمسؤولياتها يرقى لمستوى خيانة المصالح العليا. 5 تسريع عملية توحيد أجهزة الامن الفلسطينية وتكليف مجلس الامن القومي والمجلس العسكري بتنفيذ الخطة الفلسطينية، وتوفير القوى والوسائط اللازمة وتقريبها من ارض العمليات. واعلان التعبئة واجراء التدريبات العملية اللازمة لتنفيذ الواجبات. ومنع الجماعات المسلحة اياً كان انتماؤها من ممارسة نفوذ غير شرعي يتعارض مع القانون. ولعل تشكيل قوة خاصة تسند لها مهمة السيطرة على الوضع ويجري تدريبها مسبقا على الخطة يزيد في نسبة النجاح. 6 التدقيق في موقف الحكومة الاسرائيلية الرسمي المعلن، يؤكد ان موعد بدء الجانب الاسرائيلي في تنفيذ المرحلة الأولى من خطته ليس بعيداً، وان الوقت الممنوح للاجهزة الفلسطينية محدود، اقل من مئة يوم، بالكاد يكفي لتجميع القوى والوسائط وتأهيلها. وبديهي القول ان وجود طرف ثالث في الميدان الأمم متحدة، قوات اميركية، او متعددة الجنسية يقوم بمهمة الفصل بين الطرفين واستلام كل ما تخليه اسرائيل من ارض ومبان ومنشآت واعادة تسليمها للفلسطينيين... الخ يسهل مهمة قوى الامن الفلسطينية. وفي حال رفض شارون دور الطرف الثالث، وهو الارجح، فالمصلحة الفلسطينية تفرض الأخذ بخيار التعامل مع كل خطوة يخطوها شارون على الارض وفق قاعدة أخذ النتائج المفيدة ورفض الضار منها، والتمسك بزوال الاحتلال ومرتكزاته باعتباره اعتداء صارخاً وبالجرم المشهود على الشعب الفلسطيني. والتسلح بقرارات الاممالمتحدة وقرارات محكمة العدل الدولية التي تدعو الى انسحاب اسرائيل من كل اراضي الضفة الغربية والقدس وغزة والعودة الى حدود العام 1967. ولعل النجاح في المهمة يتطلب ان تبادر جهة فلسطينية السلطة او المجلسين التشريعي والوطني الى عقد مؤتمر شعبي ورسمي يحضره اكبر عدد من الوزراء واعضاء"المجلسين التشريعي والوطني، واعضاء لجنة المتابعة للقوى الوطنية والاسلامية"، والشخصيات الوطنية وممثلين عن النقابات والاتحادات الشعبية. ويصدر عنه بيان يؤكد تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة ويدعو المواطنين الى الوحدة والالتزام الكامل بأحكام القانون وعدم خرقه بأي شكل من الاشكال والعمل على المحافظة على انجازات الشعب وممتلكاته ومنع الانحدار نحو الفوضى والتخريب او الاقتتال الداخلي، وتجنب الفتنة ونبذ كل تصرف يتنافى مع القيم والقوانين والمصلحة العامة. وان يطالب المؤتمر السلطة التنفيذية بحماية ممتلكات الشعب، ويشكل لجنة وطنية برئاسة وزير في السلطة، تضم مثلاً، المحافظ وقائد الشرطة ومندوباً عن وزارة العدل والأمن وممثلين عن القوى ورؤساء البلديات في المناطق المعنية بالاخلاء... الخ، مهمتها البت في الممتلكات التي يخليها المستوطنون واستلام شكاوى المواطنين ذوي العلاقة ومعالجتها مع الجهات المعنية، وان يرافق المؤتمر حملة اعلامية كبيرة منظمة في وسائل الاعلام على مستوى التلفزيون والاذاعات والصحف المحلية، للحديث عن المؤتمر ومهماته ونتائج اعماله ودعوة الشعب الفلسطيني الى الالتزام بالنظام العام وعدم خرق القانون ونبذ كل الجهات والافراد الخارجة عن القيم والعادات الفلسطينية. كما يجب التنبه الى عدم الوقوع في أسر المبالغة والتطير في قراءة خطة شارون ووعود بوش فالمبالغة والتطرف يميناً او يساراً يقودان الى رسم توجهات خيالية تلحق ضرراً بالمصالح العليا. واعتقاد بعض قوى المعارضة الرافضة لعملية السلام ان بالامكان تكرار تجربة الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان واحدة من هذه التوجهات الخيالية. والسؤال الواقعي المطروح على القيادة الفلسطينية هو: هل بامكانها تحويل خطة شارون الى سابقة في مجال ازالة الاستيطان وتحرير مزيد من الاراضي؟ وليس اكثر. وفي كل الاحوال لا مناص من متابعة العمل من أجل احداث تغيير في الشارع الاسرائيلي واقناع غالبية الاسرائيليين ان المستوطنين والمستوطنات عقبة في طريق السلام وسبب رئيسي في اختلال الامن على طرفي الحدود. وتنفيذ خطوة اخلاء وانسحاب جديدة في الضفة الغربية يساهم في توفير الامن للشعبين ويرسي اسساً جيدة لتعايشهما كجارين مسالمين. الى ذلك، يتمنى انصار السلام ودعاة الاصلاح في الجانب الفلسطيني ان يدمر شارون بيوت المستوطنات ويبقي المنشآت الصناعية والزراعية والبنية التحتية، ويعفي الشعب الفلسطيني من اشكالية توزيعها واستخدامها. ويعتقدون ان طبيعة المباني في المستوطنات مصممة لاستيعاب أسر محدودة، والمسكن الواحد فيها فيلا مع حديقته قابل للتحول الى مبنى يضم شققاً تستوعب عشرات الاضعاف. والكل يعرف ان اقل من ثمانية آلاف مستوطن يسيطرون على ثلث مساحة ارض القطاع الصغيرة العزيزة والاجمل، وان بيعها لطرف ثالث يعني استهلاك جزء كبير من المساعدات الدولية للفلسطينيين في مجال لا يحتل قمة الاولويات الوطنية واسرائيل ستطلب مبالغ خيالية تغطي رشوة المستوطنين وتزيد. كاتب فلسطيني، رام الله.