أكدت الدراسات العلمية، في مجال فيزياء الجيولوجيا، في العقدين الماضيين إن ظاهرتي القصف المكثف التدميرية والتجارب النووية تحت الأرض، تعتبران من مُحرّضات الزلازل. ويقصد بذلك ان ما ينجم عن تلك الانفجارات الكبيرة من موجات طاقة هائلة، يؤثر في الطبقات الصخرية للقشرة الارضية، ويخل بالتوازن بينها، مما يُشكّل عنصراً مساعداً في ظاهرة نشوء الزلازل وانطلاقها. مخاطر القنابل الارتجاجية وپ"زلازلها" بذا، يمكن النظر الى حملة القصف الجوي الأميركية، اثناء حربي العراق وافغانستان، بقنابل ذات قدرات تدميرية اختراقية للقشرة الأرضية من نوع "ديزي كاتر"daisy cutter من حجم 15 ألف طن وكذلك الحال بالنسبة الى القنابل الارتجاجية، باعتبارها مصادر لموجات متتالية من الطاقة عملت على خلخلة التوازن بين المكوّنات المختلفة لقشرة الارض. والأرجح انها لعبت دوراً مهماً في إطلاق هزات زلزالية أرضية، خصوصاً انها اصابت مناطق ذات نشاط زلزالي معروف. فثمة منطقة نشطة، بهذا المعنى، تمتد من جنوب شرقي الأناضول مروراً بإيرانوأفغانستان إلى شبه القارة الهندية وتخوم الصين. ولمزيد من التفصيل، تُعطي القنبلة الارتجاجية عند انفجارها مفعولاً زلزالياً يزيد على مفعول قنبلة مماثلة شديدة الانفجار مئات المرات. وعلى سبيل المثال، يُقدر ان القدرة التدميرية لقنبلة ارتجاجية بوزن 900 كيلوغرام تزيد على قوة قنبلة تقليدية من وزن عشرة أطنان. ويجب التنبيه الى ان الزلازل ظاهرة طبيعية اساساً. وفي المقابل، بات الرأي العلمي ميّالاً للقول إن هنالك علاقة مباشرة بين القصف الجوي الأميركي المكثف في أفغانستانوالعراق وازدياد عدد الهزات الأرضية وحدتها في أواسط آسيا خلال السنوات الثلاث الماضية. والمعلوم ان تلك الاهتزازات فاقت ما سجل خلال ربع القرن الماضي. فالقنابل ذات القدرات التدميرية الاختراقية لأعماق الأرض تطلق هزات أرضية أفقية تؤدي إلى بدء سلسلة من الزلازل المحلية والبعيدة المدى. واذ تمتص القشرة الأرضية الضربات الجوية، فانها تتخلص معها بصورة زلازل إن عاجلاً أو آجلاً. وعلى رغم ذلك، لا يمكن التنبؤ بموقع الزلازل وتوقيتها نتيجة القصف، لكن يمكن القول انها ستحدث في مكان ما قريب في المستقبل. لقد أدى القصف الجوي الأميركي المكثف والمستمر إلى حدوث فجوات أرضية بعمق يزيد على عشرة أمتار. وأرسلت انفجارات القصف اهتزازات أفقية. والارجح انها ساهمت في اطلاق تفاعلات في أعماق الأرض، ربما تقود الى سلسلة من الزلازل المحلية والبعيدة، وعبر مناطق مختلفة في الخريطة الزلزالية الآسيوية. وفي الخلفية العلمية لظاهرة الزلازل، يجدر التذكير بأن الطاقة التي تُحرّك الزلازل تخرج على شكل موجات كبرى. وتُهز القشرة الارضية عبر خطين. يسير الخط الاول من الموجات بصورة افقية. وترتفع معه القشرة الأرضية صعوداً وهبوطاً. وتُعتبر الموجات الافقية قليلة الضرر. ولا تتسبب بالكثير من الخراب. وتسير الموجة الثانية بصورة عمودية. وتُحدث نوعاً من"الليّ"للقشرة الارضية. وتترافق مع الموجات العمودية عملية خلخلة للقشرة الارضية. وتُحدث خراباً كبيراً. لذا، تُقاس أهمية الزلازل على مقياس ريختر بالطاقة التي يطلقها في نقطة حدوثه. وفي المقابل، تتعلق شدة الزلازل بالقدرة التدميرية. وتُقدر بكمية الطاقة المنتشرة أفقياً عبر موجات الزلازل. قلق علمي