أذاع التلفزيون الفرنسي منذ فترة قصيرة استفتاء اشترك فيه الكثير من المهتمين بالدراما والمتخصصين فيها، وأكدوا أن الدراما السورية تتفوق حالياً على الدراما المصرية. ومن يتابع أعمال الشاشة الصغيرة، لا يخفى عليه التراجع الذي حققته الدراما المصرية أخيراً، كما يعترف بالمنافسة التي فرضتها الدراما السورية عبر الدعم الرسمي والمغامرات الناجحة، خصوصاً في السنوات الخمس عشرة الماضية. وفي وقت، تحاول الدراما المصرية سنوياً لفت انتباه المشاهد المحلي والعربي عبر أعمال تقترب من مشكلات العلاقات الإنسانية اليومية، وتسلط الضوء على قضايا المرأة والفساد والرشوة والمخدرات والزواج العرفي وغيرها، ينتقد عدد من المتخصصين الإنتاج الذي قدم خلال السنوات الأخيرة. ويعتبر هؤلاء أن النقص كامن في طريقة توظيف الموارد المالية، إذ تشغل الجهات الإنتاجية نفسها بالإنفاق على الاستوديوات والديكورات الداخلية في شكل مفرط وعلى حساب بقية مكونات العمل الدرامي. كما ينتقد بعضهم الآخر النصوص وغيابها عن الواقع واعتمادها على نصوص تحاول إقحام الواقع في أحداثها في شكل ضعيف. وهذا ما حصل حين اعترض الكثيرون على المواضيع الدينية الحساسة التي تناولها مسلسل "بنت من شبرا"، معتبرين أن المعالجة لم تكن جيدة. إلا أن منتقدي الدراما المصرية يعترفون بامتلاك صناع هذه الدراما بأدوات إبداعية من كوادر بشرية وطاقات، إذا عرفوا استثمارها بالشكل الجيد لقدموا أعمالاً تطرق باب العالمية، إذ قدمت في عصرها الذهبي أعمالاً ما زالت محفورة في ذاكرة آلاف المشاهدين مثل "الحب وأشياء أخرى" و"عصفور النار" و"قصر الشوق" و"بين القصرين" و"رأفت الهجان" و"ضمير أبلة حكمت"، وغيرها... الدراما السورية مع أوائل التسعينات شهدت الدراما السورية تصاعداً كبيراً ونجاحاً لافتاً. وتحولت في وقت بسيط إلى عنصر أساسي تتنافس عليه القنوات الفضائية مما قدم لها دفعاً نوعت من خلاله أعمالها. مع الوقت، ومع غزارة الطلب وكثرة الإنتاج عملت الدراما السورية على تقديم مختلف الأشكال الدرامية. فجاءت أعمال تاريخية مهمة وفنتازيا لافتة وأعمال كوميدية بارزة وظهرت في خط مواز بعض الأعمال التي تنتمي إلى الدراما الاجتماعية المفضلة عند المشاهد العربي نظراً لندرتها وراهنيتها وتسليطها الضوء قدر الإمكان على الواقع المعاش ومشاكله. والنجاح الذي حققته الدراما السورية في سنوات قليلة لفت أنظار المستثمرين العرب أيضاً فظهرت مجموعة من المسلسلات المنجزة في معظمها من جانب فريق عمل سوري وممولة من جهات غير سورية كتلفزيون أبو ظبي و تلفزيون قطر وغيرها، ولعل آخر مثال كان "الطريق إلى كابول". سر النجاح أكثر ما يميز الدراما السورية، هي قدرتها في التفتيش عن سر النجاح، فبعد استهلاك مئات الساعات مما يسمى فنتازيا تاريخية، اتجه صنّاع الدراما اليوم إلى المسلسل التاريخي. عرفت الدراما السورية النجاح من خلال أعمال سياسية كان أبرزها، "حمام القيشاني"، "خان الحرير"، "أخوة التراب"، "عائد من حيفا"، "التغريبة الفلسطينية"... ووجد إنتاج بعض هذه الأعمال الضخمة طريقه إلى العالمية، فبدأت الأعمال السورية تغزو المحطات الأوروبية وأميركية. وفي وقت شكا البعض من محاكاة أمجاد الأجداد، من دون التعمق في العصر الذي يرصده المسلسل، وتعقيم تلك الأزمنة من أي شبهة سلبية...