شهدت الأيام الماضية سلسلة من الاحتجاجات المحلية و"العالمية"، ضمت بضع مئات من الأشخاص، ضد التقرير الذي وضعته السيدة ماريون بويد التي كانت تشغل منصب المدعي العام في حكومة أونتاريو الكندية السابقة عن الحزب الديموقراطي الجديد. وتضمن هذا التقرير، الذي صدر في كانون الأول ديسمبر 2004، توصية بالسماح باعتماد الشريعة الإسلامية لِحَلّ الخلافات التي قد تنشب داخل العائلات المسلمة المقيمة في تلك المقاطعة طلاق، إرث، حضانة الأطفال، وغيرها، وذلك وفقاً لقانون صدر سنة 1991 وأفادت منه حتى الآن الجماعات الكاثوليكية واليهودية. وفور صدور هذا التقرير المتوازن والموضوعي وهذه الملاحظة موجهة لمن لم يقرأ هذا التقرير وتوصياته ال 46 كما يجب، وهم كثر، انطلقت حملة شرسة تندد بما جاء فيه وتحذر من"التطرف"الإسلامي ومن الشريعة الإسلامية"المتحجِّرة"التي تهدد، كما نسمع، حقوق المرأة المسلمة! ويقود هذه الحملة ما يُسمّى بالمجلس الكندي للنساء المسلمات والكونغرس المسلم - الكندي يجب تمييزه عن الكونغرس الإسلامي - الكندي الذي يترأسه السيد محمد المصري، متسلحين بخطاب ناري وعنصري ولكن بالمقلوب! حافل بالكلام الموتور والاتهامات الباطلة. وإذا لم يفاجأ المراقب بما تقوم به هاتان المنظمتان كوننا اعتدنا على تصرفات كهذا تأتي على أيدي من يدعون أنهم مسلمون"تقدّميون"وتقدّميَّتُهم هذه تحثهم مثلاً على تأييد الزواج بين الشاذين والذي يُسمّى بالزواج المثلي لتلطيفه!، فهو لن يندهش أيضاً من المقالات التي تُنشر في الصحف الفرنكوفونية المحلية، والتي تتأثر بما يكتب في الجرائد الفرنسية من تحليلات مبنية على الاستشراق الجديد وتوجهاته المعروفة. ولكن ما يؤسف له هو غياب ومن الممكن القول تغييب القيادات الإسلامية وانكفاؤها عن تفنيد المزاعم المضللة التي تعمم في أوساط الرأي العام، إما عن جهل فاضح أحياناً، أو عن تجهيل متعمد أحياناً كثيرة. مع الإشارة إلى أن بعض الشخصيات الإسلامية ما زالت تلجأ إلى أسلوب تبريري - دفاعي عندما يجرى الحديث عن الإسلام وأحكامه وعن المسلمين وأحوالهم سئمنا منه منذ زمن طويل. السؤال الذي يمكن أن يطرح هو الآتي: لماذا يعتمد معارضو تقرير السيدة بويد أسلوبهم الأرعن هذا وما هو هدفهم الحقيقي؟ الإجابة هذا السؤال ذات وجهين. أولاً، هناك من يعتبر أن الصراع ضد"الأصولية"الإسلامية الذي بدأ بُعَيد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الشيوعية، يجب أن ينطلق من داخل الدول الغربية التي ما برحت تستقطب أعداداً كبيرة من المسلمين من أجل خلق إسلام أميركي - فرنسي... إلخ. وقد انخرط عدد من هؤلاء في هذا المشروع، إما لتحقيق مكاسب شخصية والأمثلة لا تعدُّ ولا تحصى بين"الليبيراليين"العرب، أو بسبب ظروف صعبة ومأسوية عايشوها في أوطانهم الأصلية ينسبونها إلى الشريعة الإسلامية بدل ردّها إلى التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أوجدتها الأنظمة الديكتاتورية المباركة من الحكومات الغربية. ثانياً، هناك من ينظر بعين الريبة إلى محاولات المسلمين في الغرب تأطير أنفسهم من خلال مؤسسات وجمعيات بعيداً من نفوذ أو تأثير الأجهزة الاستخباراتية والأمنية المحلية وحتى"الإسلامية"، والعربية منها خصوصاً! ولهذا السبب نسمع ونقرأ كل هذا الكلام المُغرِض عن التطرف الإسلامي والسعي الى أسلمة كندا والغرب من أجل طمس أي حوار بنّاء وتحوير الموضوع الذي يبقى محصوراً في شكل أساس في مقاطعة أونتاريو. ومن جهتها، قررت حكومة أونتاريو وضع"تقرير بويد"على الرف ريثما تجد مخرجاً لائقاً"لمأزقها"الحالي. وعلى هذا الصعيد، فهي تجد نفسها أمام ثلاثة حلول: 1 - وضع التقرير المذكور أعلاه قيد التطبيق. 2 - عدم السماح باعتماد أحكام الشريعة الإسلامية في إطار قانون 1991. وهذا الإجراء يعرضها لملاحقات قضائية بتهمة التمييز استناداً إلى شرعة الحقوق والحريات الكندية. 3 - إلغاء قانون 1991 بالكامل، ما قد يولد مشكلات سياسية مع اليهود والكاثوليك إضافة إلى المسلمين في أونتاريو. ما يجب قوله هو أن النقاش حول هذا الموضوع المهم والحسّاس في آن يجب أن يكون أقل ايديولوجية، وأقل غوغائية، وأن يبتعد عن"الأفكار"الاستشراقية الجاهزة والمستوردة من القارة الأوروبية. أما إذا كان من حق بعض المسلمين الكنديين رفض الاحتكام إلى الشريعة وتفضيل الأحكام المدنية المعمول بها، فإنه بالتأكيد ليس من حقهم العمل على منع المسلمين الآخرين من تطبيق تعاليم إسلامهم أيضاً ضمن القوانين السارية المفعول. كندا - نمر رمضان