ينعكس نمط الحياة الأميركية، في وجوهه المتعددة، على الثقافة والفنون عموماً، وعلى السينما خصوصاً، في موضوعاتها وايقاعها وحبكتها التي تبدأ من كتابة السيناريو، قبل أن تدخل إلى مطابخ الاستوديوات لتتحول إلى فيلم تقاس أهميته بميزان شباك التذاكر، ولهذا فإن السيناريوات التي كتبها كبار الكتاب الأميركيين، أو السيناريوات التي اعتمدت على روايات شهيرة، خضعت للتغيير، بالإضافة والحذف، ومنها أعمال لآرثر ميلر وهمنغواي وفوكنر وتينسي ويليامز، وهذا ما يشكل صعوبة في عمل الكتاب والمخرجين غير الأميركيين في هوليوود، أيضاً. يقدم الكاتب الأميركي من أصل سوري جورج دافيد خلاصة تجربته في استقراء ملامح السينما الأميركية وأدبياتها الخاصة في الكتابة السينمائية، بمعايير محددة ومفتوحة معاً. تلك التي تحمل معها الإثارة دائماً، بأساليب مختلفة، حينما تتحول إلى أفلام تعكس نمط الحياة الأميركية، وتختلف عن أنماط الحياة والسينما في العالم. ويحمل كتاب"الكتابة السينمائية على الطريقة الأميركية"تحليلاً وتوصيفاً دقيقاً لبنية السيناريو الأميركي، في خطوطه الثابتة عموماً، والتي تنسحب على السيناريو التلفزيوني في حلقاته المنفصلة المتصلة، ومقارنة نماذج مختارة من الأفلام الأميركية مع نماذج معروفة من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية العربية، يكشف فيها عن وجوه الخلل في التوازن والبنية الدرامية في مفاصل هذه الأفلام والمسلسلات، وضعف قدرتها على الاقناع. ويشكل هذا الكتاب بحثاً مكثفاً في هيكل السيناريو الأميركي، ويأخذ منحى تطبيقياً من خلال تشريح نماذج محددة من الأفلام، لكنها مختلفة في موضوعاتها، وهي:"لورنس العرب، الموت بالقوة، ماكلين، الحكم". وتبدأ عملية التشريح بتحديد أنواع الأفلام الأميركية التي وضعها المؤلف تحت ثمانية وعشرين عنواناً، وبعض هذه الأنواع قلما نجده إلا في السينما الأميركية، كأفلام الويسترن، ثم أفلام الفضاء التي تحتاج إلى مختبرات تشبه مختبرات"ناسا". التزام المعايير ثمة معايير شبه ثابتة في بنية السيناريو السينمائي والتلفزيوني الأميركي، قد يلتزم بها المنتج، إذا لم يلتزم بها الكاتب، وتهدف إلى ضمان نجاح الفيلم، من خلال التماسك في بنائه، والتشويق والترفيه في حركته، والاقناع في مضمونه، ويرى المؤلف أننا في الفيلم الأميركي قد لا نجد"عبرة"مباشرة، أو رسالة أيديولوجية واضحة، فالمباشرة تفسد القيمة الفنية للفيلم، أو العمل الفني. إن فيلم"العراب"لكوبولا مثلاً، يتحدث عن"صراع بين عصابات المافيا في نيويورك، وعبرة الفيلم هنا كانت العائلة، ولم يكن في نية الكاتب ماريو بوزو كتابة فيلم عن العائلة، ولكن عن صراع المافيا، بينما جاءت العبرة طبيعية من دون أي تحضير أو قصد". إن مهمة الكاتب تتمثل في تحقيق أربع نقاط أساسية، هي: فكرة القصة، خلق الشخصيات، بناء القصة والبناء الدرامي. وتبدو فكرة السيناريو- القصة سهلة إذا قورنت بمهمة الكتابة الجيدة. وتحمل الفكرة خمسة عناصر هي: الأصالة والبطل والدافع والعقدة ثم الحل، ولا بد لكل قصة من قصص تحتية صغيرة تدعم القصة الأساسية، والأصالة هنا تعني أن القصة ليست مقتبسة عن رواية أو قصة معروفة، في شكل ما. أما بطل الفيلم فيمكن أن يكون فرداً أو مجموعة من الأفراد، ممن لديهم دافع لتحقيق هدف ما، ولكن الصعوبات التي تعترض تحقيق هذا الهدف تشكل العقدة، وهي التي تتفاعل لتصل إلى الحل في النهاية. وفي عملية التفاعل المعقدة أمام البطل الايجابي تبرز شخصية المنافس، أو البطل السلبي، الذي يساهم في تفعيل دور البطل الايجابي، عندما يمنعه من تحقيق هدفه، وفي منتصف القصة السينمائية التي يحملها السيناريو يبدأ الانحراف نحو النهاية، وينعكس هذا على بطل القصة الذي يظهر عليه نوع من التغير، الذي يصبح أكثر وضوحاً كلما اقتربت القصة من نهايتها. وإذا كانت الصفحة المكتوبة في السيناريو تعادل دقيقة واحدة في الفيلم، فإن الفيلم الطويل من ساعتين يحتاج إلى سيناريو من مئة وعشرين صفحة، وتأتي نقاط الضعف، في السيناريو والفيلم معاً، من الحشو الذي يملأ الفراغات بين المشاهد المتتابعة، ويهدف إلى التسلية والاثارة، ويتسبب في الاطالة المملة. وهناك تقسيم ثابت لأجزاء السيناريو، في فصوله الثلاثة، حيث يعادل الفصل الثاني ضعف الفصل الأول الذي يتساوى مع الفصل الثالث، فالفيلم الذي يستغرق ساعتين، يكون فصله الأول في نصف ساعة وفصله الثاني في ساعة وفصله الثالث في نصف ساعة أيضاً، وفي الفيلم، أو السيناريو، ثلاث نقاط تدعى نقاط القصة، توضع في الدقائق، أو الصفحات الأربع الأخيرة من كل فصل. هذه بعض التفاصيل الأولية، وثمة تفاصيل أخرى تنصب على طبيعة كل فصل، من البداية حتى النهاية، ولكن السيناريو المكتمل على هذا النمط، يمكن اختصار قصته بسطر واحد، أو صفحة واحدة.