على رغم مرور نحو عشر سنوات على انطلاقته، وعلى رغم الجهود التي يبذلها المشرف عليه، لا يعرف مشروع "كتاب في جريدة" حالاً من الاستقرار، فما ان ينهض من عثرة، حتى يقع في أخرى، يواجه تارة مشكلة البحث عن راع أو ممول، وتدب طوراً خلافات بينه وبين بعض الصحف الشريكة، لسبب أو لآخر. كأن قدر القائمين عليه ألا ينعموا بقطف ثمار نجاحهم، من جراء التحديات التي تتهدد المشروع، حيناً تلو آخر. فبعد أن نشرت"الحياة"مقالاً في عدد الخميس 17 شباط فبراير 2005، عن رواية الكاتبة السعودية ليلى الجهني، التي صدرت ضمن المشروع، وتطرق المقال في فقرة منه إلى عدم قيام صحيفة"الرياض"بنشر الرواية، كبقية الصحف العربية، خصوصاً أنها من تبنى مقترح إصدار الرواية، تساءل عدد من المثقفين والكتاب في الصحافة السعودية، عن السبب في عدم إقدام"الرياض"على إصدار رواية الجهني، وهل يمكن أن يكون السبب رقابياً. وتوجه هؤلاء الكتاب بأسئلتهم إلى رئيس تحريرها تركي السديري مباشرة. وفي عموده الصحافي وعنوانه"لقاء"، نشر السديري مقالاً موجهاً إلى الصحافي عبدالمحسن يوسف في جريدة"عكاظ"، يكشف فيه أن مسرحية"أمرؤ القيس في باريس"للمسرحي المغربي عبدالكريم برشيد، التي صدرت ضمن"كتاب في جريدة"، العدد 77، 5 كانون الثاني يناير 2005، هي السبب الفعلي وراء عدم إصدار رواية الجهني، وإصدارات أخرى من المشروع نفسه. في مقالته الغاضبة، وصف تركي السديري مسرحية برشيد ب"العمل الرديء للغاية والمتدني الأحقاد والتحامل...". واعتبر برشيد نفسه:"مجرد عينة من مجموعة كبيرة عاجزة عن كسب موارد الحياة وتنوعاتها، ومن بؤرة فشله أطلق لغة تحامله الحاقدة على نجاح غيره...". ويمضي قائلًا:"كتبنا لهم في بيروت"مكتب تنفيذ الإصدار"عن قرارنا بالتوقف عن المشاركة في الإصدار... ولهذا أتى موعد إصدار كتاب الزميلة الكريمة ليلى الجهني بعد اتخاذنا قرار المقاطعة…". رأى رئيس تحرير جريدة"الرياض"الذي يعد واحداً من أبرز رؤساء التحرير في الصحافة العربية، في شخصية أمرئ القيس، تطاولاً على الإنسان السعودي، تهكماً وسخرية، حينما يتم تصويره على ذلك النحو من المجون والسكر، ومطاردة العاهرات، اليهوديات تحديداً، في باريس، والتنقل من حانة إلى أخرى، وعدم معرفة قبلة الصلاة. إنسحاب جريدة"الرياض"من المشروع برمته، عده المتابعون ل"كتاب في جريدة"، منذ بواكير خطواته، مأزقاً جديداً يواجه القائمين عليه. وسبب المأزق اللبس الذي قد ينجم عن قراءة سريعة لعمل أدبي، يستخدم تقنية القناع وتقنيات أخرى ليقول مراميه. فعبارة"تحت لهيب الشمس وبذخ البترول"، التي ترد في سياق المسرحية، لا تعني في شكل جازم أن المقصود بها، الإنسان السعودي. ولكن لا يبدو أن مسرحية برشيد هي السبب الوحيد، فقد تطرق السديري إلى مؤتمر"كتاب في جريدة"الأخير في شرم الشيخ، وأشار الى انه حال تلقيه الدعوة للمشاركة، لاحظ عدم وجود مدعوّين من السعودية:"عدا عضوين دائمين... وكان التركيز محدداً على دول معينة ليست المملكة بينها ولا دول الخليج". وهو ما دعاه إلى الاتصال بالشاعر شوقي عبد الأمير:"الذي كان للأمانة متجاوباً وأبدى أسفه وترك لي حرية اختيار من أرشحهم لدعوتهم...". يمكن في سهولة، تفهم مشاعر الغيرة الوطنية لدى السديري، وتلمس الأعذار له حين كتب بتلك اللغة القاسية والحادة، بغية الدفاع عن الإنسان في الخليج والسعودية تحديداً. لكن مسرحية"امرؤ القيس في باريس"، تحتمل على رغم كل ذلك، وبصفتها نصاً أدبياً، أكثر من قراءة وأكثر من تأويل، خصوصا أن كاتبها يعد واحداً من أبرز المسرحيين العرب، ورائد ما يسمى بالاحتفالية في المسرح العربي. ولعل ذلك هو ما دفع بصحيفة"البلاد"السعودية، إلى أن تصدر المسرحية نفسها، فهل فعلت"البلاد"ذلك لأن رئيس التحرير فيها، هو الأديب والقاص علي حسون، ما يعني تفهمه لحالات النص ومراميه المراوغة؟ طبعاً المقارنة بين صحيفة ك"البلاد"، المحدودة الانتشار، والتي انقطعت عن مواصلة الإصدارات ضمن المشروع، من دون اعلان الأسباب، وصحيفة كبيرة مثل"الرياض"، لها قاعدتها العريضة من القراء، ليست واردة هنا، لكننا نطرح ذلك كدليل إلى تباين الرؤى حول مسرحية برشيد وتعددها، من دون أن تلغي إحداهما الأخرى. فالمسرحية تتناول في شخصية الشاعر الجاهلي، الإنسان العربي من دون تخصيص، وهو يعيش مأزق الاغتراب في مدينة كباريس، هارباً من القمع السياسي في البلاد العربية، فهناك: أيوب الفلاح المصري، وميمون التاجر، وكنزة الشحاذة، والأفندي المصري، والإعرابي والأزهري، والطلبة وعامر الأعور وأمرؤ القيس، وعمال النظافة من التونسيين والجزائريين والمغربيين، الذين يكنسون شوارع العاصمة الفرنسية، ويتجنبون الحديث عن الشأن السياسي في بلدانهم. في مسرحية برشيد يستوي العربي الهارب من وطنه، الذي لا حرية فيه، مع"بابلوا"الذي لا يملك سوى خوفه وأفكاره التي هرب بها من وطنه أشبيليا. أي أن المأساة تتجاوز وضع العربي في لحظة تاريخية محددة، لتشمل الإنسان عموماً. يقول برشيد:"إن أمرؤ القيس الجديد"لا يمكن أن يكون في الختام سوى روح هذا الزمن الجديد: أي زمن الاغتراب وزمن الاغتيالات وانقلابات العسكر وهجرة الأدمغة واليد العاملة، بحثا عن الخبز والكرامة. ومن هنا، فإن المسرحية ليست مأساة فرد فقد عرشه وراح يبحث عنه. وإنما هي مأساة أمة بكاملها. أمة تعيش الماضي في الحاضر، والتخلف في التقدم، والتفتح في الانغلاق. أمة تحيا التمزق بين أن تمنح ولاءها للمدينة أو للبداوة، بين أن تأخذ بحوار الكلمة أو بحوار الدم، بين أن تتمسك بماض مات أو تعانق الآن والآتي". ولكن، وبعيداً من المسرحية، وما تثيره من قراءات متباينة، تظل مسألة انسحاب إحدى كبريات الصحف العربية، من"كتاب في جريدة"مسألة مزعجة ومربكة لإدارة المشروع، ولقراء جريدة"الرياض"التي تطبع من الكتاب، ما لا يقل عن 120 ألف نسخة، ويفترض أن أكثر من هذا العدد بكثير، يطالعون الكتاب شهرياً، على اعتبار أن المشروع يتوجه الى الأسرة العربية بالدرجة الأولى. وفي حال صممت صحيفة"الرياض"على المقاطعة، فإن الخسارة ستكون باهظة على الطرفين. فإذا سلمنا أن للمشروع قاعدة شعبية عريضة و"مقروئية"واسعة، ما دام يواصل إصداراته التي بلغت نحو 80 كتاباً بين الرواية والشعر والقصة والمسرحية وسواها، فلن يسر صحيفة"الرياض"التي تضطلع بدور ثقافي مهم وحيوي، ولا سيما من خلال ملحقها الثقافي الأسبوعي المميز الذي يشرف عليه الشاعر سعد الحميدين انصراف قرائها عنها ولو يوماً واحداً في الشهر، بحثاً عن العدد الجديد من"كتاب في جريدة". ويقول شوقي عبد الأمير في اتصال ب"الحياة"عقب قرار مقاطعة"الرياض"، ان:"هناك أكثر من وسيلة للخروج من مأزق التوقف أو الانسحاب"، مبدياً استعداده للمجيْ إلى السعودية، ومناقشة الأمر والتوصل إلى حل في شأنه. وقال إن تركي السديري:"من مؤسسي المشروع، ومن أهم المدافعين عنه والداعمين له، وأن انسحابه خسارة كبيرة". وأضاف:"لا يمكن أن نفكر في حرمان القارئ السعودي، لمجرد سوء تفاهم حول عدد لم يصدر، وخطأ من هذا النوع، إذا عد فعلاً إصدار برشيد خطأ، يمكن تداركه وتدارس الصيغ التي تسمح لنا، أن نخرج من مأزق كهذا... يصعب تصور خروج دولة كبيرة كالسعودية من هذا المشروع، وهي الشريكة لقرابة عشر سنوات". غير أنه أكد الخصوصية بالنسبة إلى الفنان والمبدع:"وإلا فلن ننشر أعمالًا مهمة، لن ننشر لنزار قباني لأنه كتب شعراً في النفط، أو لأدونيس لأنه يتناول هذا المحظور أو المسكوت عنه". من جهة أخرى، لمح عدد من المثقفين السعوديين، إلى أن انسحاب"الرياض"قد يشكل خذلاناً لممول المشروع، رجل الأعمال السعودي محمد بن عيسى الجابر، كون المنسحب هي الصحيفة الكبرى في بلاده. وتمنى هؤلاء، أن يجد الكاتب الكبير تركي السديري فسحة من الوقت، بعيداً من ضغط المشاغل اليومية، ليعيد قراءة المسرحية مرة أخرى، لعل شيئاً قد يتغير لديه، في ما ذهب إليه من رأي، قد لا ينطبق تماماً على مسرحية برشيد .