«لنغني لكل لبنان، لبنان السلام، ناس بدهم يعملوه يمين وناس شمال، ناس بدهم يعملوا هيك وناس هيك، وهو هيك وهيك»، هذا ما قالته ماجدة الرومي لجمهورها المحشور في مسرح قصر الإمارات الذي امتلأ حتى آخره، وكان من الواضح انه كان جمهوراً لبنانياً بالدرجة الأولى. فمع أغنية «راجع يتعمر لبنان» وقفت الصالة بأكملها وغنت مع ماجدة الرومي التي لوحت بالعلم اللبناني الذي قدمه لها احدهم في الصالة، كما رقصت بطربوش أحمر قدمه لبناني آخر. ولكنها كانت ليلة لن تمكّن أحداً من الأطراف اللبنانية (التي ينتقل صراعها أينما حلت جاليتها) أن يدعي «امتلاكه» ماجدة الرومي. لقد فعلت في هذه الحفلة ما فعلته في حوارها مع مارسيل غانم على قناة «أل بي سي» الفضائية في اليوم الأول من السنة. وحاول غانم على امتداد الحلقة انتزاع موقف سياسي من الفنانة، في ظل اصطفاف سياسي حاد في لبنان تورط به معظم الفنانين، وفي ظل تنافس على الرومي نفسها التي لم تسلم من هجوم أحد من الأطراف. فهي شاركت في احتفالات وسط بيروت إثر إزالة اعتصام المعارضة، وهي عبّرت قبلها عن اعتزازها بالمقاومة وسلاحها. ولكن ما فعلته الرومي في حفلة قصر الإمارات التي أتت بعنوان «حفل السلام» في اطار «مهرجان ابو ظبي السادس للموسيقى والفنون»، ليس الحيادية السلبية، لكن الحيادية التي أرادتها موقفاً بحد ذاته، مفاده أن جمال لبنان هو في اختلافه. وقالت في بداية الحفلة: «جئنا من بيروت نغني السلام والحب والشعب اللبناني الذي لا يستسلم، جئنا وفي القلب لبنان الرسمي، لبنان الكل مع أمل الكل بألاّ تفرقنا مصالح وسياسة ودول كبيرة. لبنان لنا ومَن يحبنا يجب أن يعطينا السلام». وحاول أحد الشباب الحاضرين أن يوصل موقفه السياسي من خلال «ايقاع تصفيق خاص» بات إحدى إشارات الانتماء السياسي، لكن التجاوب العام الحار من الجمهور مع أغنيات الرومي، وتفاعله العالي معها، أخفيا هويات المشاركين وأحبطا محاولات بعضهم. وكانت المشاركة وقوفاً مع «راجع يتعمر لبنان» انتصاراً لموقف الرومي، وربما لرغبة الحاضرين بألا يكونوا إلا لوناً واحداً، ولم يمكن في أي شكل تحديد طبيعة المشاركين في هذه الحفلة اللبنانية بامتياز، إلا أنهم في معظمهم لبنانيون، ومن الفئة العشرينية وما فوق. الرومي وهي في حفلة من المفترض أن تكون عربية، حيث تأتي في إطار مهرجان عالمي في بلد عربي، لم تخف حماستها لتكون الليلة لبنانية، كما لو كانت بالفعل في وسط بيروت في مناسبة وطنية. ومع أنها قدمت الكثير من أغاني ألبومها الجديد «اعتزلت الغرام»، إلا أنها قدمت الكثير من الأغاني «اللبنانية» المحض، من «عم بحلمك يا حلم يا لبنان»، «يا بلادنا»، «راجع يتعمر لبنان»، و «يا بيروت»، إضافة الى مجموعة من الفولكلور اللبناني: «طلوا احبابنا» و «ليلتنا من ليالي العمر»... وهي أغان طغت على المناخ العام للحفلة. وكان لافتاً عدم تخصيص الرومي الفلسطينيين بأي كلمة، لا سيما أن إدارة المهرجان أعلنت أن ريع حفلاته يعود الى اهالي غزة من خلال الهلال الأحمر الإماراتي، وأن الكثيرين اشتروا بطاقاتهم أيضاً لأنها تأتي دعماً لغزة، وربما يأتي ذلك من باب رغبتها في عدم استفزاز احد من جمهورها، مع الاشارة الى رفضها الكامل إجراء أي مقابلات. ولكن في أي حال كانت ليلة ماجدة الرومي مساء أول من أمس، ليلة عاصفة بدت فيها المطربة على طبيعتها، تنقلت على المسرح بفستانها الأحمر الطويل بأنوثة بالغة. رقصت ودبكت قليلاً وتغنجت، على خلفية مسرح غلب عليه اللون الأحمر، وقدمت بعضاً من إنتاجها القديم المحبب جدا الى الناس، مثل «خدني حبيبي»، «ما حدا بعبي مطرحك بقلبي». أما أغنية «اعتزلت الغرام» التي لحنها ملحم بركات والتي تحمل عنوان شريطها الاخير، فقد تفاعل معها الجمهور «تطريباً» كما هي حال معظم ما يلحنه بركات، وطبعاً تألقت مع أغنية «كلمات» كالعادة... أما جملة الاغاني الجديدة التي لحّن الكثير منها مروان خوري وكتب كلمات بعضها، فجاءت تشبه المناخ نفسه السائد اليوم، ذلك المناخ الغنائي «الرومانسي» الذي يدخل فيه السكسوفون والاكورديون والبيانو كثيراً، والذي بات «موضة» قد يكون مروان خوري وفضل شاكر أكثر من كرّسها بكلام عامي يحاول أن يكون «رقيقاً» وقريباً ولكنه يسقط أحياناً كثيرة في العادية والتكرار.