كان موقف بعض السعوديين من الفضائيات، قبل عقد، يشبه كثيراً الموقف من"جوال الكاميرا"الهاتف المحمول المزود بالكاميرا قبل نحو عام: قسم معارض لا يرى إلا السلبيات، ويرفض مبررات دخول"ما يمكن أن يخرب"، إلى بيته، وقسم يحاول سرد إيجابيات حقيقية وأخرى خيالية لتحقيق رغبته. وثمة قسم أخير يزعم أنه لا مع الأول ولا الثاني، ويؤكد عدم جدوى النقاش في هذه المواضيع، مثبتاً أن التقنية تفرض ذاتها على رغم أنف الجميع. يحضر اليوم،"الجوال الكاميرا"في معظم المدن السعودية ويصور مناسبات كثيرة. الشبان السعوديون يمثلون مشاهدهم الخاصة ويتناقلونها عبر تقنية"البلوتوث". معظم تلك المشاهد تمثيلية، تصور حياتهم وما يريدون قوله. وبعضها يبعث على الضحك. مشاهد في المطاعم والشوارع والمنازل والمكاتب السعودية... لا تُعرض في شاشات الفضائيات بل في شاشات الهواتف المحمولة! سير ذاتية تفرض نفسها، وخصوصيات تُقتحم. ما لا تمكن مشاهدته عن السعوديين في الفضائيات تشاهده عبر مشاهد مصورة في شاشة"الجوال". لا يمكن اعتبار تلك المشاهد أفلاماً قصيرة. بعضها يشبه الفيديو كليب، تتحد الصورة فيه مع الأغنية أو الموسيقى. وبعضها يشبه مشاهد"الكاميرا الخفية". واليوم أيضاً، اقتحمت الفضائيات بيوت السعوديين"عنوة". ليس كل السعوديين طبعاً، فبعضهم لا يزال يرفض فكرة دخول جهاز الاستقبال إلى منزله. جيلٌ جديد لا يتجاوز عمر معظم أفراده الخامسة عشرة، يحفظ جيداً الأرقام التسلسلية لقنواته المفضلة. أحتاج إلى أن أطلب من أخي الذي بلغ التاسعة، القناة التي أود مشاهدتها. أسميها له كي ينتقل إليها مباشرة - هل يعقل أن يحفظ أرقام أكثر من مئة قناة عربية؟ هو يعرف وقت برامجه المفضلة، ولا يحتاج إلى جدول أو ورقة لينظم كيفية مشاهدة كل البرامج التي يحبها. في الليل تُوقف معظم قنوات الكرتون بثها. لا يعجز هذا الطفل! يختار مشاهدة الأفلام الأميركية على قناة one أو 2. لا يحب المسلسلات ولا البرامج الحوارية ولا الإخبارية ولا حتى"الكليبات". ربما تحب أختي التي لم تبلغ الثانية عشرة ما لا يحبه هو. هي تحب تقليد أخواتها الكبيرات. معظم الإعلانات التجارية التلفزيونية تستهدف الأطفال والنساء. الإعلانات هي الدخل الرئيس للقنوات الخاصة. السعودية سوق استهلاكي مهم. المعلنون يهتمون بالسوق السعودي. إذاً القنوات تهتم بالسعودية والأطفال والنساء السعوديين. القنوات العربية تعرض مسلسلات خليجية وسعودية أحياناً. معظم هذه القنوات تستخدم توقيت السعودية. ومعظمها يعرض مباريات من الدوري السعودي... هشام السعودي ربح في"ستار أكاديمي 2"أمام زيزي المصرية. عدد سكان السعودية بالكاد يبلغ ربع عدد سكان مصر. الذين صوتوا لهشام أكثر من الذين صوتوا لزيزي! زحف الصورة في السعودية لا يقف عند حد الفضائيات، ولا عند حد المَشَاهِد المصورة بالهاتف المحمول. بعد أشهر سيتمكن السعودي الذي يرغب في مشاهدة صورة من يتحدث معه بالصوت، من تحقيق رغبته عبر الهاتف المحمول. ثقافة الصورة تكتسح كل شيء هنا، على رغم أن هناك سعوديين لا يمانعون بإرسال الرسائل النصية عبر الفضائيات وربما كان حضورهم فيها الأبرز. على أي حال، لم تكتسح صورة المجتمع السعودي الفضائيات بعد. لعل صورة السعوديين ومجتمعهم وخصوصياته لا تزال محصورة ببعض هواتفهم المحمولة.