تحار معظم القوى السياسية اللبنانية على اختلافها في ايجاد تبرير او تفسير للطريقة التي يعتمدها أركان الدولة حيال تشكيل الحكومة الجديدة، حيث انهم أخذوا يتصرفون وكأن البلد بألف خير متناسين حجم الكارثة التي حلت في البلد جراء جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي ترتبت عليها تداعيات أمنية وسياسية ما زالت تتفاعل على الصعيدين المحلي والخارجي ولا يأبهون للأزمة المعيشية والاقتصادية مع بدء العد العكسي لموعد الاستحقاقات المالية الذي يفرض على الخزينة توفير التغطية النقدية لها، سواء تلك المتعلقة بتسديد الديون المتوجبة عليها، أو الفوائد المستحقة جراء خدمة الدين العام. وتعتبر هذه القوى انه لم يعد في وسع أركان الدولة ان يديروا ظهورهم لكل هذه الاستحقاقات وان يتصرفوا ببرودة اعصاب وكأن الوقت يمر لمصلحتهم، وان في مقدورهم بعد كل الذي حصل المجيء بحكومة جديدة أقل ما يقال فيها إنها محاولة ناجحة لاستنساخ سالفتها مع تغيير بسيط يبقى في الشكل ويتعلق في اخضاعها الى عملية تجميل انتهت الى استبدال عدد قليل من الوجوه القديمة بوجوه جديدة لن تقدم أو تؤخر في استرضاء الرأي العام الذي لا يأبه للأسماء الواردة في التشكيلة. وتتساءل عن الأسباب التي حالت دون اعادة الاعتبار الى الحكومة المستقيلة من خلال اقناع رئيس الجمهورية اميل لحود بسحب كتاب الاستقالة الذي تقدم به الرئيس عمر كرامي والعودة ثانية الى المجلس النيابي لأخذ موافقته على تعويمها. وكشفت بأن تعويم الحكومة المستقيلة كان طرح على بساط البحث في لقاء الموالاة في عين التينة، لكن غالبية الاعضاء فيه قرروا صرف النظر عن هذه الرغبة وارتأوا مواصلة الطريق من أجل تأليف وزارة جديدة. واذ تجهل هذه القوى الاسباب التي حالت دون توليد الحكومة المستقيلة من جديد، رأت في المقابل ان الصيغة المطروحة للحكومة الجديدة "تتميز" باستبعاد بعض الوزراء وكأنهم هم السبب الأساس الذي يكمن في عدم نجاحها على رغم انها كانت مؤلفة من فريق سياسي واحد ومن لون يفترض ان يحقق الانسجام كحد أدنى بين اعضائها. ولفتت الى ان نظام المحاصصة ما زال قائماً وان توزيع الحقائب الوزارية يخضع لهذا الاعتبار دون سواه، مشيرة ايضاً الى ان الوزراء من الطاقم القديم العائد الى الحكومة العتيدة يصرون على التصرف وكأنها قادرة على توفير الحلول لكل المشكلات المطروحة. وفي هذا السياق سألت عن الجدوى من المجيء بحكومة فضفاضة من ثلاثين وزيراً على رغم ان عمرها لن يكون مديداً وسيقتصر على التحضير لإجراء الانتخابات النيابية بعد حسم الخلاف الدائر حول قانون الانتخاب، وقالت لا نعرف لماذا لم يتبع في تشكيل هذه الحكومة التقليد الذي كان قائماً في السابق لجهة تأليف وزارة حيادية تتولى الاشراف على الانتخابات، خصوصاً ان احداً من اللبنانيين لا يصدق أنه ستكون على جدول اعمالها مهمات سياسية واقتصادية اخرى. واعتبرت هذه القوى ان الابقاء على نظام المحاصصة كمعيار وحيد لتأليف الحكومة كان الدافع الى استحضار حكومة جديدة ستكون بمثابة نسخة طبق الاصل عن السابقة، وكأن نظام التمديد في ضوء تطويل عمر المجلس النيابي كأمر واقع، أصبح هو السائد بعد التمديد لرئيس الجمهورية اميل لحود. وحذرت من الانعكاس السلبي للحكومة العتيدة على مجريات الحياة السياسية في لبنان من جهة وعلى الوضعين الاقتصادي والمعيشي من جهة ثانية، ليس لأنها ستنال ثقة نيابية هزيلة فحسب بصرف النظر عن رد فعل المعارضة التي لن تشهر السلاح ضدها لاعتقادها بأن لا مصلحة لها في اسقاطها طالما انها تتوخى منها السعي الحقيقي من اجل اجراء الانتخابات، وانما للموقف الشعبي منها، حيث ان الرأي العام سيشعر سلفاً بأنه غير معني بتأليفها وانه سيصطدم بها عاجلاً أو آجلاً، وذلك لافتقارها الى الشروط التي تسمح لها في احداث صدمة ايجابية. ورداً