حصل تغيير جذري في البيئة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط، بعد سقوط العراق في يد واشنطن، وأدى الى اختلاف الوضع عما كان عليه في فترة ربع القرن الاخيرة. وما كان تعويم الدور الإقليمي السوري منذ عام 1976، في الإستراتيجية الغربية وإلى حد"ما"السوفياتية، بعيداً من العين الأميركية الساهرة تجاه إمكان العراق خلافة مصر عبدالناصر في الزعامة العربية وخصوصاً بعد تحرره في آذار مارس 1975 من الهم الإيراني والجرح الكردي. في هذا الإطار، كان واضحاً للمخططين الاستراتيجيين الأميركيين ومن خلفهم مستشاروهم الإنكليز والإسرائيليون بأن فاعلية العرب، بعد انكفاء مصر مع"كامب ديفيد"، تقوم على لقاء"ما"بين بغدادودمشق، وهو ما فشل لأسباب ذاتية تتعلق بالنظامين الحاكمين في عامي 1978- 1979، ليعودا إلى التصادم والصراع عبر دعم العراق المعارضة السورية المسلحة في أعوام 1979/1982، وعبر دعم النظام السوري للإيرانيين في حربهم على العراق، الامر الذي تفاقم في لبنان 1989 عبر دعم العراق العماد ميشال عون، وصولاً إلى مشاركة النظام السوري في التحالف الدولي ضد العراق في حرب 1991. احتلال العراق في عام 2003 عنى لواشنطن انتهاءً لتلك الوظيفية الإقليمية التي قامت بها دمشق تجاه بغداد، وبالتالي فقدان النظام السوري احدى أهم أوراقه الإقليمية في ربع القرن السابق لذلك، بعد أن فقد الورقة الفلسطينية 1993 وورقة أكراد تركيا 1998 بالترافق مع اهتزاز الورقة اللبنانية بين يديه منذ عام 2000. ولا يمكن تفسير التوترات الأميركية تجاه دمشق، في الأسبوعين اللاحقين لسقوط بغداد، من دون ذلك، فيما كانت عودة واشنطن إلى تحريك التوتر مع دمشق في أيلول سبتمبر 2003، بعد هدوء حصل عقب زيارة الوزير باول لدمشق في أيار مايو 2003، تعبيراً عن وجود رؤية جديدة لدور النظام السوري في المنطقة باتجاه التحجيم قياساً على دوره السابق، وهو ما عبّر عنه ليس فقط الضوء الأخضر الذي أعطته إدارة بوش لقانون"محاسبة سورية"بعد ممانعة استمرت عاماً ونصف العام، وإنما أيضاً الغطاء الأميركي الواضح للغارة الإسرائيلية على"عين الصاحب"في سورية 5/10/2003. دلّت توترات العلاقات السورية - الأميركية، في خريف 2003، على أن السلطة السورية لم تستطع، بعد، أن توجد معادلة للتكيف مع الحقائق الإقليمية الجديدة الناتجة من تحول الولاياتالمتحدة إلى"جار حدودي"عند الحدود الشرقية لسورية، ليزيد ذلك عبر معركة التمديد للرئيس اللبناني، في صيف 2004، والذي عبّر عن حذر وقائي من دمشق، أخذ شكلاً من التمسك السوري بالاستاتيكو اللبناني القائم، أمام العاصفة الأميركية التي اختارت تحجيم الدور الاقليمي السوري عبر بوابة بيروت تماماً كما اختارت واشنطن، في صيف 1976، اعطاء هذا الدور حجماً اقليمياً كبيراً من خلال البوابة نفسها في ظرف تنامي قوة العراق الاقليمية واستقالة مصر من شؤون آسيا العربية. في هذا الإطار صدر قرار مجلس الأمن 1559 بعد سنة وخمسة أشهر من انتهاء الدور الاقليمي العراقي وتحول ذلك البلد العربي إلى ارض محتلة، وكانت حوافزه المشجعة عدم التجاوب السوري مع المتطلبات الأميركية في العراق: لم يكن ما جرى في بيروت ما بعد 14شباط / فبراير 2005 اكثر من استمرارية لذلك التوجه الأميركي، الذي وجد، بعد ذلك التاريخ، بيئة لبنانية محلية تتجه بغالبيتها نحو انهاء الوجود السوري في لبنان. كاتب سوري