استقبلت الهند أمس الرئيس الباكستاني برويز مشرف بحفاوة مشوبة بحذر واضح، لنظرهم إليه بترقب بسبب جنوحه نحو طرح مفاجآت إعلامية وديبلوماسية أحرجت مضيفيه في السابق. ووصل مشرف إلى نيودلهي ظهر أمس في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، هدفها العلني حضور مباراة ودية للكريكيت بين فريقي البلدين، لكنها تركز على الوصول إلى"خريطة طريق"لحل قضية كشمير المتنازع عليها، والتي ترى باكستان أن مفاوضات السلام في شأنها تسير ببطء. وتشكل الزيارة بحد ذاتها دليلاً على أسلوب المفاجأة الذي يعتمده الرئيس الباكستاني، إذ أنه استغل المباراة المعلن عنها منذ أسابيع وحولها إلى مناسبة لعقد لقاء قمة سياسي مع القيادة الهندية، بهدف تحقيق تقدم في قضية كشمير، في وقت لم يكن مثل هذا اللقاء مطروحاً إلى ما قبل خمسة أسابيع مضت. وبدا ذلك واضحاً في تعليقات الإعلام الهندي. وقالت محطة تلفزيون هندية خاصة إن"الرئيس الباكستاني يظهر مهارة في العلاقات العامة واستغلال ديبلوماسية الكريكيت"، وقارنته بالزعيم الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق الذي وصل بصورة مفاجأة إلى الهند عام 1984 لحضور مباراة في الكريكيت بين البلدين، في وقت كانت القوات الهندية تقوم بمناورات على الحدود الباكستانية رداً على ما وصفته نيودلهي في حينه بدعم باكستاني للمتمردين السيخ الذين كانوا يقاتلون الحكومة الهندية. ويرافق مشرف وفد إعلامي باكستاني كبير على غير عادة. محطة أولى وفور دخوله الأجواء الهندية، لم يتوجه مشرف إلى نيودلهي بل حط في مدينة أجمير القريبة من الحدود الباكستانية حيث مرقد وضريح الإمام الصوفي الأوزبكي الأصل خواجة معين الدين جشتي. والتقى مشرف رجال الدين المسؤولين عن المرقد، ووضع إكليلاً من الزهور عليه قبل التوجه إلى العاصمة الهندية. وبحسب التصريحات الصادرة من المسؤولين الباكستانيين والهنود، يأمل مشرف في أن يصل مع رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ إلى اتفاق حول بداية حل لقضية كشمير، فيما يريد الهنود التركيز على مبادرات بناء الثقة والتعاون الاقتصادي وتأجيل المفاوضات حول كشمير. وكان مشرف ألمح قبل شهر إلى استعداده لحضور مباراة الكريكيت بين البلدين"في حال تلقى دعوة"من نيودلهي. ووافقت الهند على ذلك، لكنها أصرت على أن الزيارة ستكون غير رسمية ولن تشمل مفاوضات حول كشمير. غير أن البلدين اتفقا تدريجاً على أن تتحول الزيارة إلى لقاء قمة سياسي، خصوصاً أن الولاياتالمتحدة تبدي اهتماماً كبيراً بهذه الزيارة. دور أميركي وفي خطوة بدت وكأنها تمهيد لزيارة مشرف إلى الهند، خرج الرئيس الأميركي جورج بوش بتصريح يشجع فيه نيودلهي على التجاوب مع مشرف، قائلاً إن نجاح مشرف في مصلحة الهند مثلما هو في مصلحة الولاياتالمتحدة. وسبقت زيارة مشرف محاولات من جانب الطرفين لفرض وجهتي نظرهما قبيل لقاء القمة. فقبل مغادرته إسلام آباد، دعا مشرف الهند إلى إظهار"سعة الصدر"لحل النزاعات بين البلدين. وقال إن مبادرات بناء الثقة تم تناولها سابقاً بين مسؤولي البلدين وأن لقاء القمة يجب ألا يتناول مثل تلك المسائل الجانبية وأن يركز بدلاً من ذلك على المسألة الرئيسة وهي كشمير. واستبق وزير الخارجية الهندي نتوار سينغ الموقف الباكستاني قائلاً عشية زيارة مشرف إن الهند ترحب بأي أفكار باكستانية حول كشمير"ما عدا إعادة رسم خريطة الهند". وتريد الهند الاحتفاء بمشرف والتوصل إلى حل للنزاعات مع باكستان، لأن هذا النزاع يقف حجر عثرة أمام رغبة نيودلهي لعب دور دولي أكبر كقوة عظمى محتملة. وأهدت بلدية العاصمة الهندية مشرف شهادة الميلاد صادرة عن مستشفى واقع في الجزء القديم من مدينة دلهي التاريخية التي كانت العاصمة القديمة للسلاطين المسلمين الذين حكموا المنطقة. وفيما اجتمع مشرف مع سينغ مساء أمس، كان ثمة لقاء آخر مهم يجرى في الكواليس بين مستشار الأمن القومي الباكستاني طارق عزيز ونظيره الهندي م. ك. ناريانان لوضع اللمسات النهائية على المفاوضات الرسمية بين زعيمي البلدين والتي ستجرى اليوم. وشهد مشرف أمس مباراة الكريكيت الودية بين فريقي البلدين. وفي موازاة ذلك، أعلنت القوات الهندية قتلها ستة من زعماء المتمردين الاسلاميين في تبادل لاطلاق النار في كشمير. وأضاف المصدر أن عضوين بارزين في جماعة حزب المجاهدين قتلا أمس في اشتباك في جنوب سريناغار، وقتل جنود بالرصاص الجمعة أربعة من كبار اعضاء جماعة البدر في معركة منفصلة في غرب المدينة.