القضية الفلسطينية كريمة على أهل الأرض كافة الا أهلها، فالتطبيع مع اسرائيل يكفي لتُغدق المساعدات الأميركية على البلد المطبّع، وليُسكت عن زعيمه الذي لا يملك شرعية الحكم من شعبه. حدث هذا قديماً، وحدث في التسعينات بعد سقوط الاتحاد السوفياتي فقد ارسلت الولاياتالمتحدة الى آسيا الوسطى فريقاً اسرائيلي الهوى كان أول شرط له في مقابل المساعدة الأميركية الاعتراف باسرائيل والتعامل معها، ورأينا دولاً مسلمة حديثة الاستقلال هناك تتسابق في الاتصال، أو التواصل، مع الحكومة الاسرائيلية. وهو يحدث الآن مع دول عربية معينة ضعيفة وقيادات مشبوهة، فهي لا تحتاج الى أكثر من التعامل مع اسرائيل لتصمت الولاياتالمتحدة عن عدم شرعية النظام، وعن انتهاك حقوق الانسان داخل ذلك البلد، وعن مصير السجناء السياسيين والمختفين. وبين هذا وذاك، فالمساعدات السنوية لهذا البلد أو ذاك تبعت معاهدات سلام مع اسرائيل، ولم تسبقها، وكله على حساب فلسطين وشعبها وقضيته. وزير خارجية اسرائيل سيلفان شالوم بدا متفائلاً في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة. لماذا؟ هو قال ان"الجدار الحديد الذي حكم علاقات اسرائيل بالعالم العربي والاسلامي بدأ يسقط". يسقط الجدار الحديد فيما يرتفع الجدار الأمني، وتعزل القدس ويضيع الحرم الشريف. ويسقط الجدار وقد قتل آرييل شارون أكثر من 3400 مدني فلسطيني في السنوات الخمس الاخيرة، بينهم 660 قاصراً، أي دون الخامسة عشرة. كل من يتعامل مع شارون وشالوم الآن هو شريك في قتل الأطفال الفلسطينيين، ولماذا لا يفعل وهو يمثل حكومة تبطش بشعبها. شالوم قال:"هنا في نيويورك كان لي شرف الاجتماع بأكثر من عشرة زملاء من العالمين العربي والإسلامي، وهو رقم لم يكن في الامكان التفكير به، حتى قبل سنتين". ولكن سعادة شالوم تشوبها شوائب. فهو قال ايضاً:"من سوء الحظ ان كثيراً من العلاقات مع العالم العربي والإسلامي لا يزال محاطاً بظلال عميقة، وبعيداً من العلن... اليوم أدعو زملائي العرب والمسلمين ان يخرجوا هذه الاتصالات الى دائرة الضوء لتفهم الشعوب رغبتنا المشتركة في العمل مع بعضنا بعضاً، ونشر السلام والرخاء في المنطقة". شالوم لا يقول فقط انه قابل مسؤولين عرباً ومسلمين سراً، بل يقول ايضاً ان هؤلاء المسؤولين طلبوا منه كتم اجتماعهم به، لذلك فهو يطلب منهم الخروج الى العلن. لماذا يجتمع وزير عربي او مسلم سراً بشالوم؟ ولماذا يتسرب الى مكتبه تحت جناح الليل؟ هذا الوزير يعرف انه يرتكب خطأ او خطيئة أو خيانة قومية، لذلك فهو يتصرف كلص، او كاللص الذي أرسله بعد ان اغتصب الحكم في بلده بليل. وحتى يكون الذل كاملاً فقد فهمت ان الوزراء العرب والمسلمين الذين قابلوا شالوم ذهبوا اليه ولم يأت اليهم. وقد جلست في مقاعد الوفد اللبناني في الأممالمتحدة سنوات، وأمامنا مقاعد الوفد الاسرائيلي، ورأيت على مدى هذه السنوات مسؤولين اسرائيليين يلتفتون الينا خلفهم ويبتسمون، ويحاولون