يُنتظر ان يمنح الجزائريون اليوم، من خلال تأييدهم"ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة"تفويضاً"لإكمال سياسته في طي صفحة الماضي الأليم. ويراهن مؤيدو الرئيس الجزائري على ارتفاع نسبة المشاركة في الاستفتاء على الميثاق الذي يمنح عفواً جزئياً عن المسلحين الذين لم يتورطوا في مجازر جماعية أو تفجيرات عشوائية. لكن لا يبدو ان المتشددين الاسلاميين المسلحين، مثل الجماعة الاسلامية المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال، راغبون في الاستفادة من العفو والتخلي عن العمل المسلح، وإن كانت ثمة تكهنات بأن عدداً من المسلحين سينزل بالتأكيد من الجبال ويسلم نفسه. راجع ص6 ويتوقع ان يحدد بوتفليقة، بعد الاستفتاء، الطاقم الذي سيساعده في تنفيذ سياسته، لكنه لن يتخلى على الأرجح عن رئيس وزرائه الطموح السيد أحمد أويحيى إلا إذا كان عازماً على تغيير جوهري في طبيعة الحكم. وليس واضحاً هل سيحل البرلمان ويدعو الى انتخابات جديدة أم ينتظر سنة أخرى ويجريها في موعدها. ويُتوقع ان يلجأ في مرحلة لاحقة الى إعلان تغييرات في المؤسسة الأمنية تكرس ابتعاد الأسماء المرتبطة بما حصل عام 1992، تاريخ تنحي الرئيس الشاذلي بن جديد والغاء الانتخابات التي فاز فيها الاسلاميون. وقد مهّد بوتفليقة الطريق أمام ابتعاد هؤلاء، بمحض ارادتهم على الأرجح، من خلال تأكيده ان ميثاق السلم يمنح حصانة لأعضاء الجيش والأمن الذين ربما ارتكبوا تجاوزات - على رأسها ملف"المفقودين"- خلال جهودهم لمكافحة الجماعات المتشددة. ويقول سياسي جزائري مخضرم ان بوتفليقة يسعى الى"تفويض شعبي"لإكمال"الانجازات"التي حققها منذ وصوله الى الرئاسة في 1999. وعدد السياسي بعض هذه"الانجازات"وبينها: - ابعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم. وقد تمثل ذلك في أمرين أساسيين هما فصل قيادة أركان الجيش عن المؤسسة الأمنية الاستخبارات التي باتت عملياً في تصرف رئاسة الجمهورية على رغم انها تتبع رسمياً وزارة الدفاع. وسمح هذا الفصل بين الأركان والاستخبارات لبوتفليقة في الوصول الى سدة الرئاسة لولاية ثانية في 2004، وأتاح له لاحقاً ازاحة معارضيه من قيادة الأركان وعلى رأسهم الفريق محمد العماري. ويُتوقع ان يلجأ بوتفليقة الآن، بعد حصوله على التفويض الشعبي في استفتاء اليوم، الى اجراء تغييرات ممثالة في مؤسسة الأمن التي يقودها الجنرال محمد مدين توفيق. لكنه لن يفعل ذلك بالتأكيد سوى بالتشاور مع قادة هذه المؤسسة الفاعلة جداً في الحكم. ويتردد ان بعض قادة أجهزة الأمن هم من أبدى الرغبة من الابتعاد عن الحكم بعد سنوات قادوا فيها المواجهات مع الجماعات المسلحة. - طي ملف الجبهة الاسلامية للانقاذ نهائياً من خلال منح العفو لقادتها وعناصرها الذين حملوا السلاح. وعلى رغم ان كثيرين من قادة هذه الجبهة مستاؤون من تحميل بوتفليقة حزبهم فقط مسؤولية ما حصل في الجزائر من عنف بدءاً من 1992، إلا انهم يعرفون ان الجبهة مفككة ولا مجال أمامها سوى السير في مشروع المصالحة. ولاحظ السياسي انه على رغم ان بوتفليقة أكد منع قادة"الانقاذ"من ممارسة السياسة، إلا ان ليس هناك ما يمنع مناصريها من ممارسة السياسة مستقبلاً وقد يكون ذلك من خلال حزب جديد أو من خلال أحزاب موجودة حالياً. - إعادة الإمساك بجبهة التحرير الوطني، أكبر الأحزاب الجزائرية، بعدما كان أمسك بها مؤيدو منافسه رئيس الحكومة السابق علي بن فليس. وعلى رغم ان الجبهة حالياً في عهدة وزير الخارجية السابق السيد عبدالعزيز بلخادم وزير في الحكومة الحالية، إلا ان ثمة تكهنات بأن رئيس الجمهورية غير مقتنع بأداء الجبهة ويريد تغييرات أوسع فيها. - تحقيق فائض كبير في احتياط الدولة من العملات الأجنبية وخفض الدين الجزائري الى نحو 22 بليون دولار كان أكثر من 30 بليوناً. لكن المصدر يُقر بأن هذا"الانجاز"الاقتصادي ليس لبوتفليقة فضل كبير فيه، بل هو تحقق نتيجة ارتفاع اسعار النفط والغاز عالمياً. لكن ارتفاع احتياط الدولة مالياً سمح لبوتفليقة باطلاق مشاريع تنموية في مناطق عدة.