سجلت ظاهرة العملاء في الاراضي الفلسطينية سواء في قطاع غزة او الضفة الغربية واحدة من أكثر الظواهر تعقيداً في المجتمع الفلسطيني التي نجحت اسرائيل من خلالها بتجنيد مئات وربما آلاف العملاء من مختلف الاعمار، رجالاً ونساء واطفالاً، كانوا ساعدها الايمن في تنفيذها العديد من الاغتيالات والعمليات العسكرية والاعتقالات داخل الاراضي الفلسطينية. ونجحت اسرائيل في قطاع غزة خصوصاً في تفعيل عملاء ساعدوها في عمليات اغتيال قياديين، كان أخطرها جريمة اغتيال الشيخ صلاح شحادة الذي تم تفجير بيته بقنبلة تزن طناً من المتفجرات أسقطتها طائرة اسرائيلية فقتل معه 15 مدنياً بينهم تسعة أطفال. يقبع في السجون الفلسطينية اليوم أكثر من ستين عميلاً حولت ملفاتهم من المحكمة العسكرية الى المحاكم المدنية وينتظرون محاكمتهم، فيما لا يختلف اثنان على ان قطاع غزة ما زال يتجول فيه العديد من العملاء الذين نجحوا طوال فترة خدمتهم لاسرائيل بالعمل السري ولم يكشف أمرهم بعد. من هؤلاء؟ كم عددهم؟ أين هم اليوم؟ لا يمكن لأي فلسطيني مسؤولاً كان أم مواطناً عادياً ان يجيب عن هذه الاسئلة، ولو كانت لديه الاجابة لكان مكان كل واحد منهم الاعتقال على الاقل، علماً ان كثيرين منهم اعدموا بعد محاكمة او من دون محاكمة. ولكن ماذا سيكون مصير هؤلاء بعد الانسحاب الاسرائيلي من القطاع؟ هل يمكن ان يعود كل منهم الى بيته بعد ان أنهى مهمته في خدمة اسرائيل، أم سيصبحون اليوم أكثر أهمية لاسرائيل وستكون هي أكثر احتياجاً لهم؟ قبل ان يخرج آخر جندي اسرائيلي من قطاع غزة بدأت الاجهزة الفلسطينية التي تتابع هذه القضية تبحث في كيفية منع الاسرائيليين من مواصلة تفعيل عملائها. وفي الوقت نفسه توعية الفلسطينيين على الأساليب المتوقع ان تستخدمها اسرائيل لتجنيد عملاء جدد لها. ويتوقع الفلسطينيون ان تبذل أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية جهودها في فترة ما بعد الانسحاب لضمان عملاء الى جانبها حتى تبقى في حوزتها صورة واضحة ودقيقة عما يحدث في قطاع غزة في مختلف المجالات: نشاطات التنظيمات الفلسطينية ومدى تواصلها وتنسيقها مع فروعها في الضفة التي ما زالت تحت الاحتلال، وما يحدث عند المعابر التي ما زالت اسرائيل على قناعة بان الفلسطينيين سيحاولون بالتعاون مع المصريين تهريب الاسلحة عبرها، خصوصاً عبر ممر صلاح الدين ممر فيلادلفي الذي سيكون تحت مسؤولية مصرية. وليس صدفة اثارة هذا الموضوع في الحكومة والكنيست الاسرائيلي من جانب وزراء واعضاء ومطالبتهم باضافة بند على الاتفاق يلزم مصر بعدم السماح بادخال أسلحة حتى بشكل قانوني. وهنا ستكون اسرائيل في الحالتين معنية بمعرفة ما يجري. فان أضيف البند ستراقب اسرائيل مدى تنفيذ مصر للاتفاق، واذا لم يضف فستكون معنية جداً بمعرفة ما يحدث عند المعبر وما مدى نشاط التنظيمات الفلسطينية من خلال القناة الاستخباراتية. يقول يوسف عيسى، مدير ادارة التحليل في الجهاز الامني الوقائي في قطاع غزة ضمن مسؤولية ادارة مكافحة التجسس، ان"قطاع غزة سيبقى بعد الانسحاب منطقة مستهدفة استخباراتياً لاسرائيل لأسباب عدة، منها وجود التنظيمات الفلسطينية الفاعلة مثل"حماس"و"الجهاد الاسلامي"والجناح العسكري لحركة"فتح". واسرائيل معنية جداً بمراقبة ومعرفة نشاط هذه التنظيمات، والامكانية الوحيدة المتوافرة لها بعد الانسحاب هي تفعيل العملاء. وبما ان الضفة الغربية ستبقى تحت الاحتلال الاسرائيلي، فإن نشاط هذه التنظيمات سيبقى فاعلاً في هذه المنطقة وستكون اسرائيل حريصة على مراقبة اذا كان ارشاد التنظيمات سيأتي من قطاع غزة". المعروف ان أساليب التجنيد التي اتبعتها اسرائيل كانت متعددة، واستخدمت حتى الاطفال والنساء وأوقعت العديد من الشباب والصبايا جنسياً لتجنيدهم. ونجحت اسرائيل في تجنيد العملاء بسهولة غير عادية، ربما بسبب الاحتكاك اليومي بين الجيش والفلسطينيين وايضاً في مجال العمل والتجارة وعبر المعابر، وربما بسبب كثرة ضعاف النفوس وربما كلاهما معاً. كما كانت اسرائيل تستغل وضعية الطلاب الذين يدرسون خارج الاراضي الفلسطينية عند وصولهم الى المعابر فنجحت في تجنيد البعض. ومع التغييرات التي ستحدث بعد الانسحاب وعدم توفير كل الامكانات وبالسهولة التي توافرت لها طوال السنوات الماضية، ستضطر اسرائيل الى تغيير أساليبها في تجنيد العملاء. ويرى يوسف عيسى ان عملية التجنيد لن تكون سهلة بعد الانسحاب لان سيطرة اسرائيل على المنطقة ستخف، كذلك ارتباطها بالفلسطينيين حتى في مجال العمل. وحسب تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز لن يكون في اسرائيل حتى نهاية العام 2008 أي عامل فلسطيني. ضمن الاساليب التي اتبعتها اسرائيل في تجنيد عملائها الحديث المباشر مع نشطاء فلسطينيين كانت تصل اليهم بواسطة ضباط أمن يتكلمون العربية، او من خلال عملاء لها. وهؤلاء كانوا يعرفون انفسهم كنشطاء من تنظيم"القاعدة"يريدون دعم نشاطهم ضد الاحتلال الاسرائيلي ودعم الانتفاضة ويعرضون النقود، وبعد فترة فقط يكتشف الناشط انه وقع في شباك الاستخبارات الاسرائيلية. أحياناً يكون الوقت متأخراً ويضطر الى مواصلة التعاون معها وأحياناً يستدرك الأمر مبكراً. وبهذا الاسلوب نجحت اسرائيل ايضاً في قتل نشطاء فلسطينيين. فبعد تعريف ضباطها ورجال استخباراتها انهم من تنظيم"القاعدة"كانوا يلتقون الناشط في مكان معين ويسلمونه سلاحاً من النوع الذي ينفجر بصاحبه فور استخدامه ويسمى"مشرّك". قد لا تنجح اسرائيل في استخدام هذه الاساليب بعد انسحابها. ومع ذلك يؤكد يوسف عيسى، ان مجالاً واحداً داخل الاراضي الفلسطينية سيبقى مفتوحاً امام اسرائيل لتجنيد عملائها هو عبر الممر الذي سيربط قطاع غزة بالضفة. ويقول الاسرائيليون ان السيطرة الامنية ستبقى لها عند هذه الممرات. اما المجال الآخر فسيكون عند خروج الفلسطينيين من المعابر. فمن وراء هذه الحدود ستحرص اسرائيل على تفعيل عملائها المنتشرين في الخارج لتجنيد فلسطينيين عبر أساليبها المختلفة واغراءاتها. وهنا، كما يؤكد يوسف عيسى، فان المسؤولين الفلسطينيين يعون هذه الاساليب وما قد يحدث، ويعملون على توعية الفلسطينيين الى خطر هذه الظاهرة وأساليبها.