على رغم ان نحو ثمانين عاماً على اكتشاف النفط في العراق وحفر اول بئر عملاقة في بابا كركر/ كركوك عام 1927، الا ان صناعة النفط العراقية كانت في كثير من العهود ضحية لحروب وحصار وسوء ادارة للانتاج والصيانة لأسباب متعددة، فرضت على تلك الصناعة والعاملين فيها، وأصبحت طاقات الانتاج والتكرير وصناعة الغاز لا تتناسب مع حجم الاحتياطات الهائلة للبلد. يعلم الجميع ان مخزون النفط في العراق من الاحتياط الثابت مؤهلة لاحتلال مرتبة متقدمة بين الدول المنتجة للنفط تصل الى المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية، لا بل ان ما يتوافر ايضاً بحسب كل التقويمات الجيولوجية والمكمنية تؤكد ان ما يمكن اضافته من احتياطيات ثابتة جديدة قد تضاعف ما هو معلن من ارقام حالياً والبالغة الآن بحدود 112 بليون برميل. بقي انتاج النفط في العراق لغاية نهاية الخمسينات من القرن الماضي منخفضاً لمصلحة زيادة الانتاج من دول اخرى في المنطقة ومن سياسة اعتمدتها الشركات الاحتكارية آنذاك. وبعد صدور القانون الرقم 80 عام 1961 والذي تم بموجبه الغاء امتياز تلك الشركات لأكثر من 99 في المئة من الاراضي العراقية وحصرها في المناطق المنتجة توقفت عمليات الاستكشاف والتطوير ولم تستأنف الا بعد العام 1968. ووصل انتاج النفط العراقي أقصى معدل له عام 1979 اذ بلغ نحو 3.4 بليون برميل يومياً ولم يتم بلوغ تلك المعدلات مرة اخرى لغاية يومنا هذا لا بل ولا يؤمل الوصول اليها الا بعد بضع سنوات من الآن في احسن الاحوال. وفي عام 1979 ايضاً باشرت شركة النفط الوطنية تنفيذ مشاريع عملاقة لزيادة طاقة الانتاج الى 5.5 مليون برميل يومياً وذلك بعد اكتشاف عدد من الحقول العملاقة وأصدرت وثائق المناقصة الخاصة بكل من حقول غرب القرنة ومجنون ونهر عمر وشرق بغداد، اضافة الى مشاريع توسيع طاقات النقل والخزن والتصدير وعمليات التصفية وتصنيع الغاز، الا ان تطور تلك الحقول توقف كلياً لنشوب الحرب العراقية ? الايرانية في ايلول سبتمبر 1980 حيث وقعت منشآت النفط الاستخراجية والتحويلية ضحية لتلك الحرب الضروس التي استمرت ثماني سنوات وهبطت معدلات الانتاج الى اقل من مليون برميل يومياً ومعدلات التصدير لحوالى 600 ألف برميل يومياً فقط. وباشر العراق باستيراد مشتقات نفطية لسد النقص في انتاج المصافي بين 1981 و1983. وعلى رغم ان التركيز خلال تلك الحرب كان منصباً على تصليح واعادة بناء المنشآت، الا ان اجهزة الوزارة والشركة تمكنت خلال الثمانينات من انجاز عدد من المشاريع الكبيرة خصوصاً في مجال التصفية وصناعة الغاز وذلك باضافة ثلاث مصاف في مجمع بيجي بمجموع 290 ألف برميل يومياً ومنشآت تصنيع الغاز في الشمال والجنوب بطاقة تصل لأكثر من 5.5 مليون طن سنوياً مع آلاف الكيلومترات من خطوط نقل النفط الخام والغاز والمشتقات النفطية والعديد من مستودعات الخزن. أما بالنسبة الى النفط الخام تمت مضاعفة طاقة الخط العراقي ? التركي الى 1.6 مليون برميل يومياً في العام 1987 وبناء انبوب النفط عبر السعودية على مرحلتين بلغت 1.6 مليون برميل يومياً اواخر العام 1989. وبدأت طاقة العراق الانتاجية تسترد عافيتها ووصلت في تموز يوليو 1990 وقبل غزو العراق للكويت ما يعادل 3.2 مليون برميل يومياً، وكان من المؤمل وصولها الى 3.8 مليون برميل يومياً نهاية عام 1990 ثم 4.2 مليون برميل يومياً عام 1991... كما تمت في اوائل عام 1990 اعادة الاعلان عن خطط للاستثمار لتطوير الحقول العملاقة الخمسة السابقة ووفق صيغ تكفل بمشاركة جهات اجنبية، الا ان ذلك توقف نتيجة غزو العراق للكويت. وفي كانون الثاني يناير وشباط فبراير 1991 وخلال حرب الخليج الثانية تعرضت منشآت النفط لضربات موجعة ومدمرة كانت اشد وقعاً عما تعرضت له خلال الحرب العراقية ? الايرانية، بل ووصل الدمار الى بعض المنشآت الى اكثر من 90 في المئة، كما واستمرت صناعة