الفرح الذي يغمر الأقطار في مشارق الأرض ومغاربها بانتهاء عام وحلول عام جديد لا يبدو أن له موجوداً في باكستان التي أصيبت في الربع الأخير من هذا العام بأكبر نكباتها الطبيعية حين وقع زلزال الثامن من تشرين الأول اكتوبر الماضي والذي بلغت قوته 7.6 درجة على مقياس ريختر ذي الاثتني عشرة نقطة. وعلى رغم وقوع الكثير من الأحداث في باكستان خلال العام الذي شارفت شمسه على الغروب، فإن حادثة الزلزال وما ألم بالبلاد جراءها تعتبر الأكبر من بين الحوادث التي يمكن القاصي والداني أن يضعها في معالم العام بالنسبة الى دولة مثل باكستان. فالأحداث السياسية التي مرت بها البلاد ومطالبة أحزاب المعارضة الرئيس مشرف بالاستقالة من منصبه العسكري أو استمرار الحملة العسكرية الباكستانية في مناطق القبائل أو الفوضى والعمليات المسلحة التي شهدها إقليم بلوشستان ضد الجيش والمنشآت الحكومية في الإقليم ومحاولة بعض الجهات العمل على دعم التيارات الانفصالية فيه، مرت كلها وخبا سعيرها وانطفأ أوارها مع حدوث الزلزال المدمر في مناطق كشمير وإقليم الحدود، هذا الزلزال الذي راح ضحيته بحسب المصادر الرسمية أكثر من ثلاثة وسبعين ألفاً من البشر وتسبب في تهجير أكثر من ثلاثة ملايين مواطن من مساكنهم في كشمير وإقليم سرحد، ونتج منه دمار هائل في الكثير من المدن والقرى في المناطق المنكوبة. الحكومة الباكستانية التي لم تعتد على كارثة طبيعية بحجم الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد فوجئت بما وقع صبيحة الثامن من تشرين الأول، والجيش الذي كانت تعول الحكومة عليه في القيام بالكثير من المهمات والخدمات للمدنيين بخاصة في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهندوباكستان، أصيب كما أصيب غيره من سكان الإقليم وبدا عليه الارتباك لحجم الكارثة، مما أدى إلى تأخر عمليات الإغاثة، وهو ما نجم عنه انتقادات حادة ضد الجيش وقيادته والحكومة سواء من جانب المعارضة الباكستانية أو حتى وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. زلزال باكستان المدمر كشف عن كثير من الخلل في الاجهزة الرسمية الباكستانية وأدى إلى تساؤلات لدى الكثير من الباكستانيين حول قدرة الدولة وأجهزتها على مواجهة كوارث مثل الزلازل أو حتى حرب شاملة مع الجارة العدو الهند! فالدولة لم تدرك أولاً حجم الكارثة الكلي، ولا حجم الخسائر البشرية ولا الدمار في كل المناطق، كما أن أجهزتها افتقرت إلى الكثير من التنسيق في ما بينها، بينما عجزت مواردها عن الوفاء بمتطلبات ومستحقات الدعم للمتضررين. فالبنية التحتية للمناطق المنكوبة دمرت بالكامل في بعض المناطق ولم يقتصر الدمار على المنازل وإنما هدمت ودمرت طرق ومستشفيات ومراكز صحية ومدارس كان يقدر لها أن تؤوي عشرات الآلاف من الفارين من الزلزال ومناطق الدمار. وقد عجز الجيش الباكستاني وأجهزة الدولة المدنية عن إرسال الجرافات في الوقت المناسب لإزالة ركام البنايات المدمرة، أو لفتح الطرق في المناطق الجبلية والتي أغلقت بسبب الانهيارات الارضية، كما أن المروحيات التي كانت في حوزة الجيش الباكستاني والتي أمكنه استخدامها في عمليات الإغاثة، لم تف بالغرض في عمل الإغاثة. إضافة إلى سوء التنسيق بين الأجهزة العاملة في مجال الإغاثة. وهو ما فتح المجال واسعاً للمنظمات الإغاثية الإسلامية المحلية والعالمية ولكثير من الدول لتقديم العون والمساعدة. المساعدات المقدمة من الحكومة لم تكن على قدر الحاجة المطلوبة وحاجة الناس للمساعدة أجبرتهم على قبول المساعدات من جهات محظورة في باكستان وهي جماعات دينية اتهمت بالتطرف والخروج على النظام. وأجبر نشاط هذه المنظمات مثل"جماعة الدعوة"وغيرها من الجماعات المحظورة في باكستان، والرئيس برويز مشرف على التراجع عن موقفه السابق بعدم السماح لهذه الجهات بالعمل، ومن ثم الإشادة بعملها وما قدمته من خدمات"لكن عليها ألا تحاول الولوج من باب الإغاثة للعمل السياسي في باكستان"كما قال مشرف. الحاجة الملحة لمساعدة المنكوبين من الزلزال اضطرت الحكومة