بكلمة"الله بالخير سيدي"استقبل عواد احمد البندر رئيس محكمة الثورة السابق المتهم بإصدار احكام اعدام انتقامية على أهالي الدجيل زعيمه صدام حسين وهو يجلس الى جانبه في الصف الاول من قفص الاتهام الذي أعد من ثلاثة صفوف جلس في الثاني منها عبدالله رويد، المسؤول الحزبي في منطقة الدجيل، وطه ياسين رمضان نائب الرئيس السابق المتهم بجرف أراضي البلدة، وعلي دايم علي من القيادات البعثية فيها، فيما جلس في الصف الثالث برزان التكريتي الاخ غير الشقيق لصدام، مدير جهاز المخابرات في عهده، ومحمد عزاوي علي، ومزهر رويد من قيادات البعث أيضاً. صدام الذي رد بابتسامة على تحية البندر كان متماسكاً طوال ثلاث ساعات، هي مدة الجلسة الاولى من محاكمته وسبعة من أركان نظامه بتهمة القتل الجماعي لاكثر من 140 شخصاً عام 1982. وكان يردد بين الحين والآخر كلمته الشهيرة"عفية"، مرة حين طالب عواد البندر قاضي المحكمة باسترجاع أغطية الرأس العربية العقال والشماغ واخرى حين أكمل رئيس المحكمة الكردي رزكار محمد امين تلاوة قرار الاحالة والتهم الموجهة، وطالب المتهمين ببيان موقفهم منها، فأكد الجميع براءتهم بعدما قال صدام انه غير مذنب. وثالثة وهو يحيي أحد محامي الدفاع عندما ردد خلال جلسة الاستراحة"كلنا معك سيدي القائد". جلس الرئيس العراقي السابق بطريقته المعهودة موجهاً نظرات ثاقبة اخفت خلفها الكثير من الارتباك في الدقائق الاولى من دخوله القاعة، وحاول القاء خطبة سياسية ابتدأها بآية قرآنية، لكن القاضي الذي طالبه بترديد اسمه وعمره ومهنته، قاطعه مرات قبل ان يطلب منه الجلوس، من دون الحصول على إجابة سوى عدم اعترافه بالمحكمة والسلطة التي عينتها وبالاحتلال. جلسة المحاكمة التي تأخرت عن موعدها وسط تسريبات عن اجتماع ضم صدام ومستشار الامن القومي موفق الربيعي، وقائد عسكري اميركي، تأخرت مرة اخرى لتسوية توكيلات المتهمين للمحامين المدافعين عنهم، قبل ان ينبري الادعاء لتلاوة مرافعته التي وصفها قانونيون عراقيون بأنها مرتبكة، خصوصاً ان المدعي العام حاول في البداية جر المحكمة إلى خطابات سياسية، قبل ان يطلب منه القاضي التركيز على قضية الدجيل. وخرجت مرافعته احياناً عن اطارها القانوني عندما حاول استعراض ظروف حادثة الدجيل معتمداً على فرضية ان المهاجمين الذين حاولوا اغتيال الرئيس العراقي عام 1982 لم تتوفر فيهم نية القتل وان هنالك أدلة على انهم اطلقوا ما بين 12 و16 طلقة من بندقية كلاشينكوف قادت في ما بعد إلى اعدام 148 شخصاً واعتقال مئات آخرين وجرف مئات الهكتارات من الاراضي الزراعية بعد مصادرتها لحساب وزارة الزراعة العراقية. صدام حسين الذي حكم العراق بالحديد والنار عقوداً واجه اتهامات الادعاء بنظرات حادة تخللتها ابتسامات ازدراء، اختار خلالها ان يضع رجلاً فوق الاخرى، على غير عادته ثم يقلب نظره في ارجاء المحكمة حتى ان نظراته تسمرت للحظات باتجاه سقف القاعة، قبل ان يطالب بقلم وورقة لتسجيل ملاحظاته. ويقتنص لحظات توقف المحاكمة للحديث مع البندر الذي جلس إلى جانبه مبدياً الكثير من الاحترام والتبجيل ويرد على ملاحظات صدام مطرقاً رأسه. محكمة صدام التي وصفت بمحاكمة القرن الحادي والعشرين لم تتخللها مفاجآت غير متوقعة. ووافق القاضي على تأجيل الجلسة حتى 28 الشهر المقبل. بناء على طلب محامي الدفاع عن صدام خليل الدليمي الذي حضر إلى المحكمة بصحبة 12 محامياً كممثلين عن بقية المتهمين، أبدل برزان التكريتي اثنين منهم بآخرين في بداية الجلسة. ويبدو ان العراقيين الذين تسمروا امام شاشات التلفزيون لمتابعة المحاكمة فوجئوا بخلوها من كلمات اعتادوا سماعها من صدام للدفاع عن نفسه ونظامه او من حكم بالإعدام ينتظره آخرون من المحكمة في جلستها الاولى وسط عدم مبالاة شرائح أخرى اختارت متابعة الأحداث من باب الفضول في ظل وضع أمني يزداد تعقيداً.