على سؤال أوضحت أنه لا يكفي ان يقول الرئيس كرامي منذ الآن إن المجلس النيابي هو سيد نفسه، في اشارة مباشرة الى رمي المسؤولية عليه في إقرار قانون الانتخاب وفي تحديد موعد الانتخابات، مشيرة الى المسؤولية التي تقع مباشرة على عاتق الحكومة التي ستبادر فور تأليفها الى استرداد مشروع القانون الحالي الذي يجعل من القضاء دائرة انتخابية واستبداله بقانون آخر يرمي الى اعتماد المحافظة مع النسبية وإحالته الى الهيئة العامة في المجلس النيابي. وأكدت ان المجتمع الدولي لن يأخذ في الاعتبار قيام الحكومة بتحميل المجلس النيابي مسؤولية التأخير في اجراء الانتخابات أو العكس. وقالت انه يبدي حالياً مرونة مع احتمال تأجيلها لشهر وشهرين بذريعة التحضير اللوجستي والتقني لها، لكن هذه المرونة مشروطة بإتمام هذا الاستحقاق في مهلة اقصاها تموز يوليو المقبل. واعتبرت هذه القوى ان تأجيل الانتخابات الى الخريف المقبل قد يستدعي مبادرة المجتمع الدولي الى ممارسة ضغط على لبنان ومن خلاله على سورية بذريعة ان الحكومة الجديدة ? القديمة حليفة لها، وان الأكثرية النيابية تتصرف هكذا وبالتالي فإن أي تأخير قد يدفع بالمجتمع الدولي الى البحث عن وسائل جديدة للضغط على لبنان لن يكون أقلها النظر في إمكان عزله دولياً إن لم يكن يفكر في الضغط على "حزب الله" عبر اعادة ادراج سلاح المقاومة كأولوية ستطرح على بساط النقاش الدولي والمحلي. ورأت ايضاً أن الضغط على لبنان قد يتجاوز مسألة "حزب الله"، الى الوضع الاقتصادي، خصوصاً أن تأجيل الانتخابات الى الخريف المقبل قد يؤدي الى الابقاء على الأزمة الداخلية مفتوحة، مما يعرضها الى اهتزازات أمنية وسياسية، اضافة الى ان حكومة "اللون الواحد" لن تكون قادرة على طمأنة رجال الاعمال وجلب الاستثمارات الى البلد. وحذرت القوى من خطورة الوضع الناجم عن الجمود الاقتصادي في موازاة جمود من نوع آخر، يتعلق بتأجيل الانتخابات. وقالت ان استمرارها سيدخل البلد في نفق مظلم، لا سيما ان المعارضة ستجد نفسها انها في مأزق أسوة بالمأزق الذي تمر فيه الموالاة في الوقت الراهن. وإذ أكدت ان لا معنى للتغيير الوزاري، أبدت في المقابل ارتياحها لمواقف رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط من مسألة سلاح المقاومة، وقالت ان قضية السلاح ليست مطروحة في الوقت الراهن بخلاف ما يدعيه البعض على هذا الصعيد. وأضافت ان الضغط الدولي قد مورس على سورية من أجل الاسراع في تنفيذ انسحابها العسكري الكامل من لبنان وان الرسالة حملها في هذا الخصوص المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن، بخلاف سلاح المقاومة الذي أدرجه في اطار بند لبناني يخضع للنقاش الداخلي بين الأطراف المعنية. وأشارت هذه القوى الى عدم وجود أفق سياسي للجوء البعض في المعارضة الى التركيز على سلاح "حزب الله"، خصوصاً في ظل التريث الدولي والنصائح الخارجية التي أسديت للجميع بعدم فتح هذا الملف، وقالت ان موقف لارسن منه يعبّر عن الرغبة الدولية على رغم الضغوط التي كانت مورست في السابق وتزامنت مع جدولة الانسحاب العسكري السوري الشامل من لبنان وأدت بطريقة او بأخرى الى تجميد مفاعيل هذا السلاح بصورة موقتة، وهذا ما يفسر الهدوء المسيطر على جبهة مزارع شبعا المحتلة في ضوء قرار الحزب بضرورة التكيف، وعدم وجود استعداد لديه وحتى اشعار آخر بعدم الانجرار الى التصعيد العسكري لئلا يؤلب عليه الوضعين الداخلي والدولي. وفي الختام، هناك من يعتقد بأنه لا بد من ان يكون لأية حكومة جديدة برنامج عمل، أو أهداف تسعى الى تحقيقها، معتبراً ان لا جدول اعمال للحكومة العتيدة سوى اجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن وان أي روزنامة سياسية اخرى قد تدفع بالمعارضة الى البحث عن خطة لمواجهة سياسة الهروب الى الأمام.