مع بدء هذه السنة، وفي مناسبة الأعياد الدينية الغربية، كتبت سلسلة من الحلقات عن المسيحيين الصهيونيين وعلاقتهم بادارة جورج بوش بدأتها كلها بالقول:"إن المسيحيين الصهيونيين والأصوليين الاسلاميين وجهان لعملة واحدة في التطرف، والفارق ان جماعتنا يفرزون ارهابيين، وان جماعة جورج بوش لا يقتلون، وهم لا يحتاجون الى القتل، لأن عندهم حكومة تحمل السلاح حول العالم نيابة عنهم". كان هذا الكلام في آخر يوم من السنة الماضية، واستمرت الحلقات في الاسبوع الأول من هذه السنة، وجمعت منذ ذلك الحين مادة اضافية عن المسيحيين الصهيونيين، فهم جاؤوا بجورج بوش الى البيت الأبيض، وهم مصرون على قطف ثمار موقفهم بإلزام الادارة بأفكارهم السياسية والاجتماعية. الاسبوع الماضي وقعت على مقال في"لوس انجليس تايمز"عنوانه"اليمين المسيحي هو النوع الأميركي من التطرف"كتبه وليام ثاتشر دوال، من مركز الحرب والسلام والميديا في جامعة نيويورك، وقال ان المتطرفين المسيحيين والاسلاميين متماثلون، ففي الولاياتالمتحدة يخاف المتدينون من خسارة قيمهم في بلد علماني، في حين يخشى المتطرفون الاسلاميون تأثير"القيم الغربية"على دينهم. ورد الفعل للفريقين واحد، ففي الولاياتالمتحدة يحاول المسيحيون الصهيونيون الغاء الفصل بين الدين والدولة، وفي الشرق الأوسط العربي وإيران يحاول المتشددون إقامة دولة دينية أساسها الشرع. لا احتاج ان أتكلم عن جماعتنا لأن القارئ يعرفهم، ولكن ألاحظ ان نقطة احتكاك، او اختبار، مهمة في المواجهة الدينية ? العلمانية في الولاياتالمتحدة، كانت الوصايا العشر، وإمكان وضع لوحة سجلت عليها في بيان رسمية، مثل دار محكمة، على رغم الفصل الدستوري الواضح بين الدين والدولة. أجد اختيار الوصايا العشر لتحدي الفصل اختياراً غريباً أو غير موفق، فهي مسجلة في سفر الخروج، ومكررة حرفياً في سفر التثنية، والوصية الثانية تقول حرفياً"لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيء مما في السماء من فوق، ولا مما في الأرض من أسفل، ولا مما في المياه تحت الأرض، لا تسجد لها وتعبدها لأني أنا الرب إلهك، إله غيور". هذا مثل الحظر الإسلامي المعروف على الأصنام والتماثيل والصور، ومع ذلك يحاول اليمين المسيحي وضع لوحة توراتية في مكان عام ليتبعها الناس. والكاتب يقول ان هذا اليمين عرضة لتفسير انتقائي للتوراة، وهو مثل تفسير المتطرفين الاسلاميين نصوص القرآن الكريم كما يناسب تطرفهم. اليمين المسيحي في الولاياتالمتحدة فهم التوراة على أساس انها تعارض الإجهاض، والى درجة أن قتل بعض الأطباء في عيادات تبيح الإجهاض، ولكن المسيحيين الآخرين لا يجدون مثل هذا الحظر في التوراة، أو يفهمون كلامها في شكل مغاير. وتبقى المعركة الأساسية في المدارس، فاليمين المسيحي يعارض نظرية النشوء والارتقاء، ويصر على الخلق كما ورد حرفياً في التوراة أي ان الله تعالى خلق العالم في ستة أيام قبل ستة آلاف سنة، وهناك الآن 17 مجلس إدارة مدرسة تخوض قضايا قانونية لتحدي النظرية العلمية عن الخلق. والموضوع يتجاوز أحياناً الولاياتالمتحدة، فالبابا هاجم الحكومة الاسبانية بتهمة الاعتداء على الحرية الدينية، لأن الحكومة قررت إباحة زواج الشاذين وتخفيف القيود على الطلاق والاجهاض، وأبحاث الخلايا الجذعية. وتظل أوروبا أقل تديناً بكثير من أميركا، فالدستور الجديد للاتحاد الأوروبي لا يذكر اسم الله، في حين ان الدستور الأميركي يقول:"أمة واحدة تحت الله". وعندما حاول أميركي إلغاء هذه العبارة بحجة الفصل الدستوري بين الدين والدولة، خسر بعد أن رفضت المحاكم حجته، وعارضه أكثر من 90 في المئة من الأميركيين. اليمين المسيحي يتحدى الرئيس بوش هذه الأيام، فأركانه يزعمون ان الرئيس وعد بتخصيص ثمانية بلايين دولار خلال ولايته الأولى للمشاريع التي تقوم على أساس العقيدة، إلا انه لم يفعل. وكان جون ديلوليو، رئيس مكتب المبادرات التي تقوم على أساس العقيدة، استقال بعد أشهر له من العمل سنة 2001 احتجاجاً. واستمر نائب الرئيس ديفيد كو ثم استقال وكتب أخيراً ان الرئيس لم ينفذ وعوده. ثمة طلبات كثيرة يتوقع اليمين المسيحي من جورج بوش تنفيذها، ولا يهمني كيف ينتهي موضوع النشوء والارتقاء أو الخلق، فهو لا يؤثر في وضع عربي، وإنما أخشى إذا عجز الرئيس عن تلبية طلبات داخلية، ان يساير المسيحيين الصهيونيين في الخارج، وهم متحالفون مع المحافظين الجدد وحكومة آرييل شارون، ويعتقدون بأن المسيح الدجال سيأتي في أي لحظة، وسينقذون وحدهم عندما يعود المسيح الحقيقي ثانية. الى أن يحدث هذا فهم يدعمون وجود اسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وينتظرون عودة كل اليهود اليها، حتى يتحقق بعد ذلك الصعود مع المسيح. وهم بالتالي يرفضون أي تغيير في وضع القدس، وقد أوضح قادتهم ان الحديث عنها ممنوع، بل محرم. طبعاً هناك معارضة كبيرة داخل الولاياتالمتحدة لليمين المسيحي وأفكاره المتطرفة، إلا انها معارضة تركز عادة على الشأن الأميركي الداخلي، وتهمل أخطارهم على السياسة الخارجية الأميركية، والكاتب المعروف نيكولاس كريستوف تحدث في مقال بعنوان"اسامات من صنع محلي"عن التطرف الذي ينتج أمثال أسامة بن لادن بين الأميركيين، وحكى كيف يحمل أحد زعمائهم"توراة الرجل الأبيض"، ويقول انه يريد بلاداً من دون يهود أو سود، أو أجناس غير الجنس الأبيض، لأنه يريد ان يعترف العالم كله بانتصار الجنس الأبيض. غير ان كريستوف لم يشر الى أي شأن خارجي، مع انه يتابع القضايا الخارجية باعتدال. شخصياً شعرت بأن قلقي من اليمين المسيحي، ومن تحالفه مع المحافظين الجدد، مبرر عندما وجدت مطبوعة هؤلاء"ويكلي ستاندارد"تنشر مقالاً كتبه جون هندريكر يعتبر الحديث عنهم خرافة، فمثل هذا النفي يؤكد خطر أفكار الجماعة علينا قبل غيرنا.