هدف السياسة أن تغيّر الأمور. ونشهد في الشرق الأوسط تغيّرات ايجابيّة كثيرة كما هي الحال في اسرائيل - فلسطين، في لبنان، في العراق وفي مصر وعدد من دول الخليج. لا يمكننا التحدّث بعد عن توجّه منتظم أو عن اختراق لا عودة عنه. ولكن من الواضح أنّ حالة جديدة تلوح في الأفق. ويرحّب الاتحاد الأوروبي بصفته صديقاً لبلدان الشرق الأوسط واتحاداً للديموقراطيات بهذا التقدّم نحو الاصلاح الديموقراطي. لا شك في أنّ التغيير في الشرق الأوسط وسواه من المناطق هو عملية طويلة الأمد تحصل لأسباب عديدة. وتلعب كلّ من العوامل المحليّة والاقليميّة والعالميّة دوراً حسب سلّم أهميتها. وفي سبيل النجاح، يجب أن تنشأ التحرّكات الديموقراطيّة في أرضها وأن تتكيّف مع الظروف المحليّة. كما أنّ من الضروري أن يجد كلّ مجتمع طريقه الخاص والمضيّ قدماً في الاتجاه الذي يرسمه. غير أنّ الخارج يمكن، بل يجب، أن يؤدّي دوره. فهو قد يساعد خصوصاً في خلق إطار يقود الى التغيير السياسي، ومتى انطلقت عجلة التغيير، يمكن أن يدعم الخارج قوى الاصلاح السياسي ويكافئها. إنّ القيام بلعب الدور الداعم يناسبنا نحن الأوروبيين. ففي النهاية، تجري قيم الديموقراطيّة وحقوق الانسان في دمنا. وقد شكّلت هذه القيم ركيزة الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه. كما مثّلت الرغبة في الانضمام الى هذه الجماعة الديمقراطيّة عاملاً قوياً للتغيير والاستقرار في أوروبا. ولعبت الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي دوراً مهمّاً في تعزيز الديموقراطيّة في شرق أوروبا أولاً ثمّ في أوروبا الوسطى. والجدير ذكره أنّ الثورات ليست كلّها سلميّة ولا يؤثّر سوى القليل منها في إظهار تنائج ديموقراطيّة ثابتة. فكان تحقيق هذه النتيجة في أوروبا الوسطى مردّه الى وجود جماعة ديموقراطيّة محصّنة وقويّة في أوروبا. فلنتابع إذاً استعمال قوّة أوروبا وقدرتها على الاجتذاب والاستقرار والتحوّل. ويخلق توسيع الاتحاد الاوروبي نطاقاً واسعاً من الحريّة والديموقراطيّة والاستقرار. فالآن دور بلغاريا ورومانيا تتبعهما تركيا ودول البلقان. وتتميّز هذه الطريقة في نشر الديموقراطيّة وحمايتها، وفقاً لأسلوب الاتحاد الاوروبي، بانّها إراديّة وفاعلة وتحظى بنجاح استثنائي. حتّى من دون مشهد تعاظم الاتحاد الاوروبي، لا تزال قوّة أوروبا الجاذبة صلبة. ففي جورجيا عام 2003 وفي أوكرانيا العام الماضي، حدثت التحرّكات الديموقراطيّة لأنّ الناشطين المحليين دعوا بشكل مدروس الى اعتماد المعايير الاوروبيّة ولأنّهم تلقّوا دعماً قويّاً من الاتحاد الاوروبي والدول الأعضاء فيه. وفي المقابل، وقد شجعت تجربتا جورجياوأوكرانيا آخرين على القيام بالمثل في أوروبا وخارجها. أمّا الأساس الذي يسيّر سياستنا في الدول المجاورة لأوروبا فيرتكز الى أنّ البلدان التي تخطو خطوات سريعة على طريق الاصلاح ستكافأ بحصولها على علاقات وثيقة مع الاتحاد. ويسري هذا الأمر على كافة جيراننا في الشرق والجنوب. فعلى مرّ عشرة أعوام، حاولنا بناء مجتمعات منفتحة وأسواق مفتوحة في منطقة أوروبا المتوسّطيّة من خلال اتفاقيّة برشلونة. وبروح من الشراكة، قمنا بترويج الأمن والتطوّر. وكانت هذه الأهداف مدروسة: فالتغيير الديموقراطي لا يمكن أن يحدث وينجح إلا إذا شعر الناس بالازدهار والأمان. ويُعتبر التحوّل الى الديموقراطيّة هدفاً صعباً خصوصاً في أنظمة سياسيّة صلبة ووسط ضغوط اقليميّة كبيرة. ويتطلّب جعل الحكّام يتخلّون عن بعض نفوذهم جوّا من الثقة والتفاؤل يعتمد بالمقابل على ظروف الأمن الخارجيّة. وتوقّفت اتفاقيّة برشلونة عندما وصلت عمليّة السلام الاسرائيليّة -الفلسطينيّة الى حائط مسدود. ومن هذا المنطلق، علينا اغتنام الفرص الجديدة لاحلال السلام في اسرائيل وفلسطين في سبيل تقديم برنامج واسع لنشر الأمن والديموقراطيّة والتطوّر عبر الشرق الأوسط الكبير. يثق الاتحاد الاوروبي بأنّ التغيير لن يحصل بين ليلة وضحاها. لكنّه التزم على المدى البعيد في المنطقة وهو يستند على موارد ضخمة لذلك. فكلّ عام، وبدون القيام بدعاية، ينفق الاتحاد الاوروبي أكثر من بليون يورو كمساعدات وبليوني يورو من خلال قروض ميسّرة. إننا نتطلّع ونركّز على الشروط المهيّئة للتطوّر الديموقراطي الناجح. ومن بين هذه الشروط نهتمّ بالاعلام الحرّ والنظام القضائي المستقلّ ومجتمع مدني ناشط بالاضافة الى المؤسسات العامة الفعّالة والقطاع الخاص القويّ. بالتأكيد يتخطّى ترويج الاصلاح السياسي النقاشات العامة وإنفاق الأموال. فالحوارات السياسيّة التي نجريها مع البلدان في الشرق الأوسط كافة تزوّدنا بفرص كثيرة لزيادة الاهتمام بحقوق الانسان أو باتجاه التغيير السياسي وسرعته. وغالباً ما تعطي كلمة حول وعد من الخارج وقعاً أكثر إيجابيّة من أيّ خطاب طويل. يريد كلّ من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة زيادة الديموقراطيات حول العالم. وكلانا يعلم أيضاً بأنّ القيام بذلك عمل شاق وقد تكون له نتائج غير متوقّعة. صحيح أننا نطرح اقتراحات وأساليب مختلفة ونستخدم أحياناً لهجة مختلفة عن أصدقائنا الأميركيين، ولكن حقوق الانسان والحكم السليم والقانون تتلازم مع الديموقراطيّة والحرّية. وطالما تعزز الاستراتيجيّة الخاصة لكلّ منا الآخر - وهذا ما يحدث - تشكّل هذه التعدديّة في ترويج الديموقراطيّة مصدر قوّة. تنشط الأحداث في الشرق الأوسط، وتدعو أصوات متزايدة الى تعددية أكبر ومساءلة أكثر وبالطبع الى ديموقراطيّة أكثر. وعلى أوروبا أن تلعب دوراً فريداً، فهي التي انطبع تاريخها بثورات سلميّة وهي التي تملك سوقاً واسعاً وميزانيّة للمساعدة. لقد حان الوقت للاجابة على النداء الديموقراطيّ الذي اطلقته أوروبا في البلدان الجنوبيّة المجاورة. الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.