ادى التوسع المطرد لثورة الانترنت لتشمل مختلف ميادين الثقافة والمعرفة ونشرها على صفحات الويب الى جعلها مشاعاً ومنهلاً للراغبين في اغناء ملكاتهم الروحية والفكرية والعقلية . وقبل فترة قصيرة، اعلن الموقع الالكتروني لمحرك البحث الشهير" غوغل" عن مبادرة اثارت اهتماماً عالمياً. وتمثلت في الاعلان عن بدء العمل في انشاء مكتبتها العالمية الالكترونية التي وصفت سلفاً بانها الاضخم في التاريخ. وخصص"غوغل"فريقاً متفرغاً لانجاز تلك المكتبة التي يتوقع انجازها خلال ما لا يزيد عن خمس سنوات. وسرعان ما شرع ذلك الفريق في تصوير ملايين الكتب على أنواعها، تمهيداً لعرضها مجاناً على شبكات الانترنت. ومن الواضح ان مكتبة"غوغل"الالكترونية تساهم في ترسيخ مفهوم"دمقرطة المعرفة"Democratization of Knowledge . ولعلها المرة الاولى التي يتاح فيها هذا الكم من المعلومات لجمهور الانترنت بصورة ديموقراطية الى حد كبير . عثرات اكاديمية عدة الا ان ثمة من يعتقد بأن غياب الجانب العلمي عن هذه المنظومة المعرفية الالكترونية والذي لم يشغل الى الآن سوى حيز ضئيل في فضائها الرحب، يشكل ثغرة كبيرة يجرى تداركها اليوم من بعض الجامعات الاوروبية والاميركية والكندية وتذليل ما يعتريها من عقبات مادية ومعنوية وتقنية. وفي هذا السياق، اشارت احدى الدراسات الكندية الى بعض الاسباب التي تدفع بقوة وصول النشاط العلمي، من ابحاث ودراسات ومقالات وغيرها، الى شاشات الانترنت ومواقعها المجانية. وتفيد الدراسة ان الباحثين قلما يتحمسون لطباعة مؤلفاتهم العلمية نظراً الى قلة قرائها من جهة ولضآلة مردودها المالي من جهة اخرى. ويلاحظ هذا الامر بوضوح عدد من معارض الكتاب الوطنية والعالمية. ويفضل كثيرون نشر اعمالهم في المجلات العلمية المتخصصة، التي يبلغ عددها عالمياً نحو 24 الف مجلة. والحال ان تلك الدوريات لا تروج الا ضمن شريحة محدودة من الفئات الاجتماعية، وكذلك بعض الدوائر والمؤسسات المعنية بالشأن العلمي .وفي كلا الحالين، يبدو ان النشاط العلمي ومدى انتشاره يبقيان محصورين بين دفتي الكتاب من جهة وصفحات المجلة المتخصصة من جهة اخرى. ولا يتوافق هذا الواقع مع رغبات الباحثين التواقين الى ايصال اعمالهم ومنجزاتهم كلها والتعريف بهوياتهم ومواقعهم الاكاديمية ومنزلتهم البحثية ورصيدهم العالمي الى اوسع جمهور ممكن. وباتت غالبيتهم تميل راهناً للقول إن تلك الامور لا تتحقق الا بواسطة النشر الالكتروني المجاني. فورة في المواقع الاكاديمية وبهدف جعل الابحاث العلمية جزءاً من"دمقرطة المعرفة"انسانياً، قامت مجموعة من الجامعات بمبادرات فردية ذات علاقة بالعالم الالكتروني واصطنعت مواقع الكترونية خاصة بها لعرض ما يتوافر لديها من ابحاث ودراسات ومقالات وندوات ومحاضرات وغيرها، مجاناً تحت شعار"العلم للجميع". ففي اوروبا كانت الجامعة البريطانية في Southampton السباقة في تقديم خدماتها العلمية المفتوحة امام الجميع open access، وفي اميركا الشمالية حققت جامعة كيبك في مونتريال uqam قصب السبق في ما اسمته"الارشفة الذاتية"auto-archivage للنشاطات العلمية ونشرها على شبكة الانترنت. وعن هذه التجربة يقول ميشال جيراك المسؤول عن تخزين المعلومات:"نريد ان نشجع على تخزين كميات كبيرة من مختلف الاعمال العلمية في العالم، والان نقوم بحملة اعلامية واسعة تستمر الى نهاية هذا العام بغية الاتصال بكافة المعنيين بالشأن العلمي: طلاباً واساتذة وباحثين ومؤسسات، وقمنا بتنفيذ المرحلة الاولى المختصة بالمعلوماتية العامة واوشكنا على وضع القواعد الخاصة بترتيب المعلومات ونشرها وتبويبها بطريقة علمية سهلة تؤسس لبناء مجمع علمي الكتروني" .