من القصف الاميركي تتراكم شواهد كثيرة على علاقة القصف الجوي الأميركي بقنابل تدميرية كبيرة مع الزلازل. ولم تدمر الضربات الجوية المكثفة على أفغانستان في بدء الغزو عام 2001 ، البيئة فحسب بل هزت أفغانستان وباكستان بموجات زلازل. بدأت اثار ذلك القصف بالظهور بعد 6 ساعات من إسقاط الطائرات الأميركية قنابل فراغية شديدة الانفجار يزيد حجمها على 100 طن، اضافة الى قنابل ارتجاجية مدمرة. ووصل تأثير اهتزازات القشرة الأرضية إلى الأراضي الطاجيكية. وضربت العاصمة دوشنبه بزلازل بقوة 6 درجات على مقياس ريختر. ومع أن أفغانستان أرض خصبة للزلازل الطبيعية، فإن الاحصاءات أكدت أن عدد الهزات الأرضية ذات القوة العالية زاد 24 مرة مقارنة بما قبل القصف الأميركي. وبعد ستة اشهر من بدء القصف الجوي في تشرين الأول أكتوبر عام 2002 ، حدثت ثلاثة زلازل بقوة 7 درجات على مقياس ريختر. وفي 26 من كانون الأول ديسمبر عام 2003 ، ضرب زلزال قوي منطقة كريمان شرق إيران قتل من جرائه 30 ألف شخص. كما أزداد عدد الهزات الأرضية السطحية في المنطقة عينها ايضاً. وضربت هزة أرضية أفغانستان وباكستان في 12 نيسان أبريل عام 2002 بقوة 5 درجات على مقياس ريختر، وبعمق 10 كلم. وتتالت سلسلة من الهزات الارضية في منطقة جنوب جبال هيمالايا ايضاً. في ورقة مقدمة إلى"المنتدى العالمي للمياه"، الذي استضافته مدينة كيوتو اليابان خلال شهر آذار مارس من العام 2003، حذر كاتب المقال من أن الضربات الجوية الأميركية في أفغانستانوالعراق ستؤدي إلى زيادة الخلخلة الجيولوجية للمنطقة، مما يؤدي تالياً الى زيادة عدد الزلازل وشدتها ارضياً. ومن ناحية أخرى، حذّر الأكاديمي الروسي اليكسي نيقولا مدير معهد التجارب الجيوفيزيائية في أكاديمية العلوم الروسية، خلال الغزو الأميركي للعراق، من"أن الزلازل ستطاول المنطقة برمتها وليس العراق فقط". وأضاف أن"وقوع هزات أرضية مدمرة بات أمراً شبه مؤكد... فالقصف الجوي المكثف على العراقوأفغانستان خلال الأعوام الفائتة بدأت آثاره تظهر على شكل هزات أرضية... والأرجح انها ستستمر ولعقود عدة... والارجح انها ستبلغ من الشدّة مقادير لم نشهد مثلها قبلاً". وأيد القلق العلمي من مخاطر القصف الاميركي بقنابل نوعية على المنطقة وتركيبها الجيولوجي. واوضح ان"الزلازل ستشمل أماكن إضافية بعد قصف العراق. وقد تمتد المناطق المتأثرة من دول الخليج وإيران مروراً بأفغانستان وهضبة جبال هيمالايا وشمال غربي الهند ووصولاً إلى جمهوريات آسيا الوسطى". وفي الاتجاه القلق عينه، حذر خبراء جيولوجيون في المعهد الجيوفيزيائي الروسي من احتمال حدوث كوارث زلزالية. وفي العام الماضي، توقع البروفيسور أولغا مارتيون من جامعة تولا الروسية وقوع هزات أرضية في أواسط آسيا نتيجة قصف العراق. وتوجّس من وصول تحركات القشرة الأرضية إلى أعلى درجاتها بين تشرين الأول اكتوبر وكانون الأول ديسمبر من العام الجاري. ومن ناحية أخرى، عزى كثيرون من اختصاصيي الجيولوجيا ارتفاع عدد الضحايا في منطقة الزلازل الآسيوية الكشميرية إلى حدة الزلازل ونسبة السكان المرتفعة ونقص الكفاءة الواضح في الأبنية سواء الطينية أو الأسمنتية ومتانتها، اضافة الى وجود مجموعات كبيرة من الالغام الأرضية السطحية التي انفجرت خلال الزلازل عينها. خبير في علوم الجيولوجيا.