ان استشهاد رفيق الحريري آلمنا جميعاً سوريين ولبنانيين, وأقصد هنا الشعبين بعيداً من اجواء القادة والسياسيين. بكى لبنان من الشمال الى الجنوب، من البحر الى الجبل، ولكن لا يزال العلم اللبناني شامخاً. استشهاد الحريري جمع اللبنانيين معاً في ساحات لبنان كلها، ليشكلوا يداً واحدة، وصوتاً للحقيقة، وتعبيراً حراً ديموقراطياً، ليقولوا للعالم اجمع:"اننا لبنان ولبنان نحن". انه زمن الحقيقة، وانبلاج صباحات لبنان المشرقة. سورية قررت اخيراً, بعد اعوام طويلة من وجودها في لبنان, الانسحاب. طبعاً، كل هذا جاء متأخراً جداً. تراكمت الأخطاء من كثير من الشخصيات السورية واللبنانية التي كانت تتاجر بمفاهيم العروبة، والأشقاء والمصير المشترك، على حساب كرامة لبنان وسورية. سورية اعترفت بأخطائها في لبنان, واللبنانيون أجمعوا على"الانسحاب المشرف"للجيش السوري, وقالوا"شكراً لسورية"على كل شيء. والآن، ماذا عليهم ان يفعلوا بعد الانسحاب، اللبنانيون قلقون من الوضع والمستقبل المجهول. لكن علينا التفاؤل. لا يزال الشعب اللبناني واحداً. من الطبيعي ان يكون داخل الوسط السياسي وجهات نظر مختلفة، وهذا هو التعبير الحر الديموقراطي الذي يضع الساحة اللبنانية في مستوى التوازن. الكل في لبنان يعمل لمصلحة لبنان, وخير لبنان, سواء المعارضة او الموالاة. وما على جميع الأحزاب بمختلف انتماءاتها هو الجلوس في حوار ومصالحة وطنية، وإعادة بناء الدولة اللبنانية الحديثة التي ستتحول الى اول دولة ديموقراطية وتعددية تؤثر في عموم الشرق الأوسط لما يحمله الشعب اللبناني من كل ثقافات العالم نتيجة الهجرات. وينبغي الإسراع في لغة التفاهم من اجل مرحلة الانتخابات المقبلة، ونسيان الماضي بكل آلامه وكوابيسه. وكذلك سورية بدورها، عليها ان تستوعب التجربة العراقية. فالضغوط الحالية عليها اصبحت تأخذ طابعاً دولياً الأممالمتحدة ? اوروبا ? اميركا. والمسألة ليست لبنان وحده. انها مجموعة من السياسات تراكمت منذ الاستفراد بكل شيء. والقيادة السورية واعية وتستوعب الأمور. وعلى سورية تنظيف البيت السوري من الداخل، ومصالحة الشعب السوري. وعليها إلغاء القوانين البالية كالطوارئ، وإعادة بناء هيكلية القضاء, وصيانته من الفاسدين وإلغاء محاكم امن الدولة الاستثنائية، وتبييض السجون من السياسيين وأصحاب الكلمة الحرة، وفتح الفرصة لأطياف المجتمع السوري للمشاركة في صوغ الحياة السياسية والدستورية. وهذا يقتضي الإسراع في الحوار الوطني مع الأكراد كثاني قومية في البلاد من اجل حل المسألة الكردية على قاعدة من الوحدة الوطنية، والابتعاد عن افكار الحزب الواحد، وتجنب إطلاق الشعارات المخادعة التي تدفع سورية وشعبها نحو الهاوية. لنكن واقعيين, وننظر الى الأمور من جوانبها. لا أن ننظر إلى سطح الماء، بل ما هو تحت الماء لكي لا نغرق، ونوهم انفسنا اننا نستطيع السباحة والعوم عكس امواج التغيير والديموقراطية التي تجوب محيطات العالم. جهاد صالح [email protected]