في زيارة مفاجئة للعراق أمس، لم يُعلن عنها مسبقاً، حذر وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد القادة العراقيين من اجراء عملية"تطهير"في وزارتي الداخلية والدفاع والاستخبارات، ومن الفساد الحكومي، مشدداً على أن واشنطن سترفض تجاوز الجدول الزمني لوضع الدستور الجديد، واجراء انتخابات بحلول نهاية السنة. والتقى الوزير الرئيس جلال طالباني ورئيس الوزراء المكلف ابراهيم الجعفري الذي قدم له ضمانات بمحاربة الفساد. جاء ذلك بعد ساعات على رفض إدارة الرئيس جورج بوش مبادرة طالباني الخاصة بمنح العراقيين"المتورطين بالإرهاب"عفواً عاماً. وكان مندوب الأممالمتحدة في بغداد أشرف قاضي، اعتبر في كلمة أمام مجلس الأمن أن التحدي الأول الذي يواجه العراق هو"ترسيخ وحدته عبر الحوار والمصالحة". وفي الطائرة التي أقلته من واشنطن الى بغداد، صرح رامسفيلد الى الصحافيين، بأن ما يثير قلقه هو"أن ينفذوا العراقيون عملية تطهير، لأنهم لا يملكون الأنظمة التي نملكها في الأجهزة الحكومية. ولا يمكن أحداً أن يفعل ذلك إذا أراد انشاء سلسلة قيادة في أجهزة الأمن العراقية، ودحر تمرد لعين... أي شيء يفعلونه في وزارتي الداخلية والدفاع يجب أن يأخذ في الاعتبار أن عراقيين يقتلون، وان لديهم المسؤولين العراقيين سبباً لما يفعلونه". وحذر الوزير من أن عمليات التطهير السياسية والمحاباة قد تؤدي الى"غياب الثقة أو الفساد في الحكومة"العراقية. وشدد على أن الولاياتالمتحدة تعارض أي تحرك لتأجيل العملية السياسية، خصوصاً وضع دستور جديد بحلول منتصف أب اغسطس واجراء الانتخابات العامة في كانون الأول ديسمبر المقبل. ونبه الى أن"وجود قوات أمن أميركية لن يستمر الى الأبد"في العراق. وكرر رامسفيلد، الذي يحمل رسالة واضحة من إدارة الرئيس جورج بوش، أن قرارات مهمة مثل التعيينات في الوزارات العراقية، يجب أن تكون لمصلحة البلد، وألا تكون اساسها الولاءات الحزبية أو تُمنح كمكافأة. وتابع:"من المهم أن تحرص الحكومة الجديدة على كفاءة المسؤولين في الوزارات، وأن يتجنبوا الاضطرابات التي لا مبرر لها. لدينا فرصة لمواصلة التقدم سياسياً واقتصادياً، وأي شيء يؤخر ذلك أو يفسده بسبب الفتنة أو غياب الثقة أو الفساد الحكومي، سيكون مبرراً للأسف". وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أميركي عن مخاوف من تنفيذ الشيعة الذين فازوا في الانتخابات التشريعية، حملة تطهير داخل أجهزة الأمن والوزارات العراقية. وفور وصوله الى مطار بغداد، توجه رامسفيلد الى مقر الفرقة الثالثة لمشاة الجيش الأميركي التي تتمركز في العاصمة العراقية، ووزع على افرادها أوسمة. وكان الجعفري صرح في السابع من نيسان ابريل بأن تشكيل الحكومة التي يفترض أن تتولى لائحة"الائتلاف العراقي الموحد"الشيعية حقيبة الداخلية فيها، قد يستغرق أسبوعين. ودعا أعضاء في اللائحة الى"تطهير"قوات الأمن، خصوصاً في وزارتي الداخلية والاستخبارات، معتبرين أن الوزارتين يسيطر عليهما أعضاء سابقون في حزب"البعث"وظفهم رئيس الحكومة الموقتة اياد علاوي. ويخشى المسؤولون الأميركيون من أن تشكل عمليات"تطهير"في الداخلية والجيش ضربة قاسية لأجهزة الأمن العراقية التي ما زالت في مرحلة التأسيس. وترى واشنطن أن التقدم في تأسيسها يمكن أن يسمح بتقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق، بدءاً من العام المقبل. كيسي وكان الوزير رامسفيلد بدأ محادثاته في بغداد بلقاء مع الجنرال جورج كيسي، قائد القوات الاميركية في العراق واللفتنانت جنرال جون فاينز قائد القوات المتعددة الجنسية. وذكر كيسي ان قدرة قوات الامن العراقية تتحسن ولكن"لا يزال امامها مشوار طويل"قبل ان تتسلم المسؤولية كاملة. ورأى ان"العملية السياسية يجب ان تمضي قدماً وقوات الامن اصبحت اكثر جرأة في التحرك"بعد الانتخابات التي اجريت في كانون الثاني يناير. والتقى رامسفيلد في وقت لاحق الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس الوزراء المكلف زعيم"حزب الدعوة الاسلامية"ابراهيم الجعفري الذي تعهد بعد الاجتماع، محاربة الفساد مشيراً الى انه لا ينفي"وجود تحديات". واعرب عن ثقته بتشكيل"وزارات جيدة جداً، يعمل فيها خبراء اكفاء من خلفيات مختلفة". واوضح انه اعطى ضمانات بمحاربة الفساد. اقتراح العفو الى ذلك اعلنت الولاياتالمتحدة ليل الاثنين معارضتها الفكرة التي طرحها طالباني للعفو عن المسلحين، والتي تشمل من قتلوا جنوداً اميركيين. ورفض الناطق باسم الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر التعليق تحديداً على اقتراح طالباني الذي اقسم اليمين الدستورية في السابع من نيسان ابريل الجاري. لكنه قال:"في صورة عامة لا نعتبر ان من المناسب منح العفو لاشخاص قتلوا اميركيين، او جنوداً من التحالف او جنوداً عراقيين"وكشف ان مسؤولين اميركيين اتصلوا بالعراقيين للحصول على توضيحات حول اقتراح الرئيس الجديد. في الوقت ذاته اعرب مجلس الامن عن امله بأن تتحمل القوات العراقية"كامل مسؤولية حفظ الامن والاستقرار في العراق"قريباً. وقال رئيس المجلس سفير الصين وانغ غوانغيا ان"اعضاء المجلس يرحبون بالتقدم الحاصل في تجنيد القوات الوطنية العراقية وتدريبها، وينتظر ان تضطلع تدريجاً بدور اكبر كي تتحمل كامل مسؤولية حفظ الامن والاستقرار في العراق". ولفت الى ان المجلس"يرحب بالاحداث السياسية الاخيرة التي حصلت في العراق، ومنها اجتماع الجمعية الوطنية الانتقالية، واختيار المجلس الرئاسي من ثلاثة اشخاص، وتعيين رئيس للوزراء، وينتظر تعيين اعضاء الحكومة في اقرب وقت". واستمع المجلس الى عرض قدمه مندوب الاممالمتحدة لدى العراق اشرف قاضي الذي رحب بما حققه المسؤولون السياسيون في هذا البلد الذين فازوا في انتخابات كانون الثاني يناير مشيداً ب"حكمتهم". وقال امام المجلس:"ارحب بالتطمينات التي اعلنها المسؤولون بأنهم لا يسعون الى اهداف فئوية، او الى فرض وجهات نظر الاكثرية في مواضيع تهم جميع العراقيين كطبيعة الدولة العراقية وشكلها". واعتبر ان التحدي الابرز للعراق بات"ترسيخ وحدته الوطنية عبر الحوار والمصالحة، من خلال الحفاظ على سيادته واستقلاله ووحدة اراضيه". واستدرك:"من مصلحة جميع العراقيين اياً يكن انتماؤهم الديني او القبلي، المشاركة في صوغ وفاق سياسي، وكتابة دستور وطني يوفر لهم فرصة تاريخية للوحدة، ومن خلال تشكيل حكومتهم الجديدة، يثبت العراقيون قدرتهم على التوصل الى تسويات سياسية صعبة، باسم المصلحة الوطنية".