بلا مقدمات نتحدث فيها عن الطبعة الرمضانية الأخيرة من الدرامات التلفزيونية السورية، وما يكتنفها من تشابه على درجات مع الدراما التلفزيونية في العالم، نجد أن لدينا هنا الآن ما يلفت النظر! انه فارس بني مروان، طبعاً هذا الفارس ليس هو فارساً محدداً، فبنو مروان او الفرع المرواني من الأمويين، كما الأمويون ذاتهم يذخرون بالفرسان المجلين ولكن في زمانهم وعلى قدِّ تحدياتهم… المهم"فارس بني مروان"هو اسم لمسلسل يعرض الان على اكثر من شاشة تلفزيونية عربية الحمد لله ان اصبح للعرب شاشاتهم فلم يعودوا يحتاجون الى محطات الغرب الفاجرة و"الكاذبة"و"المشوهة"بحسب بعض الآراء المهم يا سادتي ان هذا المسلسل يقلب الحقائق التاريخية رأساً على عقب، فلا ابطال او مروءات او اغاثات للملهوفات ولا حرمات ولا مقدس من اماكن واشخاص، ولا دولة ولا خطة ولا سياسة الا ما قدر الله السلاطين على الفتك باعدائهم، والذين يفترض ان يكونوا اعداء الله في الوقت نفسه. بنو امية سلاطين زمانهم وليسوا خلفاء صدر الاسلام، دالت لهم بحد السيف سلطة تناسب عقلية ذاك الزمان واخلاقه، ففعلوا بالارض والعباد ما فرضته عليهم مصالحهم، من دون وهم، فكانوا طلاب سلطة لا طلاب جنة، ومن يعترض له حد السيف. بصراحة كان المسلسل صادماً، فهو يأتي على عكس ما تعلمناه في المدارس والجامعات، ومن افواه العلماء والدارسين التي تصدح على الاقمار الاصطناعية، فهؤلاء الجبابرة القديسون الذين لم يطمعوا بسلطة الا مرضاة لله، ولم يذهبوا لفتح الا من أجل كلمة الحق، يقدمهم المسلسل كأصحاب مصالح وسلطات لا يحيدون عنها قيد أنملة ولو جرت الدماء انهاراً أو انتهكت المقدسات مراراً، وأصبحت كلمة من لها شعاراً! وماذا بعد؟ ماذا نفعل بهذا الكم الهائل من الكلام المكرور، من استعادة التمجيد، وتحليل التمجيد، وتفسير التمجيد، حتى اصبح المثل في الماضي، واستعادته لب الوعي والعمل؟ ماذا نستطيع بعد ان اسبغنا الاسماء المعاصرة على مرويات التاريخ، فالابطال ينتجهم التاريخ، والعباقرة كذلك، وكذا المؤسسون، والمخلصون، وبناؤوا الدول، بل الدولة ذاتها اسبغنا عليها الاسم المعاصر، فوقعنا في مأزق التقديس الهيولي، فلا التراث حقيقي ولا هو يصلح لهذا الزمان، ومع هذا نعمل على استعادته مع معرفتنا للخديعة وحجمها، ولكننا نغمض عيوننا وننام بالعسل! ولكن ماذا لو لم يغمض عينه محمود عبدالكريم واصر على البحث في التراث، وكتب مسلسلاً موثقاً، مبنياً على كتب التاريخ المعترف بها، الا ينسف كل هؤلاء الدكاترة الفضائيون الذين يسبحون بحمد الماضي؟ الا يحكمهم بالجرم المشهود بالتدليس على الناس وافهامهم انهم لن يكونوا بمستوى الماضي مهما كانت امكاناتكم ولن يحصلوا على قداسته؟ ألن يجرمهم بالضحك على العقول عبر إلباس الماضي مهمات الحاضر، كمسوقين لسياسة السلاطين المعاصرة؟ تاريخنا تاريخ بشر، وصراعاته وحروبه بشرية، ومكاسبها وهزائمها بشرية، هذا ما اراد المسلسل قوله، اقرأوا التاريخ كما هو لا كما يتصوره الحكواتية الذين ينتقون ما هو اقرب لمصالحهم، من ارضاء الحاكم وتطويع الرعية الى دخول الجنة بمقياس شغل ايديهم… لم يكن لدى بني امية أو غيرهم فرسان بأي معنى، إلا كجنود وحتى أفاقين يخدمون مصلحة السلطة… وكل مجد بني على غير ذلك هو بكاء على القبور.