النفط تترنح بعد ذلك لاستمرار الحصار الذي دام حتى عام 2003 نتيجة شح الموارد والامكانات والمعدات. وبعد المباشرة ببرنامج النفط مقابل الغذاء عام 1997 تم رفع سقف الانتاج لاحقاً، فقد اعتمد العراق سياسة تعظيم الانتاج من اجل تعظيم الايرادات والتي ادت الى زيادة كبيرة في اعادة حقن المشتقات النفطية في المكامن، وتم الابتعاد عن الاسس السليمة لادارة الانتاج مع انعدام شبه كامل لعمليات الحفر واستطلاع الآبار وصيانة المنشآت، كما تم توثيقه من خلال العديد من تقارير وزارة النفط وكذلك ما اوضحته الاممالمتحدة من خلال تقاريرها الدورية. وعلى رغم ان معدلات الانتاج قبل الحرب الاخيرة قد وصلت الى ما يقرب من 2.8 مليون برميل يومياً، الا ان ذلك كان واضحاً على حساب سلامة المكامن خصوصاً الكبيرة منها كركوك والرميلة. ومن المؤسف ايضاً ان سلطات الاحتلال التي تولت ادارة شؤون العراق وتحديد سياسة الانتاج اعتمدت هدف زيادة الطاقات الانتاجية الى ثلاثة ملايين برميل يومياً من دون مراعاة حالة المكان والمنشآت. ولم تبدأ أي محاولات جدية للسير في نهج سليم الا بعد استلام الكادر العراقي المسؤولية في شكل شبه كامل منتصف العام 2004 الا ان النتائج كانت محدودة ايضاً لشحة الموارد المالية التي وضعت في تصرفها ولزيادة اعمال تخريب المنشآت وانعدام الامن والاستقرار وعزوف الشركات الاجنبية عن العمل. يذكر ان احدى النتائج المتقدمة هي اقدام وزارة النفط على احالة عدد من عقود تقويم الحقول لشركات نفطية واستشارية اجنبية وأهمها دراسات لمقلي كركوك والرميلة والتي لا يتوقع ظهور نتائجها لغاية اوائل العام 2006. واستناداً الى ارقام وزارة النفط فإن الطاقة الانتاجية لا تتجاوز في احسن الحالات 2.5 مليون برميل يومياً عام 2005. والأصح من ذلك هو خفضها قدر الممكن من اجل تحجيم الاضرار المكمنية وحتى تنفيذ مشاريع جديدة للحفر والاستصلاح والصانة. أما ما يتعلق بخطط تطوير الحقول العملاقة والمتعثرة منذ عام 1979 فإن ذلك سيتطلب استثمارات تزيد على 30 بليون دولار مع ضرورة مشاركة جهات اجنبية متخصصة لتقديم الدعم الفني والاداري وتطبيق التكنولوجيا الحديثة في الصناعة النفطية، وهذا امر لا يتوقع المباشرة به الا بعد قيام العراق باصدار التشريعات القانونية والمالية وتحديد سياسة نفطية واضحة المعالم. وفي احسن الاحوال فإنه من غير المتوقع ان تزيد طاقة العراق الانتاجية في شكل كبير قبل عامي 2011 و2012. وختاماً وللتوضيح بالأرقام عن حال الصناعة النفطية في العراق نذكر ما يأتي: - اكتشاف حوالى 526 تركيباً تمت دراستها وتصنيفها. - اجراء عمليات حفر في 125 من تلك التراكيب أي في حدود 20 في المئة فقط. - تم تحديد 75 حقلاً نفطياً الا انه لم يتم تطوير اكثر من 15 حقلاً بما فيها حقول كركوك والرميلة والزبير وعندها. - يمكن اضافة طاقة جديدة تصل الى ثلاثة ملايين برميل يومياً بتطوير 11 حقلاً جديداً في المنطقة الجنوبية وطاقة جديدة تصل الى نصف مليون برميل يومياً بتطوير 11 حقلاً في المنطقة الشمالية و300 ألف برميل في اليوم من خلال تطوير ثلاثة حقول في المنطقة الوسطى، كما يمكن اضافة نحو 900 ألف برميل في اليوم لعمليات تطوير اضافي لحقول منتجة حالياً أي بما مجموعه حوالى 4.7 مليون برميل يومياً. ولا بد من التطرق في الختام الى حال مؤسفة تتعلق بشح المشتقات النفطية حالياً لمحدودية عمليات تشغيل المصافي العراقية لأسباب تتعلق بمشاكل توفير الطاقة الكهربائية واستمرار تعرض الانابيب لعمليات التخريب والزيادة الهائلة في اعداد السيارات ما جعل العراق مستورداً للعديد من المشتقات النفطية وبكلفة تصل الى اكثر من 2.5 بليون دولار سنوياً مع استمرار ظاهرة الاسواق السود وارتفاع الاسعار احياناً لما يزيد على 50 ضعفاً عما هي عليه الاسعار الرسمية. استشاري في شركة السنام للاستشارات، ووزير النفط العراقي بين 1987-1990