الحفلة الغنائية التي أحيتها المطربة ماجدة الرومي ليل اول من امس في قاعة"فوروم بيروت"كانت حفلتها هي، بمقدار ما كانت ايضاً حفلة جمهورها الذي بلغت به الحماسة شأوها، حتى انه لم يتوان عن الهتاف والتصفيق في ما يشبه العاصفة. وعندما غنت"يا بيروت"وقف الجمهور طوال الاغنية تحية منه للمطربة والمدينة في آن واحد. وبدت حماسة الجمهور الكبيرة حماسة فنية ووطنية، فهو بات يرى في ماجدة الرومي رمزاً للحرية والكرامة خصوصاً بعدما أحيت حفلة 13 نيسان في ساحة البرج او ساحة الحرية. أحيت ماجدة الرومي الحفلة دعماً لصندوق المنح الطالبية في الجامعة الاميركية. وهذه حفلة اخرى تضاف الى قائمة الحفلات الخيرية الكثيرة التي دأبت مطربتنا على احيائها مجاناً، خصوصاً انها سفيرة منظمة"الفاو"العالمية، فما اكبر قلب ماجدة الرومي، وما أقل حبها للمال والمنفعة المادية، هي التي عانت الكثير في المرحلة الاخيرة بعيد الانفصال الزوجي، وظنّ الكثيرون انها لن تتمكن من النهوض. ولكن لم تمضِ فترة حتى نهضت هذه المطربة من كبوة الحياة العائلية، قوية أكثر من قبل، وأشد عذوبة وابداعاً، وكأنها الآن تحيا مرحلة جديدة مفعمة بالعطاء والتخطي. كأن الألم الذي عانته زاد من نار موهبتها وأضرم في داخلها شعلة الفن والحياة. وراء"سماء"مطرزة بالنجوم وقفت هذه النجمة الحقيقية تغني، بنضارتها والقها، وشاءت ان تستهل حفلتها باغنية"يا حلم يا لبنان"مذكرة الجمهور بأن لبنان سيظل بمثابة الحلم الذي لن تنال منه أي عاصفة ولا أي مؤامرة. ومثلما غنت من قديمها غنت من جديدها ايضاً خمس اغنيات هي من اسطوانتها التي ستصدر قريباً، وعبرها ستحقق نقلة غنائية باهرة، تنطلق من ذاكرتها الى أفق أشد توهّجاً وتألقاً. ربما لم يستطع الجمهور ان يصغي جيداً الى الاغنيات الجديدة من جراء الحماسة التي ألمّت به، لكن هذه الاغنيات بدت مميزة صوتاً ولحناً وكلمات، وقد أدتها ماجدة بقوة ورقة ولين، ساعية الى جعلها متناغمة كل التناغم مع قديمها الغنائي. اما الالحان فهي من مروان خوري وملحم بركات وجان ماري رياشي... ولا بد من عودة هادئة الى الاسطوانة حين صدورها، لأن التصفيق والهتاف كادا يطغيان على الجو جاعلين اياه جواً احتفالياً. لم يغب الطابع الوطني عن حفلة ماجدة الرومي لحظة، فالجمهور الذي بلغ الآلاف وضاقت به الصالة الهائلة جاء يستمع الى مطربته مثلما جاء ايضاً ليعبر عن موقفه ورأيه والتزامه الخط اللبناني، وكأن الحفلة هي"هايد بارك"غنائي وموسيقي. ولم تكن ماجدة الرومي تحتاج الى اكثر من ان تغني معيدة الى الذاكرة صورة بيروت الناهضة من خرابها وحروبها ومآسيها. وغنت ماجدة كعادتها برخامة صوتها المرمري وحنان قلبها الكبير وبعفوية نادرة... وكأنها لم تغب طوال سنوات عن المسرح، هذا الذي تعرف كيف تملأه وجداً وحنيناً وفرحاً، بصوتها وقامتها الرشيقة وحركتها المحببة وغير المفتعلة. وعندما حيّت رئيس الوزراء فؤاد السنيورة الذي كان في مقدم الشخصيات السياسية اشتعلت الصالة تصفيقاً وكأن هذا الرئيس اصبح بدوره نجماً شعبياً. حفلة نادرة فعلاً وجميلة، أعادت المطربة الى جمهورها وأعادت الجمهور بدوره الى مطربته الذي زاد غيابها لفترة، من حضورها ومن اشرافها كنجمة لها مكانها في الذاكرة والقلوب.