انطلاق الجولة الثالثة لمحادثات الملف النووي بين إيران والولايات المتحدة    لقاء مقتضب بين ترمب وزيلينسكي في الفاتيكان لإنهاء الحرب    الأهلي يكسب بوريرام بثلاثية ويواجه الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    موعد مباراة الأهلي والهلال في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    وزير الحرس الوطني يزور «بينالي الفنون الإسلامية 2025»    3 آلاف يلبون نداء امش 30 بأبوعريش    جناح أرض السعودية يشارك في سوق السفر العربي 2025 بدبي    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    بيان من الشباب بخصوص توثيق تاريخ الكرة السعودية    حين يعجز البصر ولا تعجز البصيرة!    المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    برعاية أمير المنطقة الشرقية.. انطلاق فعالية "امش 30" لتعزيز نمط الحياة الصحي    محافظ الطوال يدشن فعالية امش30    32 مليون مكالمة ل 911    أمير منطقة جازان يرعى انطلاق المبادرة الوطنية "أمش 30"    200 ألف مشارك في الموسم الخامس من امش 30    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    حج 2025: 70 ألف بطاقة نسك توزع يوميا    نيس يعلن إصابة عبدالمنعم في الرباط الصليبي    التغريدات لا تسقط الدول.. ولا المساحات تصنع السيادة    قوانين الفيزياء حين تنطق بالحكمة    250 شتلة تُزين فرع وزارة البيئة في عسير ضمن فعاليات أسبوع البيئة    ترمب: بوتين ربما «لا يريد» أن يوقف الحرب في أوكرانيا    مكافحة المخدرات معركة وطنية شاملة    التحول الرقمي في القضاء السعودي عدالة تواكب المستقبل    دنيا حظوظ    الصبان رعى الختام .. اليرموك يخطف الأضواء والحريق والهلال في صدارة التايكوندو    الصادرات السعودية غير النفطية تسجّل أداءً تاريخيًا في عام 2024م    المؤسسة الدبلوماسية بالمغرب تمنح مدير عام الإيسيسكو الجائزة الدولية للدبلوماسية الشعبية    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    ثمار المانجو تعلن موسم العطاء في جازان    بلدية قوز الجعافرة تكرم شباب القرية    منصات التواصل والتأثير: هل أصبح كل شاب إعلاميًا؟    جيسوس: الفوز بهدف فقط أفضل من خسارة كانسيلو    رؤيتنا تسابق الزمن    ضبط (19328) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    آل هيازع: رؤية 2030.. قصة نجاح ملهمة وإنجازات تسابق الزمن    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    وزير التعليم يرفع التهنئة للقيادة بما تحقق من منجزات تعليمية    أمير عسير يهنئ القيادة بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة 2030    أبها تتغطى بغطاءها البنفسجي    وزير الصحة: تطبيق نموذج الرعاية الصحية الحديث أسهم في رفع متوسط عمر الإنسان في المملكة إلى 78.8 عامًا    للمرة الثالثة على التوالي ..الخليج بطلاً لممتاز كبار اليد    نائب أمير تبوك: رؤية المملكة 2030 حققت قفزات نوعية وإنجازات    ثانوية الأمير عبدالمحسن تحصد جائزة حمدان بن راشد    أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة من منجزات في الأعوام التسعة الماضية    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    في الدمام ( حرفتنا حياة ) ضمن مبادرات عام الحرف اليدوية 2025    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسلحون في غزة يسرقون الأسد من حديقة الحيوانات ويحكمون المدينة على نحو ما حكموا بيروت
نشر في الحياة يوم 11 - 01 - 2007

لم استطع في البدء تحديد تلك النظرة التي رأيتها تتكرر في عيون اهل غزة. قضيت خمسة ايام في غزة التي وصلتها يوم عيد الفطر. قالوا لي انني اول لبنانية تدخل غزة بعد الانسحاب. بالنسبة الي، كنت ذاهبة الى فلسطين التي حلمت بها منذ ان نما فيّ وعيّ سياسي.
لن اتهم بالخيانة الوطنية لأنني لم اتعامل مع اسرائيليين فاليهود انسحبوا ولا أثر لهم غير الدمار الذي تركوه وراءهم وتلك النظرة التي تكررت والتي لم افهمها في بادىء الأمر.
ذهبت الى فلسطين والى الفلسطينيين.
في المناقشات التي سبقت تلك الرحلة، قلت انني سأرفض التعامل بالشيكل لكنني سرعان ما ادركت وأنا اتمشى في سوق غزة كم كان موقفي ساذجاً. بعيداً من غزة استطيع، كما يفعل الكثيرون، ان اناقش بشعارات رنانة وحماسية تشعبات خطر التطبيع. لكن، في قلب الحدث، امام اهل غزة، أرى كم كنت بعيدة من الواقع. العملة اسرائيلية والبضاعة اسرائيلية. الكتابة العبرية على البضائع التي اجفلتني لا محال منها في غزة.
