مفتاح الإدارة الجيدة، كما ورد في ملاحظة ساخرة أبداها لاعب البيسبول المخضرم من فريق اليانكيز، كايسي ستنغل، "هو أن تُبقي اللاعبين التسعة الذين يكرهونك بعيداً عن اللاعبين التسعة الذين لم يحسموا أمرهم بعد". مع ولوجنا عام 2005، قد يكون من المفيد أن ننصح القائمين على إدارة السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة، وخاصة تجاه العالمين العربي والإسلامي، أن يأخذوا بنصيحة ستنغل. إذ من الأرجح، والمقلق في الوقت نفسه، أن تبقى أقلية، وإن كان لا يستهان بها، من العرب والمسلمين في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، معارِضة للولايات المتحدة بغض النظر عما نفعله"لكن أغلبية القلوب والعقول هناك تتجاوب وتتفاعل مع المتغيرات. فوضع استراتيجية لها نصيب أوفر في التأثير عليهم يجب أن تكون الأولوية الرئيسية لإدارة الرئيس بوش الثانية، حيث لم تكن، بصراحة، أولوية تذكر في الإدارة الأولى. خلال التسعينات من القرن الماضي فكّر خبراء السياسة الخارجية والأمن القومي ملياً بما يمكن أن يحل محل الحرب الباردة كنظرية جديدة لها مفاهيمها للسياسة الخارجية خلال القرن المقبل. ومن المؤسف والمأسوي أن الإجابة عن هذا السؤال جاءت في يوم خريف جميل في أيلول سبتمبر 2001 - الحادي عشر من ذلك الشهر - وكل ما حصل بعد ذلك التاريخ أثبت بوضوح مخيف أن علاقاتنا مع العالمين العربي والإسلامي برزت كأهم وأعظم تحدٍ يواجهنا. السبب بسيط، فالمبدأ المنظِّم للسياسة الخارجية لأيّة أمّة هو حماية أرض الوطن. وبكافة المعايير يعتبر الوطن معرَّضاً للخطر اليوم اكثر من أي وقت آخر في التاريخ. عاصفة، بكل معنى الكلمة، ما فتئت تتشكل في هذه المنطقة، تغذيها أنظمة ضعيفة غير مستقرة، وأيديولوجيات ومجموعات معادية للولايات المتحدة، وانتشار لأسلحة الدمار الشامل. ورغم أن هناك الكثير مما لا نستطيع مجابهته في ما يتعلق بهذا التهديد المتنامي، إلا أن هناك الكثير مما نستطيع أن نواجهه. وكحد أدنى، علينا تفادي ما يعزز قوة أعدائنا. هناك طريقتان للنظر إلى هذا التحدي. الأولى صدام لا يمكن تجنّبه وهو راسخ بين الأنظمة والحضارات يرتكز على الدين والثقافة والعقيدة. ومما لا شك فيه فإنه بالنسبة لبعض العرب والمسلمين، تعتبر هذه نقطة الإنطلاق - ألف سنة من الحرب ضد الكفار وحلفائهم، لا هوادة فيها ولا رحمة. هذه المجموعة لا يمكن تغيير رأيها وقناعاتها من خلال تحوّل في الديبلوماسية العامة أو أي تحوّل في سياساتنا تجاه المنطقة قد نكون على استعداد للقيام به. وحتى يتسنى لنا التعامل مع هذا التحدي، نحن بحاجة إلى القوة العسكرية - وربما عملاً عسكرياً استباقياً - واستخبارات جيدة وتعاون مؤثر مع الحلفاء وإجراءات أمنية صارمة داخل الوطن. وجهة النظر الثانية - تلك التي نأمل أن تكون هي الأسلوب الذي ترانا من خلاله الأغلبية الساحقة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وليس من خلال عدسة لا ترى إلا صدام الحضارات، إنما يدور حول صراع المصالح. والمصالح، بعكس الحضارات والثقافات والديانات، معرضة للتغير. والافتراض الضمني المنطقي هنا ليس أنهم يكرهوننا لأننا نحب الحرية، وإنما بسبب كيفية تصرفنا وكيفية صوغ سياساتنا. العديد من المحللين والسياسيين والأكاديميين يرفضون بشكل مطلق ودون قيد أو شرط وجهة النظر هذه وينسبونها إما إلى سذاجة خطرة أو إلى جهل بعمق الحقد ضد الولاياتالمتحدة. وهم محقّون إذا كان المقصود هنا تلك الأقلية التي لا ينقصها التصميم. فتغيُّر سلوكنا ليصبح أكثر حساسية تجاه مصالح العرب والمسلمين لن يستأصل الإرهاب تماماً. وبعضهم، مثل تنظيم القاعدة ومن دار في فلكه، سوف يبحث عن كل فرصة يمكن تصورها لإيذاء الولاياتالمتحدة وحلفائها بغض النظر عما نفعله. لكن هذا لا يشكل عذراً لعدم تبني سياسات متناغمة مع مصالح الولاياتالمتحدة تأخذ بعين الاعتبار الحساسيات الإقليمية، وقادرة على دعم المراكز الرئيسية في هذه المجتمعات وإضعاف الأعداء. وهذا لا يعني القيام بتنازلات لصالح الإرهاب أو استرضاء العرب، بل هو ببساطة سياسة ذكية لقوى عظمى. لا توجد هنا حلول بسيطة أو سريعة. فمعظم ما تعاني منه هذه المناطق، كغياب الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والاعتدال الديني، يجب أن يتم إصلاحه من الداخل، وسوف يتطلب الكثير من الوقت. صحيح أن الأميركيين يفكرون بالأمر من منظور حكومي، لكن خصومنا - بل بعض أصدقائنا - يخططون عبر أجيال، وعلينا أن نفعل ذلك. فإذا ارتأينا دخول المنافسة فإن علينا أن نقوم بتعديل توقعاتنا واستراتيجيتنا حسب ذلك. وهناك إصلاحات على ثلاثة مسارات يجب القيام بها حتى نتمكن على الأقل من الحفاظ على استراتيجيتنا وتصميم استراتيجية فاعلة في حربنا لكسب القلوب والعقول: أولاً: تنظيم أنفسنا، فهناك وزير على مستوى مجلس الوزراء وهناك إدارة لحمايتنا في الداخل. فنحن بحاجة إلى مسؤول برتبة وزير ليدير استراتيجية على طول الحكومة وعرضها تتعلق بالكيفية التي يرانا بها من هم خارج الولاياتالمتحدة الأميركية. ولا يمكن الحصول على الموارد والسلطة الضرورية لوضع استراتيجية كهذه دون موافقة رئيس الولاياتالمتحدة والتزامه. ثانياً: التركيز على القادة الشباب وعلى الزيارات المتبادلة. فكبر حجم شريحة الشباب في تلك المناطق أوجد مصدراً ضخماً لأصدقاء أو أعداء محتملين. فالمحطات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تدعمها الولاياتالمتحدة تصل إلى الملايين، ولكن في كثير من الأحيان ليس بصورة فعّالة. بدلاً من ذلك نحن بحاجة لأن نعمل على إيجاد شبكة من القادة الشباب الذين خبروا مؤسساتنا وثقافتنا ومجتمعنا. والأهم من ذلك، شبابنا في أميركا - العنصر الرئيس في كسر حواجز الشك وعدم الثقة. وأخيراً، نحن بحاجة إلى إعادة تركيز سياساتنا بطريقة تتجاوب مع الحساسيات التي تلقى صدًا في تلك المناطق. فهناك قضيتان تشكّلان نظرة الشرق الأوسط إلى الولاياتالمتحدة هذه الأيام: تعديل رئيس لمسار سياسة الولاياتالمتحدة في العراق وهو عملية متواصلة إلى حدّ كبير لا يبدو محتملاً في المستقبل القريب. ولكن في ما يتعلق بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية، فإن تغييراً في سياسة الولاياتالمتحدة ليس ضرورياً فحسب وإنما هو ممكن اليوم. لا يمكن لأي عمل نتخذه الآن وبشكل فوري أن يفعل المزيد لتعزيز مصداقية الولاياتالمتحدة وتحسين صورتنا وتعزيز مصالحنا الإقليمية، بما فيها الحرب على الإرهاب، أفضل من جهد أميركي جاد وصادق لحل الأزمة الإسرائيلية - الفلسطينية. وهناك أمر واضح: إن الاستمرار في عدم اتخاذ توجه جاد نحو كسب القلوب والعقول، وتعليق لافتة"مغلق حتى نهاية الموسم"على سياستنا تجاه السلام العربي الإسرائيلي، لن يكسبنا أصدقاءً جددا، أو يؤثر على أناس جدد، وسيضمن لنا فعلياً - كما في عالم كايسي ستنغل وكلماته - موسماً سيئاً آخر. - آرون ديفيد ميللر هو رئيس منظمة بذور السلام منذ كانون الثاني يناير 2003، كما عمل خلال السنوات الخمس وعشرين الماضية كمستشار لستة من وزراء خارجية أميركا لشؤون المفاوضات العربية - الإسرائيلية. ينشر المقال بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية.