تلقت شركة"جنرال موتورز كورب"ضربة موجعة، عندما شككت مؤسسة التصنيف الائتماني"ستاندرد آند بورز"في قدرتها على التغلب على تحدياتها، على رغم الإجراءات الاستثنائية القاسية التي أعلنتها، وشملت تسريح عشرات الآلاف من العمال، وإغلاق عدد كبير نسبياً من المصانع والوحدات الخدمية. وتعاني"جنرال موتورز"، ومعها صناعة السيارات الأميركية، أزمة تتلخص في تصنيف سنداتها في مرتبة"خردة"، لكنها تقف وراء الخسائر الضخمة التي لحقت بأرباحها وقيمتها السوقية وحصتها في السوق الأميركية. وقررت"ستاندرد آند بورز"، الاستمرار في وضع تصنيف"جنرال موتورز"وجميع شركاتها الفرعية"تحت الملاحظة"، لكنها حذرت في بيان أصدرته مساء الاثنين الماضي، من أن خفض تصنيف الشركة بأكثر من درجة سيبقى احتمالاً وارداً، بسبب حجم التحديات التي تواجهها، وخصوصاً تحديات زيادة المبيعات وجني الأرباح في السوق الأميركية، إضافة إلى التبعات المالية لخطط إعادة الهيكلة وخفض النفقات. ولم تشر مؤسسة التصنيف الائتماني إلى ما يمكن أن يعنيه تحذيرها الجديد بالنسبة لقدرة"جنرال موتورز"على الاقتراض بأسعار فائدة معقولة، إلا أن التصنيف الحالي يفرض تحديات ضخمة، إذ يمنح الديون الطويلة الأجل مرتبة"بي بي ناقص"، والقصيرة الأجل مرتبة"بي ? 2"، ويضع كليهما تحت المراقبة بآثار سلبية. وبلغت القيمة الإجمالية للديون السندات المستحقة على الشركة في نهاية أيلول سبتمبر الماضي 285 بليون دولار. وجاء بيان"ستاندرد آند بورز"بعد إعلان رئيس"جنرال موتورز"ريك واغونر،"خطة شاملة لاعادة الشركة إلى الربحية والنمو"، معترفاً بشكل غير مباشر بما يعتبره المحللون"أزمة خطيرة"، تفاقمت مع ارتفاع خسائر الشركة في الفصول الثلاثة الأولى من العام الحالي إلى 4.9 بليون دولار، من دون حساب خسارة أسهمها زهاء 40 في المئة من قيمتها منذ بداية العام، وأكثر من 74 في المئة منذ بداية عام 2000، وتراجع حصتها في السوق الأميركية من 36 في المئة في بداية التسعينات إلى 26 في المئة حالياً. واشتملت الخطة على تسريح 30 ألف عامل، وإغلاق تسعة مصانع وثلاث وحدات للصيانة وقطع الغيار، بحلول نهاية 2008. وتهدف الخطة إلى خفض الطاقة الإنتاجية للمصانع القائمة في أميركا وكندا إلى 4.2 مليون سيارة سنوياً، أي أقل بنحو 30 في المئة مليوني سيارة مما كانت عليه في 2002، حين بدأت الشركة جهود خفض النفقات. ولفت واغونر، الذي اضطر قبل أيام قليلة لنفي أي نيات لدى جنرال موتورز للاحتماء خلف قانون الافلاس، إلا أن ادارته سرعت جهود اعادة الهيكلة وتأمل الآن بأن يصل الخفض في النفقات الذي ستحققه بنهاية العام المقبل إلى ستة بلايين دولار سنوياً، إضافة إلى توفير بليون دولار من نفقات المواد الأولية، مشيراً إلى أن أحد أهم أهداف الخطة الجديدة يتركز في"وضع نفقات جنرال موتورز بمحاذاة نفقات منافساتها العالمية". ورحبت"ستاندرد آند بورز"بخطة"جنرال موتورز"، على اعتبار أن إجراءات خفض النفقات، ولاسيما تسريح العمال وتقليص الطاقات الإنتاجية في سوق متخمة تعزز قدرة الشركة على تحقيق الأرباح، لكنها أبدت شكوكاً في أن تكون هذه الإجراءات كافية، معربة عن القلق إزاء مجموعة من التحديات التي تعترض الشركة، وأهمها التدهور السريع الذي حدث أخيراً في منتجاتها المطروحة في السوق الأميركية، واستمرار تراجع حصتها السوقية، والأثر السلبي للحوافز المالية التي تستخدمها لتسويق سياراتها. ولا تختلف تحديات"جنرال موتورز"كثيراً عن المتاعب التي تعانيها صناعة السيارات الأميركية منذ ثلاثة عقود، وتزايدت حدتها مع تعاظم المنافسة الأجنبية، وخصوصاً اليابانية، في العقد الأخير. وكشف العام الماضي الآثار التراكمية لهذه المنافسة المستعرة، إذ حققت"جنرال موتورز"أرباحاً بقيمة 2.8 بليون دولار من مبيعات تجاوزت قيمتها 193 بليوناً، وبلغت أرباح فورد 3.5 بليون دولار من مبيعات بقيمة 172 بليوناً، بينما بلغت أرباح تويوتا 11 بليون دولار، على رغم أن مبيعاتها لم تتجاوز مبيعات فورد. وتعتبر مجموعة كرايزلر، التي اندمجت مع ديملر بنز الألمانية في 1998، الشركة الأميركية الوحيدة، من بين عمالقة مركز صناعة السيارات الأميركية"ديترويت"الثلاث، التي لم تدفع"ستاندرد آند بورز"بسنداتها إلى مرتبة الخردة، أو تزحف الخسائر إلى بياناتها المالية كما حدث بالنسبة ل"جنرال موتورز"وفورد في العام الحالي، إلا أنها لم تسلم من تراجع الحصة السوقية لهذه الصناعة الأميركية الضخمة، من 81 في المئة من السوق الأميركية في منتصف الثمانينات إلى أقل من 60 في المئة حالياً. وتلخص الحصة السوقية كل التحديات التي تواجهها صناعة السيارات الأميركية، وعزتها مجموعة من كبار الاقتصاديين الأميركيين في دراسة نشرتها أخيراً، إلى عاملين رئيسيين، يتمثل الأول في نفقات الرعاية الصحية التي تصل قيمة التزاماتها بالنسبة للعمالقة الثلاث إلى عشرة بلايين دولار، بينما لا تتجاوز 1.6 بليون دولار في حال المنافسة، لكن الثاني يرى بأن ديترويت فشلت في اللحاق بالمنافسة، وخصوصاً في مجال تقنيات الاقتصاد في استهلاك الوقود.