انتشلت مواقع الإنترنت الخاصة بالبلوغرز bloggers الشباب العربي من حروب المنتديات الإلكترونية وثرثرتها، بما توفره من فرصة لنشر سيرهم الذاتية ونتاجاتهم الفنية على اختلاف أنواعها، من دون ان يتكلفوا إنشاء مواقع خاصة بهم على الشبكة الدولية للكومبيوتر. وزاد اعتماد الجيل الجديد على بعض الخدمات التفاعلية المفتوحة التي توفرها الإنترنت على حساب أخرى. وتراجع دور مجموعات الأخبار newsgroups ومجموعات الإنترنت internet groups في مقابل تنامي مكانة القوائم البريدية mailing lists، التي تتيح المشاركة في الصور والأفلام والبرامج، وصفحات البلوغ weblogs أو "سجل الشبكة". ولكل مدخل "بلوغ" التي تترجم احياناً باسم "مدونة" عنوان دائم يمكن مطالعته . وتصبح الصفحات المكتوبة بمثابة تدوينات مؤرشفة في شكل تصاعدي. وتشبه هذه الآلية ذات التقنية البسيطة وسهلة النشر، واجهات البريد الإلكتروني. ولا تتطلب سوى ملء نماذج يمكن تحديثها يومياً. وتوفر خاصية التعليق من القراء، إذا ما رغب صاحب بذلك المدون أو البلوغر. اثر الرقابة الذاتية حسمت الشهور الأخيرة مسألة انتشار المذكرات الالكترونية بين الاجيال الشابة في العالم العربي. فقد أعرب العديد من الشباب عن توجههم الجديد بتأسيس صفحات البلوغ الخاصة بهم بعد ان أعلنوا تمردهم على المنتديات التي استقطبتهم مع بداية علاقتهم بالشبكة. "والقليل المفيد منها" كما يقول احد البلوغرز في سورية، مختف في أعماق قلاع محصنة تحميها اشتراكات وكلمات سر وتسكنها غيلان القص واللصق وأشباح قرصنة البرامج والآداب ووحوش التوقيعات الملونة ذات الصور المتحركة". ولم تفته الأشارة الى سيطرة مديري نظم المنتديات من خلال رؤيتهم الشخصية للرقابة. وعزا الشباب إقبالهم على النشر، بهدف التواصل مع الآخرين، عبر المدونة الالكترونية، الى حلول الرقابة الذاتية مكان مقص الرقيب، في الهيمنة على الفكر والرأي، سواء في وسائل الإعلام التقليدية او في المنتديات الإلكترونية. وتطور أسلوب تحرير المدونين باستخدامهم تقنيات جديدة في الكتابة راحت تقترب من صيغة وقوالب التعليقات والتقارير الإذاعية منها الى الصحافية وتبتعد تدريجاً عن المذكرات اليومية والسيرة الذاتية التي أغرتهم في بداية تعاملهم مع المدونات. والأرجح أنهم أكثر تعليماً وثقافة من مرتادي المنتديات الذين يجهلون ضوابط النشر وتستهويهم أحاديث العامة وتفاصيل غير ذات أهمية للقارئ. وللمدونين ذائقة فنية وحس بالمسؤولية يجنبهم الإسفاف في حواراتهم وردودهم عما ينشر في صفحاتهم. والأهم من ذلك، بات المدونون أكثر احتراماً للملكية الفكرية بحيث يشار الى صاحب النص المنشور ووسيلة النشر بعكس ما درجت عليه المنتديات التي لا تراعي حرمة ولا ذمة في مجال حقوق النشر، وهي إشكالية متعلقة أساساً بالإنترنت الذي يهدر حقوق الملكية الفكرية. ولعل ذيوع اسم المواقع التي توفر خدمات استضافة مجانية للمدونات هو السبب وراء انتشار هذه الظاهرة، إضافة الى انتشار الأدلة المختصة في نشر أسماء المدونات مثل blogarama وblogwise وكلاهما يضم نحو 28 ألف بلوغ ضمن قوائمه. ويسعى المدونون العرب الى إنشاء أدلة خاصة بهم مكتفين حالياً بوضع روابط لزملائهم في الصفحة الرئيسية لمدونتهم. وفي الإمكان تطوير الفكرة عند الإلمام بلغات برمجة مثل php و html بدل اللجوء الى الخيار الأسهل الذي تقدمه مواقع الاستضافة بإنشاء مدونة في شكل آلي من دون معرفة أي لغة للنشر أو التصميم. وبينما تعتمد لغة الحوار والتخاطب في المنتديات على رموز واصطلاحات خاصة بها، يفضل معظم المدونين استخدام نقاط التوصيل hyper links التي تنقل القارئ الى مواقع إنترنت لها علاقة بالموضوع أو الى معلومات إضافية توضيحية تستهدف زيادة حدة التفاعل مع الموضوع محل الطرح أو النقاش، وهي الطريقة الأجدى في التعامل مع مفردات العالم الافتراضي. صراع الهويات المحلية وانتقد بعضهم الطابع المحلي المميز لمضامين المدونات وطالبوا بمحتوى عربي أو عالمي يعبر عن الهموم المشتركة التي فرضتها العولمة، ودافع آخرون عن خصوصيات كل منطقة أو إقليم معتبرين المدونة موقعاً شخصياً ومستقلاً وان الهدف من التدوين تعريف الآخرين بالهوية والثقافة المحليتين. وبرز تيار يطالب بإنشاء تجمعات تضم أصحاب الأفكار والطروحات المتشابهة وتأسيس أندية خاصة بهم، وكذلك الاتفاق على طرح قضايا معينة بهدف مناقشتها وتبادل الآراء بين المدونين حولها، ما يعني عودة الى طريقة المعالجة السائدة في المنتديات والى الآلية والنهج الذي حكم أسلوب التعاطي بين زوارها الذين هربوا الى المدونات! ونجح البلوغرز الكويتيون في لم شملهم تحت موقع kuwait bloggers meetup لفتح باب الحوار والنقاش حول قضايا خاصة بهم. وعلى غرار المنتديات قسمت المدونات الى أقسام عدة مثل قسم للنكات وآخر لرسائل القراء وللرحلات والتجارب الشخصية والمتفرقات مع اختلاف في طريقة العرض. وتشابهت طريقة اختيار الأسماء في المنتديات والمدونات، وتدخل اللغة العامية في تراكيب الأخيرة وتفتقر إليها في المواضيع المنشورة بعكس الأولى. وتبقى الأمية المعلوماتية وهاجس الهوة الرقمية الجاثم على صدور الشباب العربي مصدر قلق لمعظمهم لجهة الافادة من تطبيقات الإنترنت، ومنها المدونات، في تطوير مداركهم ومعارفهم وزيادة تفاعلهم مع العالم الخارجي. ويظل عزاء المدونين أنهم في طليعة من اهتم بخلفية التغطية الرسمية للأخبار والأحداث، ما زاد قدرتهم على التنبؤ وليتفوقوا بذلك على وسائل الإعلام التقليدية.