هم في مكان آخر، في قلب الحدث ولا وقت لديهم لهذه الترّهات.
الكلام عن الغارات الجوية العنيفة التي صدمت اهل غزة في آخر عشرة ايام من رمضان، عن نقص الحليب في السوق، عن احتلال ثلاثة شبان مسلحين لشارع في غزة، عن تمرد عشرات المسلحين من قوى الانضباط وتجمعهم في حي من احياء غزة واطلاقهم النار في الهواء، عن سرقة الأسد من حديقة الحيوان!
حديقة حيوان في غزة؟ نعم. في ليلة من ليالي رمضان الأخيرة، هاجم 15 مسلحاً حديقة الحيوان في غزة التي اسستها جمعية غير حكومية وسرقوا الأسد. يعلم كل اهل غزة اين ذهب الأسد"بس الشاطر مين يجيبوا".
في الطريق من معبر رفح الى قلب غزة، امتلأت جدران الشوارع والمباني والأسوار بشعارات واعلانات وحتى رسائل حب. رائحة النفايات المحترقة في كل مكان. تذكرت بيروت كثيراً في هذه الرحلة، بيروت الحرب. غرافيتي ابو الريش بدل ابو الجماجم. غرافيتي حماس وكتائب شهداء الأقصى والقسام بدل"المرابطون"وپ"أمل"وpsp.
"تؤكد حماس على خيار المقاومة"،"هنيئاً بالشهادة"،"أهلاً وسهلاً بحجاج بيت الله الحرام"،"سندويتشات الأمل تقدم اشهى المأكولات بأرخص الأسعار"،"احم القانون لكي يحميك"،"انتخبوا فلاناً"،"كتائب القسام"،"وحدوا الله"،"للتعرف اذهب الى موقع الشات عنوانه...".
شوارع غزة كشوارع جنوب لبنان المحرر، صور لشهداء على كل عمود كهرباء، شباب متعطّل يمضي وقته في الشارع، ينتظر دوره، ينتظر من يأتي اليه بسلاح ومال ومهمة.
كنت كغيري في الشارع، لم ينظر الي كغريبة حتى عندما تكلمت بلهجتي اللبنانية. اهل غزة متعودون على تعدد اللهجات فكثير ممن عادوا اتوا بلهجات البلاد العربية المختلفة التي كانوا فيها.
قليل منهم كان لديه الفضول ليسأل عن عالم آخر. لأول مرة أذهب الى مكان لا اعرفه ولا اقدم نفسي كصحافية. غلبني صمت لم احاربه واستسلمت لما ارى وأشم وأسمع.
الطريق الشرقي يذكرني بطريق السعديات. كان قليل الحركة قبل الانسحاب ومن يختاره يقود بسرعة جنونية لتفادي احتمال قصف اسرائيلي. الطريق الآن تزداد حركته لكن ليس كما امتلأت شوارع الجنوب بعد التحرير. اهل غزة رتبوا حياتهم اليومية ليتفادوا الحواجز الأسرائيلية التي كانت متناثرة في غزة قبل الانسحاب. لم تتغير هذه الحركة كثيراً. كل في مكانه يواجه قسوة الحياة اليومية.
تحدث كثيرون من اهل غزة عن الغارات الجوية الاسرائيلية التي سبقت العيد وأتت عليه. الصدمة والهلع هي هي في وجوه كل من حكى قصته."الغارات نغصت علينا العيد. في كل سنوات الاحتلال لم يحصل لنا هذا"، تقول لينا بنت العشرين ربيعاً التي تعمل في تصميم مكتبات أطفال في مدارس غزة وقراها.
على مدى اكثر من اسبوع، نفذت قوات الاحتلال الاسرائيلي عشرات من الغارات الجوية الحقيقية والوهمية التي عبرت حاجز الصوت على علو مخفوض في قطاع غزة، محدثة في كل مرة دوياً شديداً يشبه الانفجار القريب. سجلت حالات عدة من الاجهاض ونزيف الأنف وألم الأذن من شدة ضغط الدوي إضافة الى حالة الهلع التي اصابت اهل غزة وأطفالهم.
يصف اهل غزة الغارات بتفصيل لطول مدتها وتكرارها."تسمع هدير الطائرة وفي ثوان تشعرها دهراً، يعلو الصوت اكثر فأكثر، لا تعرف ان كانت الغارة ستكون وهمية او حقيقية، هل سنموت او نصاب او هل لن يتعدى الموضوع سوى تكسير زجاج النوافذ. يعلو صوت الطائرة اكثر فيبدأ كل شيء يهتز كما لو حصل زلزال ثم ينزل دوي هائل يجعل منك تخبيء رأسك او تهرع الى أكثر المواقع أماناً في البيت وتعاد الكرة مرة تلو الأخرى".
