كثر اخيراً الحديث عن تجديد الخطاب الديني، واحتدم النقاش في ذلك بسبب الضغوط الكبيرة التي يمارسها الغرب على الدول العربية والإسلامية بحجة مكافحة الإرهاب اعتقاداً منه بأن الخطاب الديني السائد يشجع على الإرهاب ويؤمن له الروافد العقائدية والبشرية والمادية. وتجديد الخطاب الديني يجب ان يتم من قبل مجمع بحوث إسلامية يضم مفكرين وفقهاء وعلماء ودعاة الدول الإسلامية كافة يتم اختيارهم من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي او رابطة العالم الإسلامي او اي جهة تخول بذلك، ولا يجوز في حال من الأحوال انفراد عالم او جهة معينة للقيام بهذا العمل الكبير والمهم والذي لا بد له ان يستقل عن الخطاب السياسي لأي بلد من هذه البلدان وإن كان من المفيد ألا يتعارض معه. وقبل ذلك ينبغي الإقرار بأن الخطاب الديني في حاجة الى استعادة مكانته الاجتماعية والمؤسسية، وأن هناك ازمة دعاة في العالم الإسلامي. فالكثيرون منهم يركزون على الفروع ولا يهتمون بالأصول وهذا ما ادى الى القصور في الاجتهاد وعدم تطوير الخطاب الديني بما يتناسب مع العصر ومتطلباته، ومنهم من زج الإسلام في قضايا ومعارك خاسرة. نقول ذلك ونحن مدركون ان الرياح ضد الإسلام والمسلمين والعرب منهم تحديداً، شديدة وعنيفة جداً وتحتاج الى تحرك سريع جداً لتجديد الخطاب الديني باتفاق علماء المسلمين وأئمّتهم الذين يمثلون الوسطية والاعتدال، هذا التجديد الذي يجب ان يتم برؤية عميقة متنورة بعيدة من التشنج والمغالاة ومن دون المساس بالنصوص القطعية الدلالة التي يجب ان تكون ثوابت لا يجوز تجاهلها او إنكارها انطلاقاً من ان الدين ثابت على مستوى حرفية النص ومتحرك على مستوى فهمه وتطبيقه وهذا منطلق الاجتهاد في النص الديني. ما نسميه من الغرب وعادته من المسلمين، وللأسف الشديد، يجعلنا ندرك انهم يريدون ان يكون الإسلام عبارة عن عبادات فقط! ومن هذا المنطلق تمادوا في طلباتهم حتى وصلوا الى المطالبة بحذف الآيات القرآنية التي تحض على الجهاد! علماً بأن الجهاد في الإسلام حركة دفاعية ووقائية، لا يجوز على الإطلاق جعل تخلف بعض علماء المسلمين في فهم النصوص الإسلامية من خلال المناخات والضغوط التي يعيشونها، مبرراً لهذا الطلب وغيره والذي نخشى ان يؤدي فيما اذا استمر الغرب بالتأكيد عليه وأصروا على نهجه المعادي للإسلام، الى ان يصبح كل المسلمين او اكثرهم متطرفين. فالدين عقيدة وشريعة تتضمن فضلاً عن العبادات احكاماً ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية وسياسية تنظم علاقات الناس ببعضهم بعضاً مما يوجب على الدولة وضع التشريعات التي تأخذ في الاعتبار هذه الأحكام ضمن إطار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم الذي لا يوجد له شكل او نموذج محدد في نصوص الكتاب والسنّة. ومن هذا المنطلق لا بد من صوغ خطاب سياسي جديد يأخذ بمبدأي الديموقراطية والعقلانية اساساً له، ويعطي الإسلام المكانة التي يجب ان يحتلها باعتباره روح الأمة. وهنا نؤكد ضرورة ايجاد صيغة للتلاقي بين التيار الوطني والتيار القومي العربي والتيار الإسلامي الحق الذي يُعرف بالتيار المعتدل، للحيلولة دون ان تحوِّل السياسة الدين الى عامل تفريق بدل ان يبقى كما هو في جوهره عامل جمع وتوحيد. وللتوضيح فإن الخطاب الديني ينبغي ان يكون خطاباً واحداً للعالم الإسلامي كله، اما الخطاب السياسي فلكل دولة خطابها الخاص بها، وكم نتمنى ان يكون لأمة العرب خطاب سياسي واحد أو على الأقل مبادئ وأهداف مشتركة تتضمنها الخطابات السياسية القطرية. لكن واقع الحال ومؤشرات المستقبل لا تدعو الى التفاؤل. * سياسي سوري.