السلام او الكلام، ونحن من دون وزارة او رئاسة، نتجاهلهم، وأقصى أملهم أبسط اتصال، ثم عشنا ورأينا وزراء يذهبون لمقابلة وزير خارجية حكومة متطرفة تقتل الاطفال. أؤيد علاقات طبيعية كاملة مع اسرائيل بعد السلام لا قبله، وأصر على ان الاتصالات المشبوهة الجارية الآن ستدمر السلام، فلماذا تعقد حكومة شارون، أو بنيامين نتانياهو، سلاماً مع الفلسطينيين اذا كانت حصلت على كل فوائد السلام من دون دفع ثمنه انسحاباً كاملاً من سائر الاراضي المحتلة. وجدت ان ما هو أحقر من الاجتماع مع سيلفان شالوم بعض تبريرات الاجتماع، فقد قرأت مثلاً ان الرئيس الباكستاني برويز مشرف استأذن المملكة العربية السعودية. وأجد مثل هذا الكلام، إنْ كان صحيحاً، هو من نوع زيادة الاهانة فوق الجرح، فالسعودية ليست وصياً على باكستان، والملك عبدالله بن عبدالعزيز، لن يقابل آرييل شارون، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل لن يقابل شالوم. وأقبل تحدياً مفتوحاً على هذه النقطة، فهما لن يقابلا اسرائيليين اليوم او غداً. وثمة فوارق بين الملك السعودي والرئيس الباكستاني اهمها ان الاول لم يغتصب الحكم في انقلاب عسكري. ونقطتان اخريان في خطاب شالوم الذي خَلَتْ مقاعد الوفد اللبناني وهو يلقيه، فالديبلوماسيون اللبنانيون غابوا، وأنا جلست في آخر القاعة في مقاعد الضيوف. هو قال:"ان المسؤولية عن شؤون قطاع غزة وسكانه هي الآن في ايدٍ فلسطينية". وأقول ان قطاع غزة تحول من ارض محتلة الى معسكر اعتقال على الطراز النازي، فهو مغلق على أهله بحراً وبراً وجواً، والطائرات الاسرائيلية تغير وتقتل اهله كما تريد. وهو عارض مشاركة"المنظمة الارهابية حماس"في الانتخابات، وقال ان اسرائيل لن تساعد اذا شاركت. وأقول ان هذا موقف غير ديموقراطي بالمرة من"الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، وأعيد القارئ الى ارقام ضحايا السنوات الخمس الاخيرة، فقد قتل 3400 مدني فلسطيني في مقابل 660 مدنياً اسرائيلياً، ومن هؤلاء جميعاً قتل 657 قاصراً فلسطينياً في مقابل 116 قاصراً اسرائيلياً. وهذا يعني، ضمن التعريف العالمي ان الارهاب"قتل مدنيين غير مشاركين في القتال"ان الجيش الاسرائيلي ارهابي خمس مرات أو ست مرات أكثر من حماس. وثمة مزيد، وشالوم فاخر في الجمعية العامة انه سيحضر في تشرين الثاني نوفمبر قمة مجتمع المعلومات في تونس مع شارون وسيجلس مع"زملائه العرب والمسلمين"في قمة الشراكة الاوروبية مع البحر المتوسط في برشلونة. ثم دعا الأممالمتحدة الى تبني مشروع قرار تذكاراً للمحرقة النازية الهولوكوست وقال ان اسرائيل سترشح نفسها لمقعد في مجلس الأمن للمرة الأولى. وهكذا، فمن قائد عربي يستضيف الفلسطينيين في بلاده بعد اجتياح الاسرائيليين لبنان الى"زعيم"يستضيف شارون ويرسل وزيره ليقابل شالوم بليل، وبعد قرار"الصهيونية تساوي العنصرية"اسرائيل تطمع بمقعد في مجلس الأمن. أقول:"مفيش فايدة".