دخل قرار الحكومة الاسرائيلية القاضي بايجاد منطقة عازلة في شمال قطاع غزة امس حيز التنفيذ، بعد ما صادقت هذه الحكومة على اقتراح المستويين العسكري والامني فرض المنطقة بقوة النيران. ويشمل الحزام الأمني الذي تنوي قوات الاحتلال الاسرائيلي فرضه بالنيران من الجو والبر والبحر شريطا يمتد من شاطئ البحر غرب بلدة بيت لاهيا حتى الحدود الشرقية خط الهدنة شرق بلدة بيت حانون بعرض يصل الى ما بين كيلو متر واحد الى نحو كيلو مترين. ويضم هذا الشريط الاف الدونمات الزراعية التي طالما حرم الفلسطينيون من الوصول اليها ابان سنوات الانتفاضة الخمس الماضية. ولم تدم فرحة المزارعين والمواطنين الفلسطينيين طويلاً، اذ عادوا الى هذه المناطق التي تقع الآن ضمن المنطقة العازلة، قبل أقل من اربعة أشهر، أي بعد الانسحاب الاسرائيلي من القطاع في الثاني عشر من ايلول سبتمبر الماضي. واذا كانت المنطقة الأمنية او العازلة التي كانت تحتلها قوات الاحتلال الاسرائيلي في شمال القطاع ابان الاعوام الماضية تضم مستوطنات"دوغيت"شمال غرب بيت لاهيا، و"ايلي سيناي"شرق البلدة و"نيتسانيت"شمال شرقي البلدة فانها اصبحت اليوم تضم منطقة"ايرز"الصناعية التي اطلق عليها الفلسطينيون بعد الانسحاب اسم منطقة فلسطين الصناعية، وكذلك اجزاء كبيرة من اراضي بلدتي بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا. ويهدف قرار اسرائيل ايجاد منطقة امنية عازلة إلى الحد من اطلاق الصواريخ أو منعها بالكامل من قبل النشطاء الفلسطينيين على اهداف عسكرية ومدنية اسرائيلية، بعدما عجزت قوات الاحتلال عن ايجاد حل لهذه المشكلة المزمنة ابان اعوام الانتفاضة الماضية. وما عزز من اتخاذ هذا القرار الخطير الذي رفضته السلطة والفصائل والمواطنون الفلسطينيون على السواء هو قدرة النشطاء الملحوظة اخيراً على اطلاق صواريخ وصلت حدود مدينة"اشكلون"المجدل/ عسقلان التي تبعد عن حدود القطاع الشمالية نحو 15 كيلو متراً. وزارت"الحياة"المنطقة العازلة امس وسط تحذيرات من قوات الامن الوطني الفلسطينية التي ترابط في مواقع بدائية معظمها من الخيام او المبنية من الصفيح، وسط اجواء من البرودة الشديدة والمطر الغزير الذي هطل امس لليوم الرابع على التوالي على القطاع. وقال ضابط في قوات الامن الوطني ل"الحياة"ان قوات الاحتلال ابلغتهم انها ستطلق النار على كل مواطن او سيارة فلسطينية تدخل المنطقة الشاسعة التي ترصدها ابراج مراقبة عسكرية اقامتها على طول خط الهدنة الشمالي للقطاع، الذي بنت على طوله جداراً خرسانياً مماثلا لذلك الجدار الذي تبنيه في الضفة الغربية. واضاف هذا الضابط الذي فضل عدم ذكر اسمه ان قوات الاحتلال اشترطت ان يتم رفع العلم الفلسطيني واضاءة اضاءات صفراء متقطعة من جانب كل سيارة عسكرية فلسطينية تنوي الوصول الى المنطقة، والا سيتم قصفها. وفي أجواء من الخطر الشديد والتحذيرات المتواصلة من قوات الامن الوطني الفلسطيني حاول الجنود والضباط الفلسطينيون منع طاقم"الحياة ال.بي.سي" من التصوير او الدخول في عمق المنطقة، خشية اطلاق النار على الطاقم خصوصاً ان دخوله المنطقة لم يتم وفق تنسيق مسبق مع قوات الاحتلال التي ترى في كل من يفعل ذلك عدواً ارهابياً. من جهتها، رفضت السلطة الفلسطينية القرار الاسرائيلي، وقال الناطق باسم وزارة الداخلية والامن الوطني الفلسطيني توفيق ابو خوصة ل"الحياة"ان اقامة المنطقة العازلة مرفوض من قبل السلطة الفلسطينية، مضيفا ان تعليمات واضحة اعطيت لقوات الامن الوطني بالبقاء في مواقعها، وكذلك الأمر بالنسبة للمواطنين بالبقاء في منازلهم واراضيهم الواقعة في نطاق المنطقة، وعدم التعامل مع التهديدات والاملاءات الاسرائيلية. واعتبر ابو خوصة ان"اقامة المنطقة العازلة محاولة اسرائيلية لاضعاف السلطة الفلسطينية والمس بسيادتها وشرعيتها، كما انها تستخدم في الحملة الانتخابية الاسرائيلية"قبل نحو ثلاثة أشهر على تنظيمها. ورأى القيادي في"حركة الجهاد الاسلامي"خالد البطش ان اقامة منطقة عازلة"هو تكرار لموقف صهيوني قديم لتجربة فاشلة لم تحم الصهاينة في جنوبلبنان..فشلت في الجنوباللبناني ولن تنجح في شمال القطاع". واعتبر البطش في حديث ل"الحياة"ان اقامة المنطقة"هي محاولة لاسعاف الحال المتردية لديهم، خصوصا بعد نجاح المقاومة باستهداف مدينة المجدل عسقلان بصواريخها". وطالب اسرائيل باحترام التهدئة كما فعلت فصائل المقاومة، وشدد على أن الفلسطينيين لن يقبلوا ان يدك شمال غزة وشرقها بالمدفعية وان تبقى المقاومة مكتوفة الايدي، معتبراً انه"لن تحميهم المنطقة العازلة، وان الذي يحمي الشعب الفلسطيني قوة المقاومة وليس ضعفها". واشترط البطش لوقف اطلاق الصواريخ على اهداف اسرائيلية خارج حدود القطاع بوقف اسرائيل قصفها المدفعي واستمرار عمليات الاغتيال وقصف المنشآت المدنية الفلسطينية. واعتبر انه لا يعقل ان ينعم المستوطنون في المجدل بالهدوء ولا ينعم به سكان شمال القطاع. من جانبه، اعتبر الناطق باسم حركة"حماس"سامي أبو زهري ان"شعبنا في حال دفاع عن النفس، وما يقوم به المقاومون الفلسطينيون هو دفاع عن النفس وعن شعبنا". ورأى ان"اقامة مثل المنطقة العازلة يمثل شكلاً جديداً من اشكال الاحتلال والتصعيد والعدوان الاسرائيلي على شعبنا الفلسطيني، وبالتالي انه من الطبيعي ان تستمر المقاومة والردود الفدائية ضد الاحتلال في مواجهة هذا التصعيد".