الأمر الذي أوقع المشاهد بين نارين: نار الماضي المجيد، ونار اللحظة الراهنة بكل خسائرها وعطبها. فماذا ينفع إن كان أسلافنا أصحاب حضارات ونحن نفكر اليوم بأجرة التاكسي؟. وجد البعض الآخر في هذه الأعمال ضماناً لنص جيد، يسقط أزمات الماضي على مشاكل الواقع، علّ المشاهد يتعلم من التاريخ بدلاً من أن ينساه. منهج جديد من هذا المنطلق، يبدو أن صناع الدراما المصرية بدأوا يتبعون المنهج نفسه. فقد شهدت بداية العام الجاري، الاستعداد لتقديم أعمال تاريخية، تنبش في ماضي تاريخ مصر والعرب، علّ ذلك يكون حلاً للابتعاد عن النصوص الركيكة والضعيفة التي شكا منها المشاهد. باشر اتحاد المنتجين العرب لأعمال التلفزيون خطواته التنفيذية في تصوير أول مسلسل يتناول قصة الوحدة المصرية السورية التي تكونت على إثرها الجمهورية العربية المتحدة وتفاصيل سنوات الوحدة الثلاث، والأسباب التي أدت إلى الانفصال في إطار سياسي واجتماعي مشوق.والمسلسل الذي اختير له مبدئياً عنوان "قلوب على الأسلاك"، هو الأول يتناول بالتفصيل تلك الفترة المهمة من التاريخ العربي المعاصر، مركزاً على العلاقة الحميمة التي نشأت قبل إتمام الوحدة بين الزعيمين جمال عبد الناصر وشكري القوتلي، والتي كانت أحد أهم أسباب اندماج البلدين في كيان واحد أطلق عليه حينذاك "الجمهورية العربية المتحدة". ويتناول كذلك الأحداث والشخصيات التي شاركت في التحضير للوحدة، وتلك التي أدت إلى الانفصال مما دلّ على عدم القدرة على تحقيق أي نوع من الوحدة بين الدول العربية طوال السنوات التالية. ومن المرجح أن يقوم ببطولة العمل كل من فاروق الفيشاوي وحسين فهمي. من جهة ثانية، استقر المخرج المصري نادر جلال على اختيار النجم فاروق الفيشاوي للقيام بدور الملك فاروق في المسلسل التلفزيوني الجديد "فاروق ملكاً" الذي كتبته الدكتورة لاميس جابر، زوجة النجم يحيى الفخراني، وتنتجه مدينة الإنتاج الإعلامي خلال خطة العام الجديد. تدور أحداث المسلسل حول قصة حياة الملك فاروق، آخر ملوك مصر، بإيجابياته وسلبياته. وهو طرح جديد لم يسبق أن تناوله أي عمل فني، إذ ركزت جميع الأعمال السابقة على مساوئ الملك، من دون الاشارة إلى الجانب المضيء في شخصيته. كما يتناول المسلسل أسباب التدهور الذي أدى إلى قيام ثورة تموز يوليو، من خلال رصد الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المصري في النصف الأول من القرن العشرين. كما يشارك الممثل مصطفى فهمي في بطولة مسلسل "العميل 1001" الذي يعتبر عودة لأعمال الجاسوسية والاستخبارات التي لم تقدم للشاشة الصغيرة منذ مسلسل "رأفت الهجان". والمسلسل الجديد تأليف نبيل فاروق، وبطولة مصطفى شعبان، وإخراج جمال عبدالحميد. ويجسد فهمي في المسلسل شخصية ضابط الاستخبارات المصري الذي يستطيع إقناع الشاب المصري عمرو طلبة بالقيام بمهمة داخل إسرائيل، وزرعه لمدة طويلة لدرجة أن يخدم في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب تشرين الأول أكتوبر. في النهاية، تنتج الدراما المصرية قرابة الخمسين عملاً سنوياً، فهل ينجح أربابها، وعبر التغيير الجديد، في تقديم أي تحسن ملموس العام المقبل؟