طبقت بعض البلديات الألمانية مبدأ المساواة بين الفقراء والأغنياء على الأقل في ما يرتبط بالضريبة المفروضة على مربي الكلاب. إذ رفعت السلطات المعنية كما هو الحال في مدينة كولونيا وسط غرب ألمانيا، من قيمة تلك الرسوم من 60 إلى 156 يورو سنوياً ابتداء من مطلع العام الجاري. وهذا ما أثار حفيظة الآلاف الذين تظاهروا أمام مقر بلدية كولونيا منددين بهذا الاجراء الذي لا يراعي الظروف الاجتماعية لذوي الدخل المحدود والذين يعولون على الدعم الاجتماعي الحكومي. وتأمل بلدية كولونيا من خلال الزيادة في الضريبة المفروضة على أصحاب الكلاب في الحصول على 220 ألف يورو اضافية سنوياً للتخفيف من وطأة العجز المالي الذي يصيب منذ فترة صندوق المدينة. يقول برند شنيتسيل مدير أحد مراكز ايواء الكلاب في كولونيا ان عدداً كبيراً من المواطنين سيجبر على التخلي عن كلبه علماً أن مراكز ايواء الحيوانات المنزلية مكتظة. ويكمن التناقض هنا في أن سلطات المدينة هي التي تتحمل في النهاية تغطية تكاليف العيش في تلك المراكز في حال اضطرار مربي الكلاب التخلي عنها. وتصل كثافة أعداد الكلاب في المانيا عدد السكان 82 مليون نسمة الى كلب واحد مقابل 12 الى 15 شخصاً. ويلاحظ المتجول في أي قرية أو مدينة المانية أن الكلاب جزء لا يتجزأ من مشاهد الحياة اليومية. وفي ظل ارتفاع عدد المسنين والعزوف عن الزواج والخفض المتزايد في معدل الولادات، فان مكانة الكلب كعنصر اجتماعي تزداد أهمية: انه الرفيق الوحيد والوفي لبعض الناس الذين يعيشون في وحدة تامة. كما أن الشباب الذين لا يريدون انجاب طفل، يجدون فيه المؤنس الذي لا يجلب معه مسؤولية كبيرة. ويعيش أكثر من 80 في المئة من مجموع الكلاب في ألمانيا في كنف عائلات. وأجريت دراسة حديثة قام بها قسم الطب البيطري في جامعة لودفيش ماكسميليان في ميونيخ وشملت 316 عائلة المانية تضم 555 طفلاً تراوحت أعمارهم بين 3 و14 سنة. وكشفت النتائج أن ربع مجموع هذه العائلات تعتبر كلبها طفلاً يمشي على اربعة أرجل أي انه عضو من العائلة يجب تحمل المسؤولية كاملة تجاهه. بل ان نحو 80 في المئة من العائلات التي شملتها الدراسة ترى في الكلب مواسياً، ويعتقد 90 في المئة من تلك العائلات أن دور الكلب محوري في تعليم الأطفال سلوكاً اجتماعياً متوازناً لانهم يطورون الشعور بالتسامح ومراعاة الآخر. وتستعين بعض العيادات المتخصصة في اعادة التأهيل بعد حوادث السير، بالكلاب في معالجة الاطفال الذين يفقدون بعض القدرات البدنية كالقدرة على الكلام أو اللعب. ومن خلال نمو علاقة حميمة بين الطفل المصاب والكلب فان بعض تلك القدرات المفقودة تعود الى مجراها العادي مع الأيام من دون أن يشعر الطفل بذلك التحول الذي يأتي بصفة طبيعية من خلال اللعب مع الكلب ومداعبته. وكثيراً ما يعكس الكلب الوضع الاجتماعي لصاحبه وذلك من خلال مظهره وملابسه الجلدية رفيعة الجودة وكذلك من خلال عدد المرات التي يصحبه فيها مربيه الى صالون الحلاقة والتجميل. واذا كانت قطاعات الاقتصاد الالماني تشكو اليوم من ركود أو تراجع في العائدات، فان جميع الفروع المرتبطة بتربية الكلاب تجني الارباح وتتفنن في تنويع منتجاتها لارضاء طلبات الزبائن. واذا كانت القوانين الالمانية تحظر على المسؤولين الحكوميين المشاركة في أعمال الدعاية لأي جهة ثانية، فان عقيلة المستشار الالماني غيرهارد شرودر كادت أن تسبب المتاعب لرئيس الحكومة الالمانية عندما أبرمت قبل أسابيع عقداً تجارياً مع شركة ألمانية متخصصة في صناعة مستلزمات الكلاب. وابتكرت عقيلة المستشار دوريس شرودر من تصميمها الخاص سلسلة من تلك المستلزمات كسائل غسل الشعر والكعك تحمل جميعها علامة جودة باسم الكلب الصغير لعقيلة المستشار الذي يدعى لولي. وحققت المغنية ميشال احدى نجوم موسيقى البوب في المانيا حلم طفولتها هذا العام بافتتاح صالون حلاقة فخم للكلاب في مدينة كولونيا، مع الاشارة الى وجود أكثر من 500 صالون حلاقة للكلاب في المانيا تقدم الى جانب قص الشعر وترتيبه خدمات تقليم الاظافر وتنظيف الاذنين والتدليك. وللكلاب مقابرها الخاصة التي تنتشر فيها أجمل الزهور والاشجار وتجعل منها مساحات خضر إضافة الى الفنادق التي تستضيف الكلاب في حال اضطرار مربيها الى السفر من دون صحبتها. على هذا الاساس، يمكن اعتبار الكلب في المانيا عنصراً مهماً في تحريك عجلة الاقتصاد القومي الذي يجني من حركة الانتاج المرتبطة بحاجيات الكلاب ملايين اليورو في السنة الواحدة، علماً أن مواد التغذية الخاصة بالكلاب لم تعد تشكل سوى قسط صغير من مجموع تلك العائدات. وتظل، بناء على هذه الحقائق، فرص عمل آلاف الالمان رهينة بوجود الكلاب وتكاثرها في البلاد. والكلب في المانيا هو أيضاً نجم اعلامي لأن قنوات التلفزة الالمانية تبث خلال ساعات الارسال الاساسية برامج تعنى بكل جوانب حياة الكلب وحاجياته. ويتم ذلك غالباً بمشاركة جمهور المشاهدين مباشرة عبر الهاتف. وفي الوقت الذي تشكو فيه بعض الصحف من ضيق مالي وتتخلى عن بعض أعضاء فريق التحرير فيها من أجل التوفير، فان المنشورات المختصة في قضايا الحيوانات المنزلية كالكلاب والقطط توسع عروضها وتحقق بالتالي أرباحاً متزايدة. ويلاحظ الاختصاصيون أنه اذا ساهم تطور الطب وارتفاع جودة الحياة في المانيا في تقدم شريحة عريضة من الألمان في السن، فان الكلاب هي الأخرى تتقدم في السن بصفة ملحوظة ومظاهر الرفاهية المفرطة في حياتها قد تجلب لها حسد الملايين من بني البشر لا سيما في دول الجنوب.