"كانت الغارات تأتي في الليل وفي الصباح المبكر في وقت ذهاب الطلاب الى المدارس. كان ارهاب نفسي فظيع"، تقول لينا.
في يومي الرابع في غزة، ذهبت الى مطعم ابو حصيرة، اقدم مطعم سمك في غزة. وصلنا لنجد عدداً كبيراً من المسلحين امامه وسيارات كبيرة عدة. لحظات وفهمنا ان محمد دحلان في الداخل مع مبعوث الاتحاد الأوروبي مارك أوتي. لم ينج عمود من اعمدة المطعم من صورة دحلان ذات القبضة المحكمة باستثناء واحد خصص لأحد الشهداء. مدخل المطعم وداخله يعجان بالمسلحين. رأيت دحلان جالساً وظهره الى المدخل. لا أثر لمرض خطير عليه كما تتهافت الاشاعات في شوارع غزة. صور دحلان وهو يشهر قبضته، تملأ شوارع غزة. منها ممزقة ومنها محترقة ومنها موجودة بكمية هائلة. في المقابل، لا أثر لصور عرفات، الذي اقتربت ذكرى وفاته الأولى.
لم يخف التوتر في المطعم المطل على البحر الا عند مغادرته. موكب السيارات الضخمة المصفحة احدث غباراً مهولاً ساهمت رياح بحر غزة في انقشاعه.
ثمة شيء في قلب البحر امام مخيم الشاطئ، تركز نظرك فترى علم فلسطين يرفرف في وسط البحر. كان هذا المشهد من المشاهد القليلة التي تبعث فيك الأمل لكن الشعور سرعان ما يصطدم بالواقع. أطفال مخيم الشاطئ يحتفلون بالعيد بمبارزات يستعملون فيها مسدسات بلاستيك. في اول يوم من العيد، اغتال جنود الاحتلال الطفل احمد الخطيب البالغ من العمر 12 سنة في جنين عندما كان يلعب بمسدس بلاستيك.
في الليل، شوارع غزة خالية لكن مطاعمها ومقاهيها مملوءة بالناس. عند مدخل كل مطعم يوجد اعلان للزبائن:"لطفاً ممنوع الدخول بالسلاح". السلاح في كل مكان وأصوات الطلقات في الهواء لا تفاجئ أحداً. اتذكر بيروت.
سوق غزة خليط من سوق الروشة ايام حرب بيروت بصفائح الزنك المتراصة واحداً تلو الآخر وسوق الحميدية الدمشقي. مسجد العمري، اقدم مسجد في غزة، في طور الترميم. سوره الأثري مدروز بالشعارات الدينية، وشعارات المقاومة التي تتجاهل لافتة صغيرة كتب عليها:"الرجاء عدم الكتابة على جدران المسجد".
مجدي المصري، صاحب محل عطارة في السوق يشكو من الفلتان الأمني ومن ضعف"الحج محمود"أبو مازن في السيطرة على الأمن. يشكو من الوضع الاقتصادي القاسي. لمجدي ايضاً تلك النظرة التي حيرتني كثيراً.
صاحب مطعم افتتح حديثاً في غزة يبدأ سرد قصته العجيبة بمقدمة:"دعوني اقول لكم ان الوطن جميل". اكتشف ان هناك دعوة ضده من بلدية غزة بمبلغ من المال يدين به لمصلحة المطافئ التي تطالبه بتكاليف اطفاء حريق مطعمه الذي ترك مشتعلاً حتى لم يبق منه شيء. سرد قصته كما هي في الوقائع وانتهى كما بدأ:"الوطن جميل".
عائلة غزاوية تكلمت بحماسة عن عرض افلام في سينما المركز الثقافي التابع لجمعية الهلال الأحمر خلال العيد. ابو قاسم علق بأمل عن حشود العائلات التي ذهبت الى العروض. العروض السينمائية في غزة شحيحة منذ ان حرقت سينما النصر الوحيدة على يد مجموعة من المسلحين في 1994. تأمل أم قاسم بأن تستمر الجمعية في عرض الأفلام وتقول ان الأمل موجود طالما العروض ملائمة للعائلات وپ"غير مستفزة".
الأمل الوحيد الذي يتمسك به أهل غزة هو فتح معبر رفح."من غير المعبر سنظل في هذا السجن"، تقول لينا. مجدي صاحب محل العطارة قال الشيء نفسه. لكنه عندما دخل في تفاصيل معبر رفح، في التكلم عن الاحتمالات المختلفة، في ما ستتفاوض عليه مصر ودحلان، رجعت تلك النظرة من جديد. فجأة وضحت الرؤية التي اكتشفت انني لم اكن اريد الاعتراف بها.
انها نظرة من لا يرى نهاية للنفق المظلم.
سرقوا الأسد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.