الباكستانيةوالأممالمتحدة لإطلاق النداء تلو النداء للمجتمع الدولي لتقديم العون المادي لباكستان. لكن حجم العون المادي المتدفق لمنكوبي الزلزال كان أقل مما توقعته الحكومة الباكستانيةوالأممالمتحدة في هذا الشأن. ورداً على نداء الأممالمتحدة لتقديم مبلغ 575 مليون دولار للإغاثة العاجلة، لم تتلق المنظمة الدولية أكثر من عشرين مليون دولار من مختلف الدول، وهو ما زاد من حنق الرئيس مشرف والمجتمع الباكستاني. غير أن الدعم المقدم من الدول الإسلامية فاق ما كانت تتوقعه الحكومة الباكستانية، فقد كان مجمل الدعم الإسلامي، وبحسب إحصاءات الحكومة الباكستانية نفسها، أكثر من 78 في المئة من مجمل الدعم الخارجي. وأعلنت المملكة العربية السعودية تقديم مبلغ خمسمئة مليون ريال سعودي وإقامة جسر جوي للإغاثة، كما أقامت الإمارات العربية المتحدة أكبر جسر جوي للإغاثة مع باكستان وأرسلت مستشفى ميدانياً كان الأحدث والأكثر خدمة بين ما قدم لباكستان، بينما تبرعت تركيا وإيران والكويت وقطر والأردن وغيرها من الدول الإسلامية بما فاق مجموع ما تبرعت به كل من الولاياتالمتحدة وكندا ودول الاتحاد الاوروبي والصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وهي الدول ذات الشهرة العالمية في تقديم العون في المآسي الإنسانية. وتكمن المفارقة في ما صدر عن الرئيس مشرف من تصريحات متكررة أشاد فيها بالدعم الأميركي لبلاده في محنة الزلزال:" لولا الدعم الاميركي لما تمكنت البلاد من تجاوز محنة الزلزال مطلقاً! وان طائرات الشينوك الأميركية المروحية العملاقة كان لها الدور الأساس في نقل المصابين أو تقديم العون للمتضررين في المناطق الجبلية". وفي مقابل هذا الإطراء للأميركيين، فإنه انتقد الدول العربية والإسلامية بقوله:"هم يعلمون كم قدموا لإعصار كاترينا وتسونامي ويعلمون ما قدموه لنا، فينبغي عليهم تقديم دعم أكبر لباكستان، لدي الأرقام كلها ولا أريد أن أفصح أكثر من هذا". وكان هذا سبباً في تغيب بعض الوفود الإسلامية عن غداء العمل الذي أقامه مشرف يوم التاسع عشر من تشرين الثاني نوفمبر لوفود الدول المشاركة في مؤتمر الدول المانحة للمساعدات لمتضرري زلزال باكستان. مؤتمر إعادة الإعمار الى مناطق الزلزال أرادت منه حكومة الرئيس مشرف الحصول على أموال سائلة ونقداً من الدول المانحة وأن تفوض هذه الدول الحكومة الباكستانية تنفيذ المشاريع وإعادة الإعمار، وهو ما رفضته الدول المانحة وكذلك المؤسسات المالية الدولية التي أعلن بعضها أنه يرغب في أن يقيم المشاريع بنفسه حتى لو كانت الحكومة الباكستانية هي التي تحدد مواصفات المشروع المنوي إقامته، بينما كان رأي البعض الآخر هو إشراف الأممالمتحدة على هذه المشاريع وتنفيذها. لكن المؤتمر الذي كانت تعول الحكومة الباكستانية على أن يمنحها مساعدات بمبلغ يصل إلى أكثر من خمسة بلايين دولار كان فرصة لتثبيت الجنرال مشرف في الحكم ومناسبة لتقوية علاقاته بالأميركيين. فمساعدة وزيرة الخارجية الأميركية كريستينا روكا مكثت في إسلام آباد أربعة أيام قبل المؤتمر وهي تحاور وتقنع الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية بضرورة تقديم قروض ومساعدات لحكومة الجنرال مشرف الحليف الأساس في المنطقة لواشنطن في حربها ضد ما تسميه بالإرهاب، محذرة من أن"عدم تقديم الدعم اللازم له في هذا الظرف سيقوي من شوكة الأصوليين والمتطرفين في المؤسسة العسكرية والشارع الباكستاني وهو ما ينبغي تجنبه"، فخرج المؤتمر بعد جلستين مطولتين بما لا يزيد على وعود بتقديم ستة مليارات من الدولارات كان معظمها على شكل قروض ميسرة وأقل من الثلث منها مساعدات من الدول الإسلامية والغربية. وجاءت النتائج لحفظ ماء الوجه والى القول للشارع الباكستاني إن التحالف مع الولاياتالمتحدة هو سبب هذا الدعم السخي لمتضرري الزلزال في باكستان! وهو ما يصب في مصلحة بقاء الرئيس مشرف في السلطة، علماً أن الوعود بالمساعدات سترهق كاهل الخزينة الباكستانية والمواطنين من خلال عملية إعادة دفعها في وقت لاحق بعد أن تتراكم الفوائد عليها!