يعود إلى القضاء المدني تحديد الخلل في سلوك العسكريين الفرنسيين الذين قتلوا جريحاً في 13 أيار مايو 2005 بغرب شاطئ العاج. ولكن القضاء لن يحلل الدوافع النفسية التي حدت بالجنود والضباط إلى الخروج على المعايير الأخلاقية. فالأخلاق هي في صلب تربية الجيش الفرنسي. ويتحمل ضباط هذا الجيش مسؤولية كبيرة. فهم مرجع العاملين بإمرتهم. وعندما تسوء الأمور يطلب الجنود التوجيهات العملية والأخلاقية من قادتهم. فالجيش بمنزلة عائلة تملك مدونة قوانين خاصة بها، وتربط لحمة قوية بين أعضائها. فالجندي يقبل تقديم مستقبل الجماعة على رفاهيته، مقابل رعاية الجيش له وحمايته. وشرط هذه الحماية التزام"مدوّنة عائلته"وأخلاقها. وغالباً ما يشعر العسكريون بأن الجيش هو ملاذ المجتمع الحديث الاخير. وهو مجتمع تتلاشى فيه القيم والمعايير. ويلاحظ الضباط الموكلون بتدريب جنود شباب، ومعظم هؤلاء متحدر من أسر مفككة، على القتال تحولاً في شخصيات هؤلاء بعد خمسة اشهر من التدريب. ويدرك الضباط حجم المسؤولية على عاتقهم وحدود هذه المسؤولية. فلا يسع مجتمعاً يفقد أخلاقه التمتع بجيش أخلاقي. ويفترض في الجندي التمتع بحق القتل من جهة، والسيطرة على العنف عنف الجندي نفسه من جهة أخرى. وهذا ما تنص عليه"مدوّنة الجندي". ولكن الفرق بين النظرية والواقع في ساحة المعركة كبير. فماذا يبقى من القيم والأخلاق عند احتدام العنف؟ وكيف يمسك المرء نفسه عن الانتقام عندما يواجه أعمالاً بربرية؟ ويعرف الجنود حق المعرفة قوة أعمال العنف و"دوامها". فعندما يلجأ المرء إلى العنف يصعب عليه التوقف من تلقاء نفسه. فهو يحتاج إلى عزم كبير. وشأن هذا العزم شأن قوة قديرة على تحريك الجماد. وعلى سبيل المثال، قبض جنود فرنسيون على قاتل أو مبيد من إبادة عشرات من الأطفال برواندا في 1994. ولم يستطيعوا تمالك أنفسهم، وضربوا سجينهم. وأجمع المشاركون في مؤتمر عُقد في مدينة"سان سير"عن موضوع الأخلاق العسكرية، على أن العنف لا يجدي نفعاً. فالتاريخ أثبت أن"الحرب الشاملة"، وهي تزدري قوانين الحرب وأخلاقها، تنقلب على من ينتهجها، ولا تفضي الى انتصار دائم على الخصم. ونهج هتلر، أي إطلاق عنان البربرية وإعطاء حرية كبيرة لقادة الجيش، خير دليل على ذلك. ولكن هل التزام الاخلاق يعني الضعف؟ فمن يرفض اراقة الدم لا يسعه الفوز على غريم يريق الدم، بحسب كارل فون كلوزفيتس الجنرال البروسي المعاصر لنابوليون وصاحب"كتاب الحرب". ولكن جنرالات الجيش الفرنسي يبذلون جهدهم في الدعوة الى تقديم الاخلاق على نهج حربي عنيف ومجد. عن لوران زكيني،"لوموند"الفرنسية. 21/12/2005