تجتاح الإمارات حمى الاستثمار في الأسهم، فيما نهضت أسواق المال المحلية من كبوتها فجأة، ومن دون مقدمات، لتحطم أرقاماً قياسية في حجم التداول وأسعار الأسهم خلال شهور معدودة، ولتتحول بين عشية وضحاها من سوق هامشية إلى ثاني اكبر سوق مالية في منطقة الخليج بعد المملكة العربية السعودية. وما يثير المراقبين هو حجم التداولات التي تضاعفت ثماني مرات خلال شهور، وهو لم يسبق ان حدث لأي سوق مالية إقليمية أو عالمية، وارتفعت أسعار الأسهم ليتجاوز بعضها في الارتفاع نسبة 200 في المئة، وفاق الاكتتاب في بعض الشركات الناتج المحلي للإمارات السبع. لقد بات "الاتجار بالأسهم"، الشغل الشاغل لجميع فئات المجتمع، من موظفين عاديين إلى كبار المسؤولين في الشركات المحلية والعربية والأجنبية العاملة في الدولة، فكيف لا وهم يسمعون عن المؤشر الذي باتت أسهمه تسجل كل يوم رقماً قياسياً في وقت شحت فيه البدائل الاستثمارية الأخرى. "ربحت من اسهمي في شركة ... اكثر من سبعة آلاف درهم خلال اقل من شهر، وهي توازي مرتبي لشهر كامل. أصحابي أقنعوني بالشراء، فاشتريت بداية الشهر الماضي اسهماً ب25 ألف درهم لتصل إلى 32 ألف درهم بداية هذا الشهر"، قال سمير صوالحة الذي يعمل سكرتيراً في أحد المصارف. ومع الصعود الصاروخي لمؤشر سوق دبي المالية الذي قفز بمعدل 154 في المئة، دخل اللاعبون الجدد من مواطني دول الخليج الأخرى، الذين سمح لهم في منتصف العام الماضي بتملك اسهم الشركات الإماراتية وتداولها ولم يسهم هذا القرار باستقطاب المستثمرين من الدول المجاورة وحسب، بل كان له مفعول السحر، حين فتح أعين أبناء البلد وغيرهم من المقيمين في الدولة على سوق الأسهم، لتدب فيه الحياة وتدخل "ثقافته" معظم البيوت. المقارنة بين حجم التداول في الأسهم الإماراتية منذ عام 2002 حتى الآن، توضح مدى تهافت المستثمرين، الصغار منهم والكبار، على الاستثمار في أداة ضاعفت أموالهم في وقت ما زالت تعاني فيه اسهم أسواق المال العالمية من اهتزازات وعدم استقرار. إذ حلق حجم التداول في نهاية عام 2004 إلى 67 بليون درهم من 7.9 بليون درهم للعام الذي سبقه. وهذه المقارنة بررت أيضاً انجذاب الكثير من الشركات الكبيرة خلال الشهور القليلة الماضية، لطرح أسهمها في سوق كانت في السابق غير "مغرية"، كما وصفها المحلل المالي جمال عجاج، اذ انضمت إلى سوقي أبو ظبي ودبي الماليتين، حفنة من الشركات بعضها قائم وأخرى تأسست حديثاً، وأعلنت اكبر شركة للمجوهرات في المنطقة هي شركة "داماس" وشركات أخرى كثيرة نيتها اللحاق بالركب. وركبت المصارف الكبيرة الموجة، فأصابتها حمى تمويل الاكتتابات وادارتها خصوصاً بعدما كثر الحديث عن تأسيس شركات مساهمة جديدة وخصخصة بعض الشركات الحكومية وتحول أخرى من مساهمة خاصة إلى عامة، ومن عائلية إلى مساهمة. كما حصدت المؤسسات المالية في الدولة أموالاً طائلة في الشهور القليلة الماضية جراء منح قروض لصغار وكبار المستثمرين لشراء الأسهم، إلى درجة اضطرت المصرف المركزي إلى التدخل وإلزام المصارف بألا تمنح المكتتبين في شركات تحت التأسيس قروضاً تفوق 10 في المئة من القيمة الاسمية للأسهم المكتتب بها. وجنى الوسطاء، بدورهم، ثمار الانتعاش غير العادي لأسواق الأسهم الإماراتية، حين جمعوا ما يزيد على 300 مليون درهم نتيجة لعمولاتهم من المستثمرين، كما قدرها خبراء السوق. هذا الانتعاش المفاجئ طرح بعض الأسئلة عن مدى موضوعيته وبخاصة ان حجم التداولات تعدت بليون درهم يومياً في الكثير من الأحيان. اجمع كل من تحدثت إليهم "الحياة" من محللين ماليين وخبراء في الاقتصاد على ان هناك محركات اقتصادية فعلية لهذا النمو، وأخرى غير موضوعية تغذت بالاشاعات وطمع المضاربين. المحرك الاقتصادي الأكبر لهذه السوق خلال الشهور الماضية ولا يزال، في رأيهم، هو الانتعاش العام لاقتصاد الإمارات الذي دعمته عوائد نفطية تجاوزت 120 بليون درهم، وأرباح الشركات التي فاقت كل التوقعات، والسيولة التي تراكمت بفعل تردد الكثير من المستثمرين في تهجيرها إلى الخارج سواء بسبب تداعيات أحداث أيلول سبتمبر في الولاياتالمتحدة أو عدم جدوى الاستثمار في الخارج. ويقول الخبير الاقتصادي، هنري عزام، خلال زيارته للإمارات اخيراً، ان هناك ارتباطاً تاريخياً بين أسعار النفط وأسعار الأسهم، اذ اعتادت أسواق الأسهم الدخول في مرحلة انتعاش ونشاط مع كل ارتفاع في أسعار النفط التي صعدت 50 في المئة العام الماضي، فما بالك في دولة تعتبر من أكبر المنتجين. والسيولة التي تراكمت في جيوب المستثمرين ومحافظ المصارف، في رأي غسان مكي مدير المحافظ المالية في مصرف "بي ان بي باريبا"، وجدت ضالتها في سوقي الأسهم والعقار المحليين بعدما كانت حائرة في الخارج، مستفيدة من عوائد خيالية، في وقت تشهد فيه معظم الأسهم العالمية تقلبات وعدم استقرار ولا تتجاوز عوائدها، مهما كبرت، معدل الثمانية في المئة. ولكن على رغم العوامل الموضوعية التي دعمت باتجاه النمو الكبير لأسواق الأسهم الإماراتية، عبّر بعض المستثمرين ومعهم بعض المحللين عن قلقهم من بعض الظواهر التي صاحبت هذا الانتعاش غير العادي في حجم التداول والارتفاعات "غير المنطقية" في أسعار بعض الأسهم. وعزوا ذلك إلى إقدام عدد كبير من صغار المستثمرين والأفراد، كثيرون منهم لا خبرة لديهم في الأسهم، على الشراء، منجذبين وراء كل إشاعة مهما صغرت من قبل المضاربين. لكنهم استبعدوا ان يكون لهذا تأثير كبير في السوق التي استطاعت فرض نفسها بقوة كأداة استثمارية مجدية في وقت شحت فيه البدائل الاستثمارية الأخرى. وقالوا ان الوعي بالتداول في أسواق الأسهم وكيفية الاستثمار على أسس موضوعية بدأ يدخل تدريجاً إلى بيوت معظم القاطنين في الدولة، مثلما تسللت إليها "ثقافة الاتجار بها" والتي تحتمل المكسب أو الخسارة، على حد تعبير غسان مكي. ومن جهته توقع جمال عجاج تصحيحاً سعرياً لبعض الأسهم مع استمرار "تألق" التداولات في كلتا السوقين خلال هذا العام على الأقل، خصوصاً في ضوء استمرار الطلب العالمي على النفط، وخفض أسعار الفائدة على الودائع المصرفية. لكن المحللين استبعدوا ان يعود القطاع إلى خموله السابق، وان هدأت وتيرته قليلاً، خصوصاً في ضوء المشاريع العملاقة التي أطلقت حديثاً في كل المجالات والمتوقع ان تتضاعف خلال السنوات القليلة المقبلة، والتي ساهمت إلى حد بعيد في تقليل اعتماد الإمارات على النفط الذي بات يشكل اقل من 30 في المئة من الدخل القومي للدولة. حجم التداولات في سوقي الأسهم الإماراتية 2003 / 2004 عام 2002 4.8 بليون درهم عام 2003 7.9 بليون درهم عام 2004 67 بليون درهم معدل النمو 750 في المئة