دخلت الساحة السياسية الكويتية منذ شباط فبراير الماضي جولة جديدة من الشد والجذب حول الموضوع القديم المتعثر: الحق السياسي للمرأة. وفيما يأمل المؤيدون للحق، من ليبراليين وغيرهم بأن تكون الفرص هذه المرة أفضل لتعديل قانون الانتخاب، يؤكد المعارضون ان الأرقام لا تزال لمصلحتهم، وان النواب الاسلاميين والقبليين في مجلس الأمة البرلمان يحولون دون حصول الحكومة ومؤيدي حق المرأة على الأصوات الكافية. ربما كان للأحداث الدامية التي شهدتها الكويت في كانون الثاني يناير، بين مجموعة"اسود الجزيرة"التابعة ل"القاعدة"وبين السلطات، علاقة بالطرح المتجدد لقضية الحقوق السياسية للمرأة. وشعر الليبراليون بأن الأحداث جعلت الاسلاميين في موقف الدفاع عن النفس، وبأن التطرف الأمني يجب ألا يواجه باجراءات أمنية فحسب، بل بإصلاحات سياسية تمس ما يعتبره ليبراليون رمزاً للتخلف السياسي في الكويت، وهو تعطيل دور المرأة. ومنذ وضع الدستور الكويتي عام 1962 حُرمت المرأة من حقي الترشيح والتصويت، وظل الحقل السياسي ذكورياً خالصاً، ما جلب للكويت انتقادات سياسية كثيرة، خصوصاً من المسؤولين الاميركيين الذين لم يخلُ حديث اي منهم، خصوصاً بعد تحرير الكويت عام 1991 من حض هذا البلد على اعطاء المرأة الحق السياسي، فيما انتقدت تقارير الخارجية الاميركية الكويت بشدة بسبب ذلك. ورغم ان الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح دعا الى تعديل قانون الانتخاب من خلال مرسوم في ايار مايو 1999، الا ان البرلمان الذي يشغل الاسلاميون والمحافظون غالبية مقاعده، رفض المرسوم والاقتراحات البديلة. تجاوز الغالبية المحافظة بدأت الجولة الجديدة في السادس عشر من شباط الماضي، بتقديم عشرة نواب من الليبراليين والمستقلين والشيعة، بقيادة النائب أحمد السعدون، طلباً الى البرلمان كي يحتكم الى المحكمة الدستورية للنظر في تضارب محتمل بين قانون الانتخاب الذي يحصر الحق السياسي بالرجل وبين المادة 29 من الدستور التي تنص على أن"الناس سواسية في الكرامة الانسانية، متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين". ويهدف طلب الاحتكام الى تجاوز الغالبية المحافظة في البرلمان، نحو حكم قضائي يبطل المادة الأولى من قانون الانتخاب، ويفرض دخول المرأة الحياة السياسية. لكن هذا الطلب انتقد كونه يهدد البرلمان الحالي بالحل لأنه نشأ عن انتخاب"رجالي"غير دستوري، ولكون سجلات الناخبين تحتاج شهوراً كثيرة لادراج النساء فيها، سيعيش البلد فراغاً برلمانياً طويلاً في حال تبنت المحكمة الدستورية طلب إبطال قانون الانتخاب. وحرّك طلب النواب العشرة الاحتكام الى المحكمة الدستورية، الحكومة ذاتها على الخط ذاته، فأعلنت في 20 شباط طلبها الى المجلس عقد جلسة خاصة لمناقشة الحق السياسي للمرأة، وطلبت من لجنة الشؤون الداخلية في مجلس الأمة استعجال تقديم تقريرها حول اقتراح تعديل قانون الانتخاب. ويتوقع أن يبدأ المجلس مداولاته في هذا الاطار نهاية الشهر الجاري مع وجود سيناريوات للطريقة التي سيسلكها هذا الملف، اذ سيتحاشى مؤيدو حق المرأة تصويتاً متعجلاً على أساس غالبية خاصة بثلاثة وثلاثين صوتاً، يصعب توفيرها، ويسعون الى تصويت على مرحلتين، لتمرير التعديل بغالبية عادية، يمكن من خلالها اقناع نواب قبليين يحرجهم موضوع المرأة بالامتناع عن التصويت أو التغيب عن الجلسة. ومعروف أن جميع اعضاء لجنة الشؤون الداخلية البرلمانية هم من القبليين المعارضين للمسألة برمتها. مواجهة إعلامية ومع بدء المداولات البرلمانية في الموضوع، انطلقت حملات مؤيدة لمشاركة المرأة وأخرى معارضة، وقادت الصحافة التي يغلب عليها الاتجاه الليبرالي حملة لدعم حقوق المرأة، ووضعت صحيفة"الوطن"شعاراً يومياً على صفحتها الأولى"معاً في 2007"، موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، معلنة حملة مستمرة حتى تعديل القانون. ومع تصريحات مسؤولي الحكومة الداعية الى تعديل القانون، شكك الليبراليون في جدية الحكومة، مشيرين الى أن نواباً قبليين محسوبين عليها باتوا الأعلى صوتاً في معارضة التعديل. ورفض رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد التشكيك في دعم حكومته حق المرأة، وقال:"مهتمون بحقوق المرأة ونرفض التشكيك". في المقابل نشط المعارضون لمشاركة المرأة طارحين اسباباً دينية واجتماعية. ويقول الاسلاميون انهم لا يعترضون على مشاركة المرأة في التصويت، لكنهم لا يريدون لها عضوية البرلمان، استناداً الى رأي شرعي للجنة الافتاء في وزارة الاوقاف عام 1998 نص على ان عضوية البرلمان نوع من الولاية العامة التي لا يجوز للنساء توليها، وهي فتوى تخالفها فتاوى لفقهاء في معظم الدول الاسلامية. وقال النائب وليد الطبطبائي ل"الحياة":"لا بأس في ان تشارك المرأة بالتصويت في ظل اجراءات تمنع الاختلاط بين الجنسين والمحظورات الشرعية، اما في شأن الترشيح فنؤيد موقف وزارة الاوقاف، وندعو الحكومة الى الأخذ برأي لجنتها الشرعية الرسمية". لكن هناك نواباً يعارضون الامر برمته، منهم ضيف الله بورمية الذي نظم ندوة واسعة اول من امس تحت عنوان"في الشريعة الاسلامية ليست للمرأة حقوق سياسية"استضاف فيها عدداً من الاسلاميين الذين تحفظ بعضهم عن عنوان الندوة قائلاً ان للمرأة حقوقاً سياسية و"لكن بضوابط"واعتبر النائب السابق القيادي في التيار السلفي خالد السلطان ان المرأة الكويتية نفسها ليست حريصة او مهتمة بموضوع الحق السياسي في حين قال الطبطبائي ان الحملة الحالية في الكويت الخاصة بمشاركة المرأة تأتي بضغوط خارجية وليس باهتمام شعبي محلي. وستكون لهذا الملف لحظة اختبار الاثنين المقبل، عندما يصوت البرلمان على تعديل حكومي لقانون البلدية يتضمن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية. ورغم عدم وجود تحفظات دينية عن عضوية المرأة في المجالس البلدية، فإن الاتجاه المحافظ في البرلمان قد يعارض هذه الخطوة ايضاً، لاسباب اجتماعية قبلية بالدرجة الاولى.