يحق لمبعوث الأمين العام للامم المتحدة تيري رود لارسن اعتبار"يوم 12 آذار مارس يوماً تاريخياً"في سجله الشخصي والمهني, ذلك انه حصل من دمشق على ماكان يريد وهو"التزام التطبيق الكامل للقرار 1559 والانسحاب الشامل للقوات العسكرية والامنية السورية من لبنان", على ان يعود الى دمشق في نيسان ابريل المقبل للحصول على"جدول زمني"بالانسحاب. ويمكن الحديث عن اسباب كثيرة ادت الى اعطاء الرئيس السوري بشار الاسد هذه الالتزامات الى المبعوث الدولي, بما يؤدي الى هذا"الانتصار الديبلوماسي الكبير"للارسن, بينها اعتقاد دمشق والمبعوث الدولي ان واشنطن"كانت تسعى الى افشال مهمة لارسن لممارسة المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على سورية", اضافة الى وجود قناعة بأن"عدداً من الدول العربية يقف على يمين الاطراف الدولية في كيفية النظر الى القرار 1559"والى"ضرورة عدم الوقوف في وجه الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن", وانتهاء بالضغوط الهائلة التي مورست على سورية من الأميركيين والأوروبيين. ويجوز الاعتقاد بأن جولة لارسن اسفرت عن تحقيق معادلة"ربح - ربح"كانت فيها سورية والامم المتحدة"مرتاحتين لنتائج المحادثات"التي شملت لقاء موسعاً مع الرئيس الأسد في حضور وزير الخارجية فاروق الشرع ونائبه وليد المعلم ومأدبة غداء جمعت المعلم ولارسن في حلب شمال البلاد. وفي مقابل عدم الاشارة الى اتفاق الطائف للعام 1989 باعتباره الاساس الذي يجرى وفقه الانسحاب الكامل من لبنان, فان الجانب السوري حصل على"اقرار دولي"للخطة التي انجزها المجلس الأعلى السوري - اللبناني وتقوم على اساس الانسحاب في مرحلتين. وتنص المرحلة الاولى على تجميع كامل القوات العسكرية والامنية في سهل البقاع مع عودة ثلثها الى سورية, على ان تجتمع اللجنة العسكرية السورية - اللبنانية في الاسبوع الاول من نيسان ابريل لتحديد جدول زمني للانسحاب الكامل. وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة"امس ان لارسن سيزور دمشق بعد ذلك للحصول على"جدولة الانسحاب الكامل". وكان الجانب السوري مرتاحاً لاقناع المبعوث الدولي ب"تدرجية الانسحاب"اذ تقوم اللجنة العسكرية بتحديد مواعيد التحرك"عندما يكون الجانب اللبناني مستعداً لملء المواقع التي سيخليها الحانب السوري". وقالت المصادر:"هناك حرص سوري ولبناني ودولي على استقرار لبنان, بالتالي فإن الداعيين الى الانسحاب الفوري يريدون الفوضى في لبنان". وبينما تعتقد دمشق بأن"الانسحاب الكامل يعني وفاء سورية بجميع التزاماتها تجاه القرار 1559", فان لارسن امل من الجانب السوري"التعاون"في تنفيذ البنود الاخرى المتعلقة بالانتخابات ونزع سلاح"حزب الله", وهي امور تعتبرها دمشق"شؤوناً داخلية لبنانية". وفي مقابل وضوح ان اعادة الانتشار ستحصل قبل نهاية آذار الجاري سواء حصل ذلك قبل القمة العربية أم لم يحصل, هناك ترجيح ان يحصل الانسحاب الكامل قبل الانتخابات النيابية اللبنانية في ايار المقبل, لكن لا تزال"جميع الاحتمالات مفتوحة, لأن حصول الانتخابات في ايار ليس اكيداً طالما ان القانون لم يقر الى الآن". ولا شك في ان عودة القوات السورية الى الوطن بعد نحو ثلاثين سنة في لبنان, ستفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية - اللبنانية. تبدأ من ضخ الدماء في العلاقات عبر المؤسسات اللبنانية الى البحث في التوصل الى اتفاق مع الحكومة اللبنانية الجديدة في شأن وجود مواقع للانذار المبكر في سهل البقاع حفظاً للأمن الاستراتيجي لسورية ولبنان, وصولاً الى"التفكير"في فتح سفارة لسورية في لبنان للمرة الاولى منذ استقلال البلدين في اربعينات القرن الماضي. وبحسب المعلومات المتوافرة ل"الحياة"فان هذه الافكار ستكون ضمن الحوارات التي سيجريها اليوم السفير المعلم مع جميع السفراء المعتمدين في دمشق, ذلك انه سيبدأ استقبال السفراء في مجموعات اعتباراً من التاسعة والنصف صباحاً. ويتوقع ان يرتكز البحث الى خطاب الأسد امام البرلمان ليصل الى نتائج جولة لارسن بعد توقفه عند نتائج اجتماعات المجلس الاعلى واللجنة العسكرية السورية